لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"ليليا والأرجوان".. قفص يزداد اتساعًا

د. ياسر ثابت

"ليليا والأرجوان".. قفص يزداد اتساعًا

د. ياسر ثابت
09:01 م الأحد 16 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

من قيدٍ إلى قيد، تعيش بطلة "ليليا والأرجوان" للروائية رانيا عزي.

في روايتها الأولى، الصادرة عن المكتب العربي للمعارف بالاشتراك مع منشورات الغالي (2020)، تسرد رانيا عزي حكاية امرأةٍ هاربة من قسوة الأب وتسلطه إلى حلم الزواج بفارس الحب الذي سيملأ سلال الحنان الخاوية بداخلها.

الحيرة بين سلطة الأب وسلطة الزوج مدمرة لكثيرات في مجتمع يفرض هذه السطوة الذكورية بدعوى توفير الحماية، والخوف على الأنثى الهشة من شراسة الحياة.

"بيت الطفولة كان بمثابة سجني الأول" (ص 12).

ها هي تهرب إلى "أدهم" الزوج "الذي لا يشبهني في أي شيء" (ص 12). "هل كنتُ مغيبة؟ أم كنت أحاول الهروب من الواقع؟ أم كنتُ أحاول جاهدةً مزج خليطين لم يُكتب لهما الاندماج أبدًا؟" (ص 11).

تركت وظيفتها كمساعد طيار بسبب تذمر الزوج وشكواه من عملها الذي يفرض عليها العمل في أوقات متغيرة. إلا أنها في لحظة مكاشفة مع النفس تقرر الانفصال عنه، كي تنتبه إلى نفسها ورعاية ابنها "عمر". تقف صامدة في وجه اعتراضات أفراد العائلة وهواجسهم عن نظرة المجتمع للمرأة المطلقة.

"وجهه يُذكّرني بالألم، بكل صفعة من يده المكتنزة على وجهي، وكأنها خناجر مسمومة تخترق جسدي لتؤلم أعماق روحي".

في سياق الرواية، تظهر شخصيات مؤثرة في مسار الأحداث، مثل "قاسم"، الطيار الذي يحبُّ "ليليا" لكن كثيرًا من تصرفاته الغامضة والمترددة تحيرها وتصيبها بالإحباط، و"رحيم" الذي تأنس إليه، وترى أنه يمكن أن يعوضها عن فشل تجربتها الزوجية الأولى. كما تظهر الصديقة "سارة" بشخصيتها الصاخبة وتحررها، على عكس "ليليا" المتحفظة في مشاعرها وعلاقاتها، وكذلك الأخت "لارا" المهاجرة إلى كندا للحاق بزوجها، ولكنها تبقى على اتصال بأختها وتمتد مساحة التشاور والمحبة بينهما رغم بُعد المسافة.

اختارت الروائية شجرة الأرجوان لأنها مميزة ومختلفة في طريقة نموها، فهي تكاد تكون الشجرة الوحيدة التي تزهر قبل أن تنبت الأوراق في الساق. تنتج هذه الشجرة بذورًا يستخدمونها في الطب البديل لعلاج الكثير من الأمراض. وربما وجدت الروائية أن شجرة الأرجوان تشبه في كثيرٍ من تفاصيلها الحالة التي تعيشها البطلة، وكان هذا التشابه واضح ومتفق مع سياق الأحداث.

رواية "ليليا والأرجوان" دراما رومانسية؛ لأن الرواية تعكس حالات مختلفة ومشكلات متعددة تواجهها أجيال الألفية الثالثة.

والرواية لا تخاطب فئة عمرية معينة، بل تخاطب جميع الفئات العمرية في المجتمع، عبر سلسلة تجارب إنسانية لصيقة بالواقع المعيش.

تعمل الروائية بوعي في بناء النص بإفادة من جمالياته وأنماطه الحكائية، والإفادة أيضًا من سمات الحداثة التي تتيح للكاتب فضاءات واسعة وجماليات جديدة تنضاف للنص وتتصل بالصورة والتكثيف والمفارقة.

ويتبدى مثل ذلك في حديثها عن الابتزاز العاطفي الذي تتعرض له على يد كلٍ من الأب الصارم والزوج السابق. يمارس الاثنان عليها ضغوطًا شديدة للخضوع والرضوخ لإرادتيهما، لكنها تقاوم، وتحاول جمع شتات نفسها بعزمٍ لا يلين.

هذا التحول في شخصية البطلة هو جوهر الحكاية ومحورها الرئيس؛ إذ نرصد عبر سطور الرواية نقطة التحول الفعلية في حياة "ليليا" من شخصية ضعيفة ومحبطة وكل الظروف المحيطة ضدها بما في ذلك المجتمع، إلى شخصية تدرك احتياجاتها وتحدد أهدافها.

من أجواء الرواية، نقرأ:

"اقتربتُ من سيارتي، أراه عن بُعد يسند ظهره على بابها، وعندما لمحني اعتلت وجهه ابتسامته الساحرة، وتقابلت أعيننا، وتعانقت أيدينا من فيض الشوق، وتمنيتُ أن أُلقي بنفسي بين ذراعيه وأبكي. أبكي على لؤم الحياة التي أتت به إلى عالمي وفجأة تريد أن تسلب عالمي مني بقسوة. أحتاجه ولا أستطيع أن أكون معه، وكأن كل الأبواب المؤدية إليه غُلِّقتْ في وجهي، وألقت مفاتيحها في يد "أدهم". خُفِّفتْ العقوبة ليزداد حجم القفص اتساعـًا!"

تذهب رانيا لجماليات المكان والمناخات التي تتصل بالبيئة وتصوير انعكاساتها على الإنسان ومزاجه وتحولاته، فهي تلتقط مشاهد الصور بواقعية ممكنة التحقق، ولكنها في الوقت تعيد إنتاجها بمتخيل الفن وضروراته الجمالية، من خلال الأسطورة والحكاية الشعبية.

وتحتفي الروائية كثيرًا بالمحلية، من خلال تصوير المكان، وليس وصفه، وهنا تتجلى العين الأنثوية التي تختزن الألوان والتفاصيل ببراعة وتقدم صورًا ذهنية أنيقة عن الأماكن التي ترتادها بطلة الرواية.

"ليليا والأرجوان" تقدّم تجربة روائية أولى واعدة، يمكن أن نتابع نضجها وتطورها في الأعمال الروائية المقبلة للكاتبة الشابة رانيا عزي.

إعلان