لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الرهان على ترامب خسارة في كل الأحوال

عمرو المنير

الرهان على ترامب خسارة في كل الأحوال

عمرو المنير

نائب وزير المالية سابقا

 

07:00 م الإثنين 02 نوفمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يراهن كثيرون في عالمنا العربي على فوز "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية يوم الثالث من نوفمبر، وسواء كان هذا من باب التمني نظرًا لموقف الرجل من جماعة الإخوان وحلفائها وما يمثله هذا من أهمية لنا جميعًا، أو قياسًا على ما حدث في الانتخابات السابقة عندما فاز فيها رغم أن كافة استطلاعات الرأي كانت ترجح فوز منافسته "هيلاري كلينتون"، إلا أنني أتوقع أن يخسر ترامب هذه الانتخابات وبفارق كبير، ومعه ربما يخسر الحزب الجمهوري أغلبيته في مجلس الشيوخ.

وقبل أن أستعرض أسباب توقعي فلا بد أن نجيب عن سؤال يتكرر دائمًا، وهو لماذا نهتم بالانتخابات الأمريكية؟

والإجابة بسيطة فأمريكا –رغم كل ما تمر به- ما زالت هي الدولة العظمى التي تؤثر في صناعة القرار في العالم كله، وعلاقتنا نحن العرب بها مهمة، وترقب نتيجة الانتخابات وهوية الإدارة الأمريكية الجديدة تأتي من التواجد الأمريكي في منطقتنا وانخراطها في مشاكلها، وبالنسبة لنا في مصر فإنه في ضوء حالة الاستقطاب السياسي بين جبهة العقلانية