يحتفل به بدو البحيرة ومطروح وليبيا.. ما هو يوم "الجلامة"؟
البحيرة – أحمد نصرة:
حلَّ الربيع وبدأت درجة الحرارة في الارتفاع، لم تعد الأغنام في حاجة إلى معاطفها الطبيعية من الصوف، التي باتت تشكل عبئًا ثقيلًا فوق ظهورها، إيذانًا بقدوم موسم "الجِلاَمَة" أو جز صوف الغنم، أحد الطقوس المميزة لرعاة الأغنام والمتوارثة بين القبائل البدوية في مناطق من محافظتي البحيرة، ومطروح، وحتى ليبيا.
تعتمد فكرة يوم "الجِلاَمَة" على العمل الجماعي التعاوني، إذ يتجمّع الرعاة لجزّ صوف أغنامهم، ويخصصون يومًا لكل واحد منهم، ويكون غالبًا بعد الأسبوع الأول من أبريل وحتى بداية مايو، يجمعون خلاله ما بين العمل والترفيه ليتحوّل إلى ما يُشبه الكرنفال الفولكلوري.
"توارثنا الجلامة عن جدود جدودنا طلعنا لاقينا آباءنا مواظبين عليه واحنا بنكمل المسيرة".. هكذا قال نور رحومة القطعاني أحد سكان البحيرة من البدو، مفسرًا حرص القبائل هنا على "يوم الجلامة".
مع أوّل شعاع نور للصباح بدأ الجلّامون في التوافد ليستهل "سيد الضأن" - الاسم الذي يُطلق على صاحب الأغنام - طقوس اليوم بتقديم "المفروكة" كوجبة إفطار لضيوفه، وهي خُبز بدون خميرة يُفتت قطعًا صغيرة ويُضاف إليه الزُبد والتمر والبيض المسلوق، ويُقدم مع اللبن.
أثناء ذلك كان "الصرَّاع" يؤدي مهمته بإمساك الضأن وتكتيفها، بأحبال قصيرة يحتفظ بها حول خصره، وهو عمل شاق، يتطلب من صاحبه أن يكون قوي البنيان.
"عملية التكتيف تكون بربط الشاة من أرجلها الأربعة أو ثلاثة منها بشكل متداخل، طرفان أماميان وبينهما طرف خلفي أو العكس، وهذه الطريقة تُعد الأكثر راحة للحيوان" هكذا شرح حسام الفقي، طريقة تقييد الأغنام، تمهيدًا لجزّ صوفها.
انتهى الجلّامون من إفطارهم وبدأوا في الانتشار حول الأغنام المقيّدة لأداء مهمتهم الأساسية في جزّ صوفها.
ويسبق يوم الجلّامة مجموعة من الاستعدادات، أوضحها العمدة بسيس السمالوس قائلًا: "يجب منع الماء عن الأغنام منذ الليلة التي تسبق عملية جزّ الصوف حتى لا تتعرض للضرر أثناء عملية تكتيفها، ويجري إدخالها من قبل شروق الشمس إلى مكان مُحكم الغلق لا يتسرّب إليه الهواء حتى ترتفع الحرارة، ويتعرق الغنم ما يُسهل عملية جَزّ الصوف".
الشاة التي جلّمت من قبل أسهل بكثير من التي تُجلم لأول مرّة، نظرًا لأن صوفها يكون محيطًا بها، وملصق بشدة على جسمها، فيأخذ الجلاّم وقتًا حتى يحصل على ثغرة ينفذ منها إلى بقية صوفها، أما التي جُلمت من قبل فبطنها تكون نظيفًا، ويجد الجلّام ثغرته المطلوبة التي يبدأ منها عملية الجزّ، كذلك فالشاة الكبيرة السن أصعب في الجلم من الشاة الصغيرة.
و"الجلم" هو الأداة المستخدمة في جزّ صوف الأغنام، وهناك نوعان منه الأول محلي الصنع، ويتراوح سعره بين 70 و200 جنيهًا، أما النوع الآخر فيطلق عليه اسم الماكينة، ويتم جلبه من ليبيا، ويصل سعره إلى 300 جنيهًا.
"كل واحد على حسب ما اتعود فيه ناس بتفضل تشتغل بالماكينة الليبي، وفيه ناس مابتعرفش تشتغل غير بالجلم العادي التقليدي".. أوضح جبريل العزومي.
"رحومة" و"سعد"، طفلان اصطحبهما والديهما في هذا اليوم ليتعلموا الجلامة، وينتهز الطفل فرصة ارتكان والده للراحة بعض الدقائق ربما لاحتساء كوبٍ من الشاي أو لتدخين سيجارة، فيتناول "الجَلًم" الخاص بالأب، ويبدأ في التدرّب بشكل عملي، ومرة بعد الأخرى يكتسب مهارات جزّ صوف الأغنام، ويصبح محترفًا.
انتصف النهار وبدأ الجلّامون يشعرون بالإرهاق، وحاجتهم لقسط من الراحة، ليأتي موعد "الكرامة" وهي شاة أو أكثر يذبحها "سيد الضأن" بحسب العدد الموجود ليقدم لحمها مع "الأرز المرجع" بالسمن واللبن، وأحيانًا المكرونة الجارية قبل أن يعاودوا أعمالهم ثانية، أما "الشاي الزردة" فيُقدم بطريقتهم الخاصة على مدار اليوم.
في يوم الجلامة يتبارى الجلّامون فيما بينهم، ويكون محور التنافس هو عدد الأغنام التي استطاع كل منهم الانتهاء من جلمها، ويكون الفائز بالطبع صاحب العدد الأكبر.
قال مختار القطعاني: "الفائز يحق له فعل أي شيء من الممكن أن يأتي بالصوف وينثره فوق رؤوس منافسيه، ولا يحق لأحد منهم الاعتراض، ولكن بالطبع الأمر لا يخرج عن مجرّد الدعابة".
أخيرا انتهى الجلّامون من أعمالهم وتجمّعت لديهم كميات كبيرة من الصوف جرى وضعها في أجولة كبيرة، وهنا تأتي مرحلة استثمارها إما بالبيع أو بالمقايضة.
"تُقدّر كمية الصوف وتباع لتجار كفر الشيخ، أو تُقايض بعدد من البطاطين تُعادل قدر كمية الصوف مع منحهم مقابل المصنعية فقط" هكذا أوضح رجب بوخالد، طريقة استفادة سيد الضأن من الصوف الناتج عن الجلامة.
في نهاية يوم من العمل الشاق يجلس الجلّامون للاحتفال واحتساء الشاي وسماع "القذاذير" وهي أهازيج من أبيات منظومة تحمل معانٍ وأفكار بليغة تُلقى في شكل تحدٍ بين اثنين من الجلّامين يتخذ كل منهما رمز للحديث بلسانه إما الذئب أو الراعي.
فيديو قد يعجبك: