إعلان

حسين فهمي.. سيرة السينما المصرية في نصف قرن

د. أمــل الجمل

حسين فهمي.. سيرة السينما المصرية في نصف قرن

د. أمل الجمل
07:00 م السبت 12 مارس 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

أهم ما يميز كتاب «حسين فهمي.. سيرة السينما المصرية في نصف قرن» للناقد المصري أحمد شوقي - يقع في ٢٧٢ صفحة، والصادر عن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، الدورة الحادية عشر، مارس ٢٠٢٢ - أنه خلال تأملنا لقراءة المؤلف الذكية للأفلام ولظروفها التاريخية والسينمائية يُمكننا أن نضع أيدينا على عناوين لمشاريع وأفكار - على الأقل - لعشر دراسات سينمائية قد تسد ثغرات مهمة في تاريخ السينما في علاقتها بالمجتمع، وبالحركة النقدية - هذا لو كانت لدينا مؤسسات ثقافية بحثية جادة في ذلك - ومنها على سبيل المثال: «محاولة وضع الأيدي على ما تغير في أذهان المصريين» عبر نصف قرن من الزمان، ليس فقط من خلال رصد مسيرة حسن فهمي، لأن الأمر قد ينطبق - بنتائج مغايرة - على غيره من بعض النجوم أو المخرجين الذين استمرت مسيرتهم خلال حقبات تاريخية مهمة وملهمة. كذلك دراسة «الحس التجريبي» الذي ميّز أشرف فهمي في أفلامه الأولى، ومنها «رغبات ممنوعة»، أو «علاقة الشد والجذب المستمرة بين الفنانين وأجهزة الدولة والجمهور»

أفكار خصبة لدراسات واعدة

كذلك مثلاً أنه: «في بعض الأحيان يكون لبعض الأفلام دلالة تاريخية تفوق قيمتها الفنية بكثير، ومنها «ملكة الليل»، الذي يبدو دون أن ينتبه صنّاعه وكأنه إعلان لنهاية حقبة وبداية لحقبة أخرى في السينما المصرية.» أو المزاج الشعبي المصري في استقبال أفلام بعينها منها «خللي بالك من زوزو» مثلاً. أو أن «بعض الأفلام تمتلك قيمة تاريخية تنبع من مستواها السينمائي المرتفع، وبعضها تأتي قيمتها من فرادتها واختلافها الواضح عن سائر الإنتاجات الأخرى.. «فيفا زلاطا» نموذجاً، فهو فيلم الويسترن الوحيد في تاريخنا السينمائي.»

ما سبق من أفكار نابهة طرحها شوقي بين سطور قراءته للأفلام، لكنها تصلح لأن تكون بذور خصبة لدراسات واعدة. وصحيح أن شخصية حسين فهمي من الثراء والثقل بحيث يصعب تناولها دفعة واحدة في كتاب جامع مانع، فتجربة هذا الفنان مع رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي وحدها يمكن أن تكون متناً لكتاب مهم، كذلك حكايته مع النجوم والفنانين والمخرجين الذين عاصرهم، وحتى عائلته ودورها التاريخي والسياسي.

ربما لذلك كله اختار أحمد شوقي بوعي - بما أن الجائزة عن إنجاز العمر - أن تكون زاوية التناول المرور على جميع الأفلام التي مثلها حسين فهمي، ومحاولة ربطها بظروف عصرها، وأن يستشف منها طبيعة مسيرة السينما في أرض الكنانة، فمثلاً؛ «فيلموغرافيا حسين فهمي خلال العام 1973 تكشف تنوع أطياف السينما المصرية آنذاك، وتعدد الخيارات التي كان من الممكن على نجم صاعد مثله أن ينالها ويقرر خوضها.»

الجيد والسيئ أيضاً

وإن كان شوقي منذ البداية يقدم خارطة لملاح حسين فهمي، ومنها: «الأوجه المتعددة لهذا الممثل الكبير: وجه الفنان المغامر الداعم لوجهات مختلفة عن السائد، وجه نجم الشباك الذي يجسد أحلام المراهقات، وجه الممثل المطاطي الذي يوضع داخل أي مساحة إبداعية فيتكيف مع ما يناسبها، ووجه المشخصاتي الكبير الذي يترقب الفرصة المناسبة ليقتنصها فقط من دور يحفر مكانه في الذاكرة.»

