لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"نزفت حتى جفّت".. كيف أصبحت دارفور "صانِعة الملوك" في السودان؟

05:02 م الخميس 11 يوليو 2019

سكان دارفور

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا أسامة:

سلّط الباحث والكاتب الفرنسي المُتخصص في الشأن السوداني، جيروم توبيانا، الضوء على منطقة دارفور التي قال إنها "نزفت حتى جفّت" في ظل الاضطرابات التي مزّقتها لأكثر من عقد من الزمان، واستغلال الرئيس السابق عُمر البشير لها من أجل تثبيت أقدامه في الحُكم خلال التظاهرات التي أطاحت به في نهاية المطاف.

واستهلّ الكاتب الفرنسي مقاله المنشور بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، بالإشارة إلى قصة شاب، يُدعى حُسام، غادر دارفور قبل عامين ضمن ألفيّ طالب لجوء آخرين فروا من المنطقة، وهو يعيش الآن في مخيم للاجئين بصحراء شمال النيجر.

ذكر الكاتب أن حُسام، الذي حجب اسم عائلته، عبر حدود دولتين وفقد زوجته التي اختطفها مُتاجرون بالبشر في ليبيا، فيما كان يُخطط حينها لعبور حدود دولتين أو ثلاث وصولًا إلى أوروبا.

"انتهاكات الجنجويد"

وأشار إلى أن حُسام حينما كان طفلًا، أُحرِقت قريته، كما العديد من القُرى غير العربية في دارفور، على يدّ مليشيات "الجنجويد"، وهي مليشيات من قبائل عربية دارفورية سلّحتها الحكومة السودانية لمُحاربة المتمردين غير العرب والمُجتمعات المدنية.

كما اختُطِفت إحدى شقيقاته البالغة من العُمر 14 عامًا، فيما اغتُصبت شقيقته الأخرى ذات الـ10 أعوام. وبعد ذلك، غادرت أسرته إلى مُخيّم للمُشرّدين داخليًا في شمال دافور. وتمكّن حسام من التسجيل بمدرسة المُخيّم ثم التحق بجامعة في العاصمة السودانية الخرطوم.

في ذلك الوقت، حاولت المخابرات السودانية تجنيد حُسام للتجسس على الطلاب الآخرين، وهدّدوا بقتله إن رفض ذلك، لكنه ثبت على موقفه الرافِض.كما أنه لم يكن مُرحّبًا به من قِبل أساتذته الذين دأبوا على أن يقولون له إنه "ليس كغيره من الطلاب لأنه ليس عربيًا، ولأنه من دارفور المُضطربة".

وأوضح توبيانا أن مُعظم الطلاب في فصل حُسام كانوا من المجتمعات المُستعربة وسط السودان، والقليل منهم جاءوا من أطراف السودان مثل دارفور وكردفان.

وكما العديد من الطلاب السودانيين، انضم حُسام عام 2013 إلى التظاهرات واسعة النطاق التي اندلعت ضد حكومة الرئيس طويل الأمد عُمر البشير. وقمعت السلطات السودانية التظاهرات بعُنف، إذ وقع ما لا يقل عن 200 قتيل، بينهم شقيق حُسام، محمد. وبحسب مُنظمات حقوق الإنسان، فإن طُلاب دارفور، على وجه التحديد، كانوا مُستهدفين.

في عام 2016، اعتُقِل العديد من الطلاب في السودان، وتحديدًا من دارفور، وبينهم حُسام الذي قضى 7 أشهر في سجن كوبر سيء السُمعة بالخرطوم. وعندما أُطلِق سراحه، قرّر هو وزوجته المُغادرة إلى ليبيا؛ أملا في الوصول إلى أوروبا، وكان هناك الآلاف مثله على مدى الأعوام القليلة الماضية، بحسب الكاتب الفرنسي.

"دارفور نزفت حتى جفّت"

ومع اشتعال فتيل ما أُطلِق عليه "الثورة السودانية" في أواخر العام الماضي، شارك عدد قليل قليلة من مِنطقة دارفور والأطراف التي مزقتها الحروب، وعزا الكاتب الفرنسي سبب ذلك بقوله إن "دارفور نزفت حتى جفّت مع استهداف السلطات لمُتظاهريها بشكل خاص خلال الجولات السابقة من التظاهرت".

وبالرغم من أن الكثير من شباب دارفور كانوا في الماضي يؤيّدون أو يُشاركون في المجموعات المعارضة المُسلّحة، قال الكاتب إن عددًا مُتزايدًا منهم، مثل حسام، يئسوا من التغيير، وبدلًا من ذلك بدأوا يغادرون أو يخططون للمغادرة.

وأشار إلى النظام السوداني كان ينظر إلى التظاهرت التي اندلعت في ديسمبر 2018 باعتبارها "مؤامرة مُدبّرة من ثوار دارفور المدعومين من الغرب"، ومع ذلك فإن نظريات المؤامرة التي أطلقها نظام البشير افتقدت إلى المصداقية؛ لاسيّما وأنها لم تقتصر على مناطق الحروب والنزاعات فقط، كما أن البشير أصبح، في السنوات الأخيرة، شريكًا مُقرّبًا من أمريكا والاتحاد الأوروبي.

