صعوبات نحو تطبيق قانون "جاستا" الأمريكي ضد السعودية – (تقرير)
تقرير – محمد مكاوي:
أصبح قانون العدالة ضد الإرهاب، أمرًا واقعًا بعدما مرر الكونجرس الأمريكي القانون الذي قد يسمح لأقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية مقاضاة السعودية التي تعد أكبر حليف لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن صعوبات قانونية وأمنية واقتصادية قد تحول دون تطبيق القانون ضد السعودية بحسب محللين.
ومرر الكونجرس القانون رافضًا لأول مرة خلال فترتي حكم أوباما حق الفيتو الذي استخدمه الرئيس الأمريكي ضد القانون الذي حذر هو وكبار قادة الجيش والاستخبارات من تطبيقه وقالوا إن هذا القانون لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، ويعرض الحكومة الأمريكية لقوانين مشابهة.
وقال أوباما في مقابلة سابقة مع شبكة "سي.بي.سي" إذا "أفسحنا المجال أمام أفراد أمريكيين لمقاضاة الحكومات بشكل مستمر، فإننا سنفتح الباب أمام مقاضاة الولايات المتحدة من قبل الأفراد في بلدان أخرى".
وأدين 15 سعوديا من أصل 19 شخصًا في الهجوم على برجي التجارة العالمية في نيويورك 11 سبتمبر 2001، إلا أن المملكة نفت رسميًا أيّ دور لها في الأحداث التي تبناها تنظيم القاعدة.
وقال مجلس الوزراء السعوي إن "اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية لقانون جاستا يشكل مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي الذي تقوم العلاقات الدولية فيه على مبدأ المساواة والحصانة السيادية وهو المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين، ومن شأن إضعاف الحصانة السيادية التأثير سلباً على جميع الدول بما في ذلك الولايات المتحدة".
وأعرب المجلس عن أمله بأن تسود الحكمة وأن يتخذ الكونجرس الأمريكي الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب على سن قانون جاستا" .
كما دعمت عدد من الدول السعودية في موقفها الرافض من القانون أبرزها الدول العربية والخليجية عبر مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.
الدكتورة أمل صقر، نائب مدير مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تقول إن العلاقات السعودية - الأمريكية يبدو أنها سوف تدخل مرحلة جديدة يشوبها مزيد من التوتر غير المسبوق والخلافات المتصاعدة، خاصةً أن أولى القضايا قد رُفعت بالفعل في المحاكم الأمريكية على المملكة بعد إقرار قانون "جاستا".
ورفعت أرملة أحد ضحايا هجمات 11 سبتمبر وتدعى ستيفاني روس دي سيمونيه دعوى قضائية ضد المملكة العربية السعودية متهمة إياها بتقديم الدعم لتنظيم القاعدة وزعيمه الراحل أسامة بن لادن، وذلك في الدعوى القضائية التي رفعتها في محكمة العاصمة واشنطن، حيث أظهر موقع المحكمة أن رقم القضية هو "16-cv-1944" – بحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
دي سيمونيه رفعت الدعوى القضائية باسمها واسم ابنتها، التي كانت حاملا فيها وقت مقتل زوجها باتريك دن الضابط في البحرية الأمريكية. وفقدت دي سيمونيه زوجها في 11 سبتمبر عام 2001 إثر سقوط إحدى الطائرات المختطفة في الهجمات على مقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
وتضيف صقر في مقال تحليلي نشر على موقع المركز الإلكتروني، أن "المملكة لديها عددا من أوراق الضغط في التعامل مع قانون (جاستا) المعيب، أبرزها سحب الاستثمارات والأصول السعودية، ملف مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني، العمل الخليجي المشترك".
إمكانية التراجع
يرى الدكتور أنور عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية، أن الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية أمامها فرصة للتراجع عن تطبيق قانون "جاستا" وذلك عبر إحالته إلى المحكمة الدستورية الأمريكية (العليا) التي قد تقضي ببطلان القانون.
ويقول عشقي في اتصال هاتفي مع مصراوي من مدينة جدة، إن المملكة السعودية قد تلجأ إلى الطعن على قانون "جاستا" عبر جماعات أو أفراد في الولايات المتحدة الأمريكية مثل المركز الإسلامي الأمريكي أو جماعات مجتمع مدني، نافيًا وجود تنسيق بين الإدارة السعودية والأمريكية في هذا الشأن.
وتوقع عشقي أن يحدث اتصالا في الوقت القريب بين الرياض وواشنطن لإحالة القانون إلى المحكمة الدستورية، كما توقع أيضًا تدخل الأمم المتحدة لرفض هذا القانون الذي ينتهك ميثاقها الذي أعطى حصانة للدول الأعضاء.
