لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

القاهرة على أبواب "الصمت السكاني"!

أكــرم ألـفي

القاهرة على أبواب "الصمت السكاني"!

أكـرم ألـفي
07:00 م الأربعاء 09 فبراير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

القاهرة على أبواب "الصمت السكاني"، بمعنى آخر فإن عاصمتنا تتجه إلى التوقف عن النمو السكاني. ففي عام 2021 أضافت عاصمة المحروسة 97 ألف نسمة إلى سكانها بنسبة نمو 0.9% فقط، وهي النسبة الأقل للنمو السكاني في القاهرة منذ عقود طويلة.

الدهشة تأتي من تراجع النمو السكاني للقاهرة بنحو 0.1% سنوياً منذ 2016، حيث كان النمو قبل 7 سنوات فقط 1.6%، وهو ما يعني لو استمر هذا المنحنى فإنه قبل عقد من الزمن سيتوقف النمو السكاني نهائيًا في قاهرة المعز!.

إن القاهرة تدخل سريعًا على خط برلين – موسكو، خط العواصم التي تتقلص سكانيًا بسبب تراجع عدد المواليد، وهو ما يتطلب ضرورة فهم الخريطة الاجتماعية الجديدة للمدينة المزدحمة بسكانها. ويجعلني أستعيد سؤالًا تكرر كثيرًا في حواراتي مع الاصدقاء وهو: ماذا يحدث للقاهريين؟

هذا السؤال يرافقني منذ أن سكنت على أطراف العاصمة في حي فقير قبل ربع قرن. مشاهدات متراكمة ومئات الأرقام كانت رفيقتي في رحلة البحث. وربما لم استغرب البيانات السابقة، فكل المشاهدات كانت تقودني إلى أن القاهرة اكتفت بناسها.

دعونا ننظر حولنا لحظات فسنجد أن أغلب سكان المدينة أصبحوا يعزفون عن الزواج في سن مبكر بل وأصبح أنجاب الأطفال مؤجل حتى إشعار آخر. فقد تعودت في حواراتي مشاهدة نظرة الاستغراب لدى زملائي الأصغر سنًا لدى معرفتهم أننا وزوجتي الصحفية لدينا 3 أطفال باعتباره من "عجائب الزمن". فأغلب من أعرفهم في الثلاثينيات من عمرهم لم يقدموا على خطوة الزواج بعد، ومن تزوج ويعيش في العاصمة اكتفى بإنجاب طفل أو اثنين على الأكثر.

إن الطبقة الوسطى في قاهرة المعز أصبحت تدرك أن الزواج والإنجاب مهمة "صعبة" لا يجب الإقدام عليها دون الاستعداد جيدًا ويمكن تأجيله لسنوات طويلة.

ففي أحياء الطبقة الوسطى، أصبحت الأفراح اليوم من المظاهرة النادرة، بعد سنوات كانت الأفراح تمثل ظاهرة متكررة في شوارعنا وأصبح تندر الدعوات لـ"سبوع" طفل جديد.

بعيدًا عن الكلام المرسل، فالأرقام لا تكذب.. فحي مصر القديمة أضاف لسكانه ألفين نسمة فقط في عام 2021، وفي المعادي كانت الزيادة 913 نسمة أما حي الضاهر فقد نقص سكانه بنحو 741 نسمة، حيث كان عدد سكانه 75.695 في 2020 وأصبحوا 74.954 نسمة في يوليو 2022 وفقًا للبيانات الرسمية!.

هذه الأرقام "مدهشة" لمن لا يتابع أحوال سكان المحروسة، ولكن بالنسبة للغارقين في حديث السكان فإنها تبدو منطقية جداً. فقد أصبحت القاهرة "مدينة عاقلة" سكانية واجتماعية وأصبح كبار السن (فوق 60 عامًا) يمثلون بها نسبة لا تقل عن 20% من سكانها وهي النسبة التي تعتبرها مدرسة الديموجرافية السياسية خبرًا سعيدًا جداً للحكومة.

ففي حال تحول ميزان السكان في العاصمة "المركزية" والقوية لصالح الأكبر سنًا، فإن ميزان "العقل" يصبح هو الحاكم وتتراجع فرص العنف والفوران والتمرد.

بالتوازي، فإن الحكومة مطالبة بإعادة النظر في سياستها الاجتماعية بالعاصمة المزدحمة، فعليها أن تستعد جيدًا لتوفير الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية بل والرفاهية لكبار السن، فأصحاب المعاشات أصبحوا قوة سكانية لا يستهان بها في عاصمة المحروسة.

بالتوازي، فلا يمكن ان ننكر أن قيادة البلاد نجحت في وقف "طوفان الهجرة" من الريف إلى المدينة، عبر سياسة توفير الخدمات في مدن الأقاليم بالصعيد والوجه البحري. فاليوم لم تعد القاهرة هي "مرفأ الأحلام" الوحيد في المحروسة. ولم يعد مشهد امتلاء "الميكروباصات" بالعشرات من الشباب حاملين أحلامهم الكبيرة والصغيرة إلى القاهرة هو المسيطر، فقد أصبح من الممكن أن تحلم في مدينتك الصغيرة، على عكس جيلنا الذي حمل حقائبه إلى القاهرة في تسعينيات القرن الماضي.

إعلان