مع ذلك، يعترف أحمد شوقي منذ الصفحات الأولى لأحدث مؤلفاته بأن: «الكتاب ليس بالضبط عن حسين فهمي، بل، عن موقع السينما المصرية من خلال أفلام كان حسين فهمي أهم نجومها. أبطال الكتاب هم الأفلام التي لعب نجمنا بطولتها.» موضحاً أنه سيخصص «لكل منها مساحة تتلاءم مع أهميته.»

لذلك، اختار شوقي أن يمر على ١٢٦ فيلماً - ليتوقف أمامها - هى حصيلة فيلموجرافيا الفنان الذي كرمه الأقصر الأفريقي. لم ينتقي المؤلف أفضل الأفلام لتحليلها، بل جميعها؛ الجيد وكذلك السيء.. وأثناء تلك القراءة - التي لا تتفادى الهجاء النقدي أحياناً - سيحاول المؤلف فهم الأثر المتبادل بين النجم والصناعة.

بين التبرؤ في الماضي وتحمل المسئولية الآن

لكن الظريف، والمثير للإعجاب هو رد فعل حسين فهمي، وموقفه الآني من جميع أفلامه، إذ لم يتبرأ من أي فيلم، حتي لو كان ضعيفاً، فرغم أنه في شبابه وبداياته الفنية «خرج ليعلن تبرؤه من فيلم «سيدة الأقمار السوداء» للبناني سمير خوري، معتبرا إياه إساءة لمسيرته، وقاضى مخرج الفيلم، متهًما إياه بالخداع بعدما استخدم ممثلا بديلا (دوبلير) لإضافة مشاهد جنسية، لمنح الفيلم المزيد من الجماهيرية.»

نقول مع ذلك، عندما سأله شوقي: «هل هناك أفلام من قائمة أعمالك التي تضم 126 فيلما لا تحبها أو تسقطها من حساباتك؟» هنا، أجابه فهمي: «لا أبالغ عندما أقول إنني سعيد بكل هذه الأفلام حتى ما لم يخرج منها في صورة جيدة. فكلها اختياراتي التي أتحمل مسؤوليتها، والتي حاولت فيها كلها أن أقدم جديدا في كل مرة. أحياًنا يخذلني المخرج أو الظروف الإنتاجية أو أي شيء آخر، لكنني حتى وأنا واٍع بأن النتيجة ليست في المستوى المأمول لا يجعلني هذا أخجل من الفيلم أو أحاول نسيانه.»

الحوار المضيء

بقي أن نضيف أمرين؛ أولهما: الأسلوب الجاد واللائق الذي كتب به شوقي الفيلموجرافيا - على عكس كثير من الكتب الكارثية التي تكتفي بذكر اسم الفيلم وفقط - حيث كتب اسم الفيلم، وبيانات المخرج وعام الإنتاج والتأليف، والإنتاج، وكلها معلومات أساسية تحترم فريق العمل الأولي.

الأمر الثاني؛ أن الحوار الذي أجراه شوقي مع حسين فهمي بخاتمة الكتاب أضاء عدة أمور في مسيرة الفنان، ووضع حداً لبعض المغالطات من حول بعض الأفلام، خصوصاً الاشتباك الذي حدث بين وحيد حامد وسعيد مرزوق بسبب فيلم «قصاقيص العشاق»، والذي طالب وحيد برفع اسمه من علي الأفيش، بينما أنكر مرزوق أنه تدخل في السيناريو أو أحدث تعديلات، لكن حسين فهمي نفى إنكار سعيد، فعندما سأله شوقي: «مَنْ كان منهما على حق؟ فسعيد مرزوق يقول إنه صوَّر سيناريو وحيد حامد بحذافيره..» هنا أجابه حسين فهمي بحسم: «غير صحيح.. سعيد تدخل وكتب مشاهد وأصر على إضافتها رغم اعتراض وحيد عليها.»

الحقيقة بالحوار كثير من التفاصيل المهمة التي ترسم رتوشاً سريعة وإن بالغة الدلالة عن شخصيات ومراحل وأفكار، يجمع بينها أنها تُؤكد على وعي وثقافة حسين فهمي، وموضوعيته في آن واحد.

إعلان