"شعارات انتهازية"

وردّ المُتظاهرون على النظام بشعارات "كلُ البلد دارفور" و"كلنا دارفور". وكانت هذه الشعارت، في رأي الكاتب، انتهازية وصادقة في الوقت نفسه. وعندما تحوّلت التظاهرات في أبريل 2018 إلى دعوات لاعتصام حاشِد ومفتوح، خرج الناس من دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، ليس لدعم المُعتصمين فقط، ولكن أيضًا لتذكير الجموع في الخرطوم بالأهوال التي عايشوها، بحسب الكاتب الفرنسي.

وفي الوقت ذاته، ظهرت في شوارع الخرطوم مجموعة أخرى، مُعظم أفرادها من دارفور وهي: قوات الدعم السريع، وهو الاسم الرسمي لمليشيات الجنجويد، المسؤولة عن العنف في دارفور ومُحيطها. وأشار الكاتب إلى أن حُسام واجه عنف "الدعم السريع" مرتين؛ إحداهما خلال تظاهرات عام 2013، والأخرى عندما عبر من السودان إلى ليبيا حيث تعرّض للسرقة والاعتداء.

وعلى خلاف ما حدث في تظاهرات عام 2013، بدت قوات الدعم السريع وكأنها تؤيد المتظاهرات، وتولّى قائدها محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي تولّى إدارة البلاد بعد الإطاحة بالبشير في 11 أبريل الماضي. ورغم أن قرار حميدتي عدم الامتثال لأوامر البشير بإطلاق النار على المتظاهرين أكسبه شعبية بين المتظاهرين في الخرطوم ، إلا أن أهالي دارفور وغيرها من المناطق التي مزقتها الحروب ظلوا متوجّسين، كما يقول توبيانا.

واعتقد الكاتب أن هذا الأمر رُبما كان أحد الأسباب التي دفعت حميدتي لقلب السياسة السودانية رأسًا على عقب. ففي الماضي كانت سياسة "الجنجويد" قائمة على رؤية مُبسّطة لكنها فعّالة ومُقسّمة إلى ثلاثة أجزاء: المركز (وسط السودان)، وغير العرب في الأطراف، والعرب في الأطراف.

وأشار إلى أن دور حميدتي في سقوط البشير أكسبه شعبية في وسط السودان، لكن يقول إن "شهر العسل" بينهما انقضى في 3 يونيو، عندما قامت قوات الدعم السريع بقيادة فض الاعتصام، ومنذ ذلك الحين بدا حميدتي، الذي أصبح بحاجة ماسّة لتوسيع قاعدته من عرب دارفور، مُستعدًا لعقد شراكة مع السودانيين كلهم في الأطراف ضد المركز.

"أمير حرب"

وقال الكاتب إن حميدتي، الذي وصفه بـ"أمير حرب"، يُقدّم نفسه على أنه الرجل الأول القادم من أطراف السودان الذي يصل إلى مثل ذلك المنصب الرفيع، ويمثل المناطق المُهمّشة كلها، ولهذا السبب يتعامل بعضهم مع حميدتي الذي لقي مؤشرات ترحيب من قِبل المُعارضة المُسلّحة. وقال قائد الثوار الدارفوري ميني ميناوي إنه "بالرغم من أن قواته خسرت الكثير من حربها مع قوات الدعم السريع، إلا أن العدو الحقيقي كان المركز".

ولفت الكاتب إلى أن كل ذلك حدث قبل 5 يوليو، أي قبل اتفاق المجلس العسكري الانتقالي وممثلي حركة الاحتجاج على سلطة انتقالية جديدة يتقاسمون فيها السُلطة، وهو ما رفضته قيادات فصائل ثوار دارفور الرئيسية، باعتبار أن الاتفاق يُعد "تجسيدًا آخر لإعادة سيطرة المركز على الأطراف"، بما يفتح الباب أمام استمرار مفاوضات منفصلة مع حميدتي، على حدّ توقّعه.

وبالنسبة للثوار المُشكّكين في حميدتي، رجّح الكاتب أنه قد لا يكون أمامهم خِيار سوى العمل مع قواته التي لطالما أوقعت منهم قتلى. وفي حال لم يتمكّنوا من التوصل إلى صفقة معه الآن في دارفور، فقد يُخاطرون بضياع فرصة الاستفادة من غنائم الثورة، وتحديدًا استعادة السيطرة على أراضي من دارفور، بما قد يمنحهم قوة ضغط أكبر في أي مفاوضات مستقبلية.

ومع أن نظام البشير رُبما يكون قد ولّى، يقول الكاتب إن الانقسامات السياسية والقبليّة العميقة التي تنخر المجتمع مازالت قائمة، ويرى أن السودان قد يكون بحاجة إلى عمليتيّ انتقال: "من الحكم العسكري إلى الحُكم المدني، وأخرى من الحكم المركزي إلى حكم الدولة الوطنية الحقيقية".

وأشار إلى أن حُسام وغيره من طالبي اللجوء السودانيين في النيجر كان لديهم "بصيص أمل" لكن قبل أن تقوم قوات الدعم السريع بفضّ الاعتصام أمام القيادة العامة بالخرطوم، والذي أوقع ما لا يقل عن 128 قتيلًا.

واختتم الكاتب الفرنسي مقاله برسالة بعث إليه بها حُسام عبر تطبيق واتساب، جاء فيها: "بعضنا سعيد للغاية بسبب ما آل إليه الوضع في السودان. ويقولون إنهم يريدون العودة للبلاد، لكن آخرين ظلوا قلقين، لذا نأمل أن يكون هناك تغيير حقيقي لأننا نحتاج لبلدنا".

فيديو قد يعجبك: