تونس.. حين يتحول الغضب الرياضي إلى ممارسة عنصرية
تحول خروج تونس من نهائي أمم أفريقيا إلى ما يشبه الانتقام من الأفارقة من ذوي البشرة السوداء من خلال ممارسات عنصرية، فاتحا واحداً من الملفات الشائكة والمسكوت عنها في المجتمع التونسي، والذي يعاني منه مواطنون تونسيون أيضاً.
يشهد الشارع التونسي، ومنه الرياضي خاصة، غضباً كبيراً بعد إقصاء تونس من ربع نهائي كأس أمم أفريقيا على إثر خطأ تحكيمي في مباراتها أمام غينيا الاستوائية ليتطور هذا الغضب "الرياضي" إلى ما يشبه "انتقام ضمني" يتجلى في ممارسات عنصرية إزاء أفارقة سود في تونس.
والعنصرية في تونس هي واحدة من المواضيع الشائكة المسكوت عنها، فهي بالنسبة للبعض "فزاعة " يستعملها المدافعون عن حقوق الأقليات للتفرقة وجلب انتباه المجتمع الدولي. ولكنها للبعض الآخر حقيقة مفزعة، وجب التصدي وفق الأعراف والقوانين الدولية.
العنصرية "خبز يومي"
جان دارك زاقور أتت إلى تونس في 2013 هرباً من الأزمة السياسية والاجتماعية في ساحل العاج، موضحة أن انتماءها إلى عائلة تعاطت السياسة عرض حياتها وحياة أخواتها للخطر، مما دفعهم إلى مغادرة بلدهم نحو تونس. وتعيش الآن في شقة بحي من أحياء تونس العاصمة برفقة مجموعة من الطلبة الأفارقة، وتحاول كسب لقمة عيش من بيع مواد تجميل أفريقية.
تروي جان دارك في حوار مع DW عربية كيف تعرضت في العديد من المناسبات إلى مضايقات واعتداءات بسبب لونها، مضيفة بالقول: "اضطررت لتغيير مكان سكني بعد أن تعرضت إلى اعتداء متعمد بالحجارة من قبل أبناء الحي، الذي كنت اقطن فيه"، وهو حي شعبي بولاية أريانة قرب العاصمة تونس.
الممارسات العنصرية، التي تتعرض لها جان دارك، تتكرر بشكل يومي. "تتبعني يومياً ضحكات الاستهزاء حيثما أمر، وكلمات تنم عما هو أكبر من العنصرية، مثل "القردة" والكحلوشة (السوداء)، إضافة إلى كلمات نابية تعبر عن الاحتقار والاستفزاز".
ورغم هذا كله، ليس لجان دارك أي سبيل كي تتقدم بشكوى على من اعتدى عليها، لأنها تفتقر حتى الآن لغطاء قانوني يبقيها في تونس بشكل شرعي. وتبقى مجبرة على البقاء لأنها لا تستطيع العودة إلى ساحل العاج، كما أنها ترفض أن تقوم بمغامرة أختيها اللتان اتجهتا إلى ليبيا ومن هناك إلى السواحل الإيطالية على متن قوارب الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط.
قدر آخر مع العنصرية
سيمون ريجينال، طالب من الكاميرون يدرس المحاسبة في إحدى الجامعات الخاصة بتونس، لا يتقاسم مع جان دارك الشقة فحسب، بل وبعض فصول مأساة التعرض للعنصرية أيضاً. يقول سيمون إن أكثر ما تعرض له من ممارسات وإساءات عنصرية غرابة هي تلك التي صدرت عن أحد أساتذته في الجامعة.
"يسموننا أفارقة بينما هم أيضاً أفارقة، أعتقد أن هناك أزمة هوية كبيرة في تونس"، يقول الشاب الكاميروني الذي يستقر بتونس منذ ثلاث سنوات. ويبلغ عدد الطلبة الأفارقة في تونس نحو 8 آلاف طالب، وتراجع هذا العدد تدريجياً في السنوات الماضية نظراً لغياب منظومة تسهل قدومهم إلى تونس و"بسبب ارتفاع نسب الممارسات العنصرية في المجتمع التونسي".
تبدو علامات التأثر على المسؤولة عن الاتصال بجمعية الطلبة والمتدربين الأفارقة في تونس مريم توري وهي تتحدث عن الاعتداءات الأخيرة التي استهدفت مواطنين من دول أفريقية في العديد من المناطق على خلفية خروج تونس من كأس الأمم الأفريقية.
وفي حوار مع DWعربية توضح مريم توري أن "الجمعية سجلت العديد من الاعتداءات الجسدية ضد طلبة من أفريقيا جنوب الصحراء بعد المباراة مباشرة، كما شهدت وسائل التواصل الاجتماعي موجة من العنصرية، ما أجبر العديد من الطلبة الأفارقة على البقاء في منازلهم في اليومين التاليين للمباراة خوفاً من التعرض للشتم أو الضرب".
وتضيف مريم توري بالقول: "كثيراً ما يتعرض الأفارقة السود في تونس إلى العنصرية في وسائل النقل العمومي والخاص أيضاً، فسائقو سيارات الأجرة يرفضون التوقف لإفريقي أسود في العديد من المناسبات".
وكانت مريم قد توجهت العام الماضي برسالة إلى التونسيين عبر الفيسبوك، أثارت جدلاً واسعاً بعد أن عبرت فيها عن حزنها وأسفها لمظاهر العنصرية التي عرفتها منذ قدومها إلى تونس قبل ثلاث سنوات وروت فيها تفاصيل مؤلمة عما يتعرض له أصدقاؤها الأفارقة من تمييز عنصري.
