إعلان

أعمدة البهجة ..

د. هشام عطية عبد المقصود

أعمدة البهجة ..

د. هشام عطية عبد المقصود
08:13 م الجمعة 15 أكتوبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

هل معدلات ومؤشرات البهجة والحزن معا كوجهين لطريقة ملاقاة أشياء الحياة لدى أفراد البشر هما فطرة أم اكتسابا؟، بمعنى طريقة ونمط التفاعل وشدة ومدى الإنخراط في هذا الوجه أو ذلك وهل يولد به الفرد كبصمة وراثية أم أنه يتشكل فى رحاب مستجدات العيش؟.

بينما تتعدد التفسيرات وتتداخل الرؤى فى ذلك، يبقى أنه يحتاج المرء إلى تجارب كثيرة قد يراها البعض زمنا طويلا قد تظهر آثارها على الوجوه والأبدان وذلك حتى يدرك ويستقر لديه أن قسما كبيرا من تعلم صناعة السعادة إنما يكون ذاتيا فى جوهره إذ تستقر مضفرة فى ثنايا نعمة الرضا حمدا ويقينا، وحين تصل إلى مرحلة لايجدر أن تنشغل بتسميتها، لكنها تتضمن ذلك الشعور المفعم، وحيث يكون إدراك السعادة إفرازا تلقائيا متدفقا فى رحابة، لن تجد وصفته فى كتاب متداول يسمى "خطوات العيش سعيدا"، ولن تصلك طريقته فى رسالة بريدية تتوالى رناتها على هاتفك وتطلب منك تعميمها، هى بعض من فيوضات التدبر والحكمة حينما يؤتيان خيرا كثيرا.

لن يكون تحقق ذلك بمخاصمة الحياة أوتعاليا على مسارات العيش بها قولا أو فعلا، زهدا أو مللا، بل سيعبر عن مرحلة مهمة من المرور باختباراتها ثم الفهم الذى يمنح النفس والروح رشدهما، فضلا عن أن كل ذلك بمثابة أشياء لا يمكن تعلمها مما يحكيه الآخرون ومهما كرروا وأعادوا واستحضروا خلاصات النصوص المتحلية بجمل فلسفية مبهرة، إذ لابد أن تدخل فى التجربة.

لاشيء يصنع حالة الفهم المفضى إلى الرضا والمؤدى إلى تأملات البهجة هذه سوى نهج التدبر فى مسار ما تلاقى من أشياء وبشر وأنت تمضى فى قطار الحياة، وبعد أن تحليت بقدرة المرور سريعا على امتعاضات الكون – وهى بعض من سير تدافعه - مرحبا بابتساماتها التاليات والتى هى يسر بعد عسر، ثم رشيقا وكما الطائر تاخذ هدأة فوق الغصون لتستطعم التفاصيل الحلوة، تلك الأشياء الصغيرة التى فى ثنايا الأحداث الكبيرة اليومية، مؤشرات الفرح الرقيقة المتوارية لمن شاء إليها نظرا وسبيلا.

ما أقصده أنه بينما لا يمكن أبدا التقليل من أثر كل ما يلاقيه الفرد ويخدش أناقة صفاء الروح، عليه أن يعى أنه ما خلت الحياة قط من بعض أو كل ذلك يوما ؟!، إدراك ذلك هو بعض من تطبع يصبح طبعا – يأخذ وقتا لاشك- ثم يمضى معك جزءا وبعضا منك.

ثم أنه يبقى أسعدك الله، أن تفارق المفطورين على الشكوى من الناس، بحيث أنهم لو لم يجدوها على الأرض لاخترعوها، وستعرف من قطار التجارب وجود نوع من البشر لاتحمل جيناته سوى الشكوى، لا يجلس أبدا ليتأمل منحة الله له فى كثير من الأشياء التى صارت من فرط اعتياده عليها عادية أو فلنقل مضمونة فتناساها غافلا، فما إن تجلس إليهم حتى يطلقون أشعة شكواهم فى اتجاهك قصفا متواصلا، يمتحنون صبرك أو طيبتك أو غفلتك، لن تجدهم يوما يحكون شيئا طيبا حدث لهم فى الحياة، معروفين بسمتهم وجمل إبتداء حديثهم، يزداد هؤلاء فى الحياة كأشواك يجدر بك أن تقتلعها.

وأنت تلتقط المتاح من نعم الله ستوقن بأن عطاء الحياة يستقر بالإعتراف بما تجود به وقسمته على من تحب ومن حولك، ثم أنه لا تعتبر كل ذلك بعضا من كتاب الأغانى، فقد أضاع كثيرون جماليات الحياة بالقفز على أشياء ظنوها من فرط بساطتها متاحة دوما، فقد تشكل وجدانهم وعقلهم على أن يحملوا ويقبلوا من الأفكار ما ثقل صعبها وزاد مُرها وامتلأت فصاحتها ألما وانهمرت فداحة فلسفتها، عافانا الله وإياكم منهم، ثم إن فصل الحياة جميعها زمن أو بعض ذلك إذ هو بحق "طيف خيال".

إعلان