بينما تنقل الباحثة أمل صقر عن خبراء قانونيين أمريكيين لديهم خبرة في مقاضاة حكومات دول أجنبية، "فإنه من الصعب مقاضاة الحكومة السعودية استناداً إلى "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"، ودفع هؤلاء بحجتين لتأكيد هذا الرأي، أولاهما صعوبة قيام محامي عائلات الضحايا بإثبات أن السعودية كدولة أو حكومة مسؤولة بشكل مباشر عن أحداث 11 سبتمبر، والحجة الثانية هي صعوبة الحصول على وثائق من الحكومة الأمريكية أو السعودية تتعلق بالأحداث، حيث تمثل أسراراً ذات صلة بالأمن القومي".
وتضيف صقر أن "الكونجرس خلال الفترة المقبلة، وربما بعد موسم الانتخابات، قد يلجأ إلى تعديل القانون من أجل ضمان حماية القوات الأمريكية في الخارج، ومنع تعرض واشنطن لإجراءات تقاضٍ في الخارج أو مبدأ المعاملة بالمثل. كما أن الإدارة الأمريكية المُقبلة لن تغامر بشبكة علاقاتها ومصالحها الضخمة مع الرياض. وفي هذه الحالة قد تضغط السلطات السعودية من أجل أن تخرج الصياغة المعدلة للقانون بما يجنبها أي أضرار.
الأمن القومي
يقول عشقي، إن القانون لا يستهدف المملكة العربية السعودية خاصة أن جميع الجهات المختصة برأت المملكة من صلتها بهجمات 11 سبتمبر.
وتوقع عشقي، عدم تفعيل القانون بحق المملكة خاصة أن تطبيق القانون بعد التعديلات الأخيرة يتطلب إثبات علاقة الدولة بشكل مباشر بالعملية الإرهابية وأيضَا أخذ الإذن من الحكومة الأمريكية والتنسيق معها قبل مقاضاة الدولة وهو ما يشكل عقبات أمام تطبيق القانون بحسب قوله.
فيما يقول أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام الباحث في الشؤون الاستراتيجية، خالد الفرم، إن تبني الجمهوريين والديمقراطيين بأغلبية كبيرة للقانون المعروف إعلاميا باسم "جاستا"، "يعد تغيرا ملحوظا في السياسة الأمريكية خاصة"، مع صعود دور المملكة في منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها في ملفات عدة باليمن وسوريا والعراق، إضافة إلى دورها البارز في مكافحة الإرهاب.
واعتبر الفرم في مداخلة مع قناة "سكاي نيوز عربية" أن واشنطن "تريد انتزاع مصالح سياسية واقتصادية من السعودية عبر الضغط بمثل هذا القانون".
وحول الإجراءات التي قد تتخذها المملكة في مواجهة هذا القانون، يقول الفرم إن "المملكة في مثل هذا الظرف لديها حزمة من الاستراتيجيات التي تتمحور حول الحاجة الغربية الملحة إلى التعاون الاستخباراتي السعودي إقليميا ودوليا في مجال مكافحة الإرهاب".
وتتعاون الرياض مع واشنطن في الجانب الاستخباراتي ومكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط خاصة في مناطق اليمن وسوريا والعراق.
ويضيف المتخصص في الشأن السعودي أنه " إذا قررت الرياض عدم مشاركة هذه المعلومات، فستضرر الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، مما يضعها أمام تهديدات أمنية بسبب نقص المعلومات".
الجانب الاقتصادي
هدد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بسحب الاستثمارات السعودية من الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتراوح ما بين 750 مليارا إلى تريليون دولار.
ويعلق خالد الفرم المتخصص في الشأن السعودي ويقول إنه " لا يوجد ما يمنع السعودية من سحب هذه الأموال إذا ما شعر القائمون على هذه الاستثمارات أنها في خطر".
بينما تقول الدكتور أمل صقر الباحثة في مركز المستقبل، إنه "في الحقيقة، ثمة صعوبات قد تنطوي على اللجوء إلى هذا الخيار، لأن بيع المملكة لأصولها في الولايات المتحدة أمر بالغ التعقيد، كما أن قيام الرياض بهذه الخطوة سيعني تراجعاً في أسعار هذه الأصول بصورة كبيرة، ما ينتج عنه خسائر ضخمة. وبالتالي تظل هذه الورقة الاقتصادية مؤثرة إذا استدعت الضرورة، وإن كانت صعبة التنفيذ".
فيديو قد يعجبك: