إعلان

إذ تمضى بنا الحياة وتلهو ..

د.هشام عطية عبد المقصود

إذ تمضى بنا الحياة وتلهو ..

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 26 نوفمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

" كلمات ليست كالكلمات" .. كان صوت ماجدة الرومى يمضى معه بينما تتسارع حركة السيارة قاطعة الطريق المسافر إلى المدينة الصغيرة البعيدة، ومعها تتوارد مسرعة وتتقاطع مشاهد غير مرتبة زمنيا لطيف من الذكريات تنطلق لتتجاوز سرعة الصوت متوازية على مسار فضاء خياله فينبت معها فى طريقها شجر وزهور، بينما يظل إلحاح السؤال:هل حقا كانت هناك يوما تلك الكلمات التى ليست كالكلمات؟.

أول الشتاء ..

تصنع شمس أوائل الشتاء فى صباحاتها المتتاليات مصالحة "تاريخية" مع كل ما عبر من الحياة وترك أثرا ثم مضى، حقا كم يصعب جلب مخزون كل ما نحب من مخيلات تلك الأحداث، والتى جرت وقائعها عبر أزمنة متفاوتة، ثم بقى منها شئ من رائحة تخفت بينما تجرفها تيارات الانشغالات حيث تذهب بعيدا وتتوارى، ثم فجأة تعود بذات النمط إذ تصحو بلا سبب واضح أو ربما لسبب ظل كامنا ينتظر أوانا مناسبا، وتتبدى خافتة بعيدة تماما ومشوشة كأنها تظهر عبر عدسة تليسكوب مقلوب وكلما تمعنا فيها وشعرنا بها تقترب حتى لتكاد تداخلنا ولادتها من جديد، هكذا حدث نفسه مندهشا قليلا، وللتأكيد أجاب نعم، كل ذلك الشجر المثقل بسخائم السيارات وتلك البيوت التى تبدو واجهاتها متربة مرهقة، سيمنحها أوان المطر فى الشتاء حق الدخول فى التجربة من جديد.

رتوش الألوان ..

تمتلك الألوان شيئا من بهجة وحزن معا حين يتم مزجها بنسب مجربة أو حتى بعشوائية ريشة طالب مبتدئ، ومنها تم تأسيس نظريات لارتباط الألوان بالمشاعر والتخيلات ثم كادت أن تصبح مجالا مستقر المعنى ومشتركا بين الناس، وكان لدى صديقه المحب للفن نظرات وتأملات فى ألوان الناس أو ما يتبدى من لون – يدركه تفلسفا- فى الوجوه ويعلمنا مبادئه، يؤكد لنا أن ما نقوم به من وصف البشر بعد تجارب ومعايشات وسلوكيات هو كان واضحا منذ لحظة البدء التى التقينا فيها بهم وصافحت عيوننا وجوههم لكننا آثرنا المضى سريعا كما عادة البشر فى الحياة، وأن التمهل قليلا كان جديرا بكل ما سوف ندركه من تجربة وممارسة بل وعناء بعد ذلك، يؤكد أن للوجوه ألوانا ليست حادة تماما وكما نحب أن نفرغ فى مطلقاتنا السريعة لوصف الأشياء، وأن لونا كامنا سيتبدى مع مزيد من تلك التأملات الأولى فى الوجوه التى نصافحها، تثبت التجربة فى تطبيقاتها المتكررة نسبة صحة تعلو مع اتقان اللعبة أو الاختبار، تلك النظرية: ألوان الوجوه.

الحذاء الطيب ..

نظر نحو الحذاء الذى انشغل وهو يدخل كل رباط منه فى عجل الى إحدى المساحتين الممتدتين فى جانبيه، تأمل شكله وسأل لما يبدو الآن ضيقا قليلا، أراد التأكد من مقاس الحذاء - وهو الذى صار ثابتا منذ زمن طويل - رفعه الى أعلى قليلا ومال برأسه وهو ينظر نحو أرضية الحذاء كان الرقم 45 قابعا فى هدوء، اطمأن وهو يغادر ذلك المقعد الخشبى والموضوعة قوائمه الحديدية على رصيف، فكر أن الأحذية ظُلمت تماما فى مجال وصف الأشياء، لم تأخذ حظها فى الحياة زهوا ووصفا، رغم أنها تحمل أجسادا مختلفة الأوزان وتسير أينما اتجه بها صاحبها، وربما تكتسب أيضا مع الزمن لدينا ملامحها فتشبه بعضا من صفاتنا، فهناك دوما ذلك الحذاء القريب دائما الى قدميك، بسيط ومتاح فلا تشعر به سوى عندما لسبب أو لآخر يتوه فى مكان ما، وتدرك حين تستعد لمشوار "عادى" بغيابه المهم، تبحث عنه جاهدا وتجده حينها تحمله فى حنو بالغ كأنك تعيد تعارفكما من جديد ثم واثقا تعيد تقييم مكانته فى درج الأحذية.

أكشن ..

نظر نحو تلك الكاميرات المغطاة بمظلات فى الظهيرة إنتظارا لتوقف فاصل من مطر قصير متقطع، وإلى كل هؤلاء العمال والفنيين ممن يحيطون ببقعة صغيرة يقوم فيها ممثلون بآداء مشهد سينيمائى، قال متعجبا: كل هؤلاء وكل هذه الأشياء من أجل بناء لحظة عابرة فى مشاهد الحياة اليومية لإنسان واحد فى كل هذا الكون، لم يعتبر ذلك دليلا على تفاهة تداعيات الكون وأحداثه، بل عرف تماما العكس، أن نكون مقدرين تماما لتلك الأشياء التى تعبر حتى دون أن تترك شيئا، اللحظات العادية غير ذات الملامح.

فاصل ..

نعتاد الأشياء، هكذا تعلم البشر درس الحياة الأول منذ آدم ومضوا يحملون نتوءات التكرار علامة على السنوات، هكذا يصبح الكبار كلما مضوا فى العمر أقل بهجة وأكثر تقبلا وربما قسوة أيضا ويكون الصغار أكثر شغفا وطيشا أيضا، وتكون تلك مسيرة البشر الممتدة فى الكون.

إعلان