ممارسات عنيفة
لكن على الجانب الآخر، يتحدث هشام الميموني، سائق سيارة أجرة، عن تجاربه الشخصية مع أفارقة سود، تميزت في أغلبها بالتوتر، إذ يرى الميموني أن الأفارقة السود المستقرين في تونس "يتسمون بالعنف ويمارسون العنصرية تجاه التونسيين". وفي كل مرة يقل فيها الميموني طالباً أفريقياً، إلا وتخاصم معه بسبب "تصرف عنيف أو غير مؤدب" تجاهه.
ويقول الميموني إن "تونس بلد يتسع لجميع الأجانب وليس بلداً عنصرياً ولكن المقابلة الأخيرة التي جمعت تونس بغينيا الاستوائية والظلم الذي شهدناه أكد لنا أننا مكروهون من طرف بقية الأفارقة"، مستطرداً: "كلهم عيسى حياتو"، في إشارة الكاميروني رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، الذي أثارت قراراته الأخيرة غضب التونسيين.
العنصرية إفراز لتعصب الهوية
وفي ظل هذا التجاذب وتبادل الاتهامات والأحكام المسبقة، يقول الباحث في الانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية الأمين البوعزيزي في حوار مع DWعربية إن "ظاهرة العنصرية ليست متفشية في تونس بالأشكال المتعارف عنها في البلدان التي شهدت انقسامات أو حروب على أسس طائفية أو عرقية أو دينية، والتي قد تؤدي إلى مذابح أو إقصاء أو كراهيات منفلتة". ولكن الخبير التونسي لا ينفي في الوقت ذاته وجود هذه الظاهرة التي تتجلى خاصة في مناسبات معينة.
ويضيف الأمين البوعزيزي: "كرة القدم وأجواءها كثيراً ما تفجر هذه الظاهرة وتجلى ذلك مؤخراً في موجة العنصرية التي لحقت خسارة الفريق الوطني التونسي أمام فريق غينيا الاستوائية. لكن إحقاقاً للحق، هذه الظاهرة كثيراً ما تتفجر أيضاً بين محبّي الفرق التونسية فيما بينها"، موضحاً أن "ذلك يحصل مثلاً خلال فرق الساحل في مواجهة العاصمة".
ويبرر الباحث التونسي ذلك بأن "أجواء المباريات الرياضية كثيراً ما تؤجج وتفجر طاقة هوية، تعبر عن حب جارف للوطن أو الجمعية لا تستثار إلا أثناء عدوان حقيقي أو وهمي".
ويشبّه الباحث التونسي أجواء المباريات الرياضية بـ"المعركة الحقيقية" التي يتوقف فيها العقل ليفسح المجال للغرائز حيث تستحضر اللغة ترسبات ثقافية تعكس صورة الآخر وتحوله إلى "عدو مستباح". وتحتوي اللهجة التونسية على كلمات مثل "كحلوش" و"وصيف" لوصف أصحاب البشرة السوداء، وهي كلمات عنصرية رغم تغلغلها في الثقافة الشعبية، فكلمة "وصيف" مثلاً تعني العبد أو الخادم.
العمل التربوي والثقافي أولاً
وكغيرها من منظمات المجتمع المدني المناهضة للتمييز العنصري، تعمل جمعية " منامتي" (حُلمي) على محاربة آفة العنصرية عبر الثقافة والعمل التربوي والتوعوي. تقول رئيسة الجمعية سعدية مصباح في حوار مع DWعربية إن "تونس هي التي أعطت اسمها لقارة أفريقيا، وهي أول بلد عربي ومسلم يلغي تجارة الرق ورغم ذلك فسود البشرة في تونس يعانون من نظرة دونية في الشارع وفي كل مكان آخر".
وعن مشاكل الطلبة الأفارقة في تونس تقول سعدية مصباح: "إنهم يعانون من سوء معاملة السلطات التونسية خاصة في المطارات ومراكز الشرطة"، مضيفة أن "أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة يعاملون الطلبة الأفارقة بمكيالين، وقد تم معاينة ذلك في إحدى الجامعات الخاصة، حيث دفع موريتاني أبيض البشرة رسوماً أقل بكثير من طالب موريتاني من ذوي البشرة السوداء". ولا تتوقف الممارسات العنصرية على مواطني الدول الأفريقية من ذوي البشرة السوداء فقط، بل تتعداه إلى التونسيين منهم، والذين يشكلون ما نسبته نحو 15 بالمائة من المجتمع التونسي.
وتشكو سعدية مصباح من ضعف كبير في دور المجتمع المدني والإعلام، فجمعيات المجتمع المدني لا تضع قضية العنصرية في صدارة أولوياتها. كما أن الصحافيين يفتقرون عموماً إلى قواعد التعامل مع هذه القضايا. وتضيف: "أرفض أن يُسمى السود بالأقلية، فهم أغلبية في قارتنا السمراء".
ودعت الجمعية إلى إقرار يوم 23 يناير من كل سنة عيداً وطنياً لمناهضة جميع أشكال العنصرية. وفي مارس 2013 احتفلت تونس للمرة الأولى في تاريخها باليوم العالمي لمناهضة التمييز العنصري. ومع ذلك لم يتضمن الدستور التونسي الجديد مادة يجرم العنصرية، كما لا يوجد تمثيل يُذكر لأصحاب البشرة السوداء في مراكز القرار السياسي رغم نسبتهم في المجتمع التونسي. وتعتبر النائبة عن حركة النهضة منجية كسكسى النائبة الوحيدة من ذوي البشرة السوداء، في مجلس نواب الشعب الذي يضم 217 نائباً ونائبة.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: