لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ضرورة عدم تضخيم أهمية السوشيال ميديا

د. إيمان رجب

ضرورة عدم تضخيم أهمية السوشيال ميديا

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:58 م الإثنين 26 سبتمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

شاركت في العديد من المناقشات في الآونة الأخيرة والتي تدور في مجملها حول أهمية تعزيز الحضور على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وغيرها من أجل تحقيق التأثير، ومعظم الآراء المؤيدة لهذا التوجه ترى أنه "إذا لم يكن لديك حضور على السوشيال ميديا فأنت لست مؤثرا".

وعادة ما تستخدم هذه الآراء الإحصاءات السنوية المتعلقة بحجم استهلاك منصات السوشيال ميديا في العالم، ومنها على سبيل المثال احصاءات موقع ستاتيستا statista والتي تشير إلى أنه حتى يناير 2022 كان موقع فيسبوك هو الأول في العالم من حيث الاجمالي الشهري للمستخدمين النشطين والذي بلغ 2 مليار و910 مليون مستخدم، ويليه يوتيوب باجمالي 2 مليار و562 مليون ثم الواتس اب باجمالي 2 مليار مستخدم، ثم انستجرام باجمالي مليار و478 مليون مستخدم.

والحقيقة أن هذه الإحصاءات بمفردها غير كافية لمعرفة الوزن الحقيقي لمنصات السوشيال ميديا في أي مجتمع، فتحديد هذا الوزن يتطلب بيانات أخرى منها حجم البنية التكنولوجية التحتية التي تسمح بالاتصال بالإنترنت، وبالتالي نسبة من لهم اتصال بالإنترنت من إجمالي السكان مقارنة بمن ليس لهم أي اتصال بالإنترنت، وكذلك حجم الوقت الذي يتم قضاؤه على منصات السوشيال ميديا من إجمالي ال 24 ساعة في اليوم ، فضلا عن حجم استهلاك السوشيال ميديا مقارنة باستهلاك وسائل الإعلام الأخرى التقليدية مصنفة بالجنس والسن والنطاق الجغرافي.

ويستمر أصحاب الرأي في تضخيم أهمية منصات السوشيال الميديا في التدليل على موقفهم بالحديث عن أننا نعيش اليوم في "عصر السوشيال ميديا" ، ويذهب هؤلاء إلى أن الشركات الناشئة والمستثمرين الصغار قد يكتفوا بأن يكون لديهم صفحة على الفيسبوك او على انستجرام للترويج لمنتجاتهم بدلا من تأسيس شركة لها مقر جغرافي ما، وهذا المثال أيضا يغفل أن معظم هذه الشركات تقوم باستكمال عملية التأسيس الفعلى لها حتى يكون لها شخصية قانونية يمكن الرجوع عليها من قبل المستثمرين وحتى تبني الثقة مع المستهلكين لمنتجاتها وخدماتها، وبالتالي فإن الصفحات على هذه المنصات ماهي إلا مرحلة انتقالية يتم من خلالها اختبار فكرة الشركة وقابليتها للنجاح والاستمرار.

ومن المهم هنا توضيح أن الاستثمار في النشاط والانتشار على السوشيال ميديا يعني استثمار في الفراغ، وفي هذا الصدد يلاحظ في الآونة الأخيرة حرص جهات عدة على التحديث المستمر لصفحاتها الفيسبوك بدلا من تحديث مواقعها الرسمية على الانترنت باعتبارها الأكثر متابعة من قبل الجمهور، ولكن هنا ينبغي التنبيه إلى أن هذه الصفحات ومحتواها قد تختفي بقرار من الشركات القائمة علي تلك المنصات، دون أن يكون لصاحب الحساب سواء كان شخص أو شركة أو جهة حكومية القدرة على الوصول إلى الأرشيف، وفي حال استمرار تلك الحسابات دون حجب فإن قدرة صاحب الحساب على الوصول لتدوينة كتبها أو تعليق نشره على صورة ما قبل ثلاث سنوات على سبيل المثال مسألة تكاد تكون صعبة وفي حالات معينة غير ممكنة.

كما أن قياس التأثير على منصات السوشيال ميديا بما إذا كانت التدوينة تتحول إلى تريند أو لا يكشف عن عدم معرفة بطبيعة تأثير التدوينة ومحتواها، فكثير مما هو متاح على الانترنت مؤثر في حياة الناس وفي قراراتها دون أن يكون ضمن "أعلى تريند على الفيسبوك" أو ضمن قائمة "الهاشتاج الأكثر تداولا" أو ضمن قائمة "الأكثر بحثًا على جوجل اليوم" . وتتوقف أهمية التريند بشكل كبير على القضية والتوقيت والأطراف المعنية وما نتج عن التريند من قرارات في الحياة الفعلية.

كذلك فإن ما ينشر على السوشيال ميديا لا يعكس بالضرورة الواقع الفعلي ولا يؤثر فيه بالشكل الذي يتم تضخيمه من قبل كثيرين، ولا أتحدث هنا عن وجود حسابات تحمل اسم فتاة ما في حين أن صاحب الحساب رجل وهو المثال الأشهر، ولكن أتحدث عن تحول منصات التواصل إلى فضاء يستطيع من خلاله المستخدمين أن يرسموا لأنفسهم شخصيات لا تعبر عن شخصيتهم في الواقع من خلال مثلا نشر رسائل وتدوينات تتحدث عن أهمية الاستثمار في البورصة بما يوحي بأن صاحب الحساب مستثمر في البورصة ولديه ملاءة مالية ويقدم نصائح لمتابعيه حول الاستثمار الجيد في البورصة في حين أن صاحب الحساب لم يسبق له أن استثمر في البورصة، وربما الأمثلة على ذلك كثيرة، حتى أصبح لكثير من أصحاب الحسابات على السوشيال ميديا شخصية فيسبوكية، وشخصية أخرى مختلفة على اليوتيوب، وشخصية ثالثة هي شخصيته offline في الحياة الفعلية. وهذا التعدد في الشخصيات أصبح مقبولا بين مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي ولم يعد رائجا تسمية هؤلاء بالنصابين والمحتالين بل على العكس يتم التعامل معهم على أنهم أصحاب "ذكاء رقمي".

هذه الأبعاد لا بد أن توضع في الحسبان من قبل أي مسئول حكومي في تعامله مع الجمهور ومن قبل أصحاب المشاريع الاستثمارية في تعاملهم مع المستهلكين ، وهي كفيلة بوضع منصات التواصل الاجتماعي في حجمها الحقيقي وأنها مجرد إحدى الأدوات التكنولوجية المستحدثة للتحرك في العالم الافتراضي دون أن يعني ذلك أنها أداة للتأثير في الواقع الفعلي أو تغييره وهو الذي يتطلب استراتيجيات تواصل أخرى توظف بشكل جيد مختلف أدوات الإعلام والاتصال على تنوعها.

إعلان

إعلان

إعلان