إعلان

الأحلاف الاقتصادية (١)

د. غادة موسى

الأحلاف الاقتصادية (١)

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 12 مارس 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول


أسفرت الحرب العالمية الثانية عن حلفين سياسيين عسكريين، حلف دول شمال الاطلنطي ( اتفاقية منظمة شمال الاطلنطي)، وحلف وارسو. وأُطلق عليهما مجازاً الحلف الغربي والحلف الشرقي. وكان الغرب والشرق آنذاك كمفهوم ثقافي أولا وجيوسياسي ثانيا منحصرا في قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية، ومركزا للعمليات السياسية والعسكرية حتى مطلع الألفية الثالثة.
ومع مطلع الألفية الثالثة تسارعت عمليات العولمة والتطور التكنولوجي الذي طال كل مناحي الحياة. كما دخل لاعبون جدد إلى مسرح الفعل السياسي والاقتصادي في المقام الاول كالصين والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا واليابان بدرجة أقل. كما بزغت اقتصاديات صاعدة إلى جانب مجموعة "دول الشرق الاوروبي والآسيوي" تمثلت في دولة جنوب افريقيا ودولة البرازيل.
وقد دفع هذا التطور الاقتصادي التقني إلى زيادة حجم الارتباط بين دول الشرق والغرب ودول الجنوب والشمال إلى الحد الذي صوّر لنا استحالة انفكاك هذه الروابط التي نشطت من حركة التبادل التجاري والابتكار وحققت بعض الوفرة في الأجزاء الشمالية من النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي.
إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير ٢٠٢٢ أثبتت إمكانية فك تلك الروابط الاقتصادية والمالية والتقنية من جانب، وإمكانية إنشاء أحلاف اقتصادية على غرار الأحلاف السياسية العسكرية من جانب آخر. وتهدف هذه الأحلاف الاقتصادية إلى فك الارتباط مع عملة الدولار الامريكي وإنهاء. هيمنته في التبادل التجاري والاحتياطيات النقدية. ويمكن اعتبار تجمع دول "البريكس" هو أول محاولة في هذا الاتجاه. وهذا التجمع - كما هو موضح من حروفه - يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا. وهدف هذا التجمع تنويع سلة العملات المستخدمة في التبادل التجاري وكسر هيمنة الدولار الأمريكي وتطوير البنية التحتية المالية الدولية. وهذا المجهود جارٍ على قدم وساق منذ عام ٢٠١٠ .
وجدير بالذكر أن أزمة شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤ (استيلاء روسيا على الجزيرة عام ٢٠١٤) سرّعت من الحاجة إلى الانتهاء من البنية التحتية المالية الجديدة في روسيا تحديدا وفي دول أخرى. ومرجع ذلك العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما على روسيا بسبب الاستيلاء على القرم، الأمر الذي دفع روسيا إلى إطلاق منصتين من البنية التحتية المالية الخاصة بها التي تحقق لها الاستقلال المالي وتجعلها قادرة على عدم الاعتماد على نظام "سويفت" (نظام التحويل العالمي بين مجتمع البنوك). شملت المنصة الأولى نظام دفع خارج نظامي فيزا وماستركارد وهو النسخة الروسية لسويفت وأطلق عليه نظام تحويل الرسائل المالية SPFS . وقد أصبح هذا النظام فاعلا منذ عام ٢٠١٧ ويتيح التحويل بين معظم العملات. وفي نهاية عام ٢٠٢١ استخدمت تسع دول هذا النظام. كما بلغ عدد المستخدمين أكثر من ٤٠٠ مستخدم منها عشرون بنكا في بيلاروسيا، وبنك "أرشيد" في أرمينيا و"بنك آسيا القرغيزي"، بالإضافة لبعض فروع بنوك روسية كبرى في سويسرا وألمانيا. وفي نهاية ٢٠٢١ بدأت روسيا بالتفاوض مع الصين للانضمام لنظام الدفع الجديد. هذا النظام المالي البديل يمكن الأفراد والشركات الروسية من الوصول للأسواق العالمية - ولو بشكل محدود - في ظروف العقوبات الاقتصادية.
وعلى نفس المنهاج، بدأ بنك روسيا منذ ٢٠١٨ بخفض الاحتياطي الروسي من الدولار من خلال شراء الذهب واليورو واليوان الصيني. كما خفض بنك روسيا من حيازته لسندات الخزانة الامريكية من ٩١ مليار دولار إلى حوالي ١٥ مليار دولار! وفي عام ٢٠٢١ وعقب قيام إدارة بايدن بفرض عقوبات على موسكو قامت روسيا بإعلان أنها ستتخذ قرارا بإزالة ١٨٦ مليار دولار من احتياطي صندوق الثروة القومي أحد صناديق الثروة السيادية.

كل هذه التحركات جاءت بهدف حماية سيادة روسيا الاقتصادية من جانب وتحسباً لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية قبل الحرب الروسية الأوكرانية. بالاضافة إلى تصريح بوتين بأن احتكار الدولار الامريكي واعتماده كعملة تبادل رئيسية في التبادل التجاري وبصفة خاصة في مجال الطاقة هو أمر خطير ولا يمكن قبوله. ومنذ ذلك الوقت توقفت شركات نفط روسية عن استخدام الدولار مثل شركة Gazprom Neft التي قامت ببيع كل صادراتها إلى الصين باليونان عام ٢٠١٥. كما أشارت بيانات بنك روسيا إلى أنه بنهاية عام ٢٠٢٠ تم تصدير ٨٣٪ من الصادرات الروسية إلى الصين باليورو.
في المقال القادم سيتم استكمال الجهود الروسية لتطوير بنية تحتية مالية مستقلة.

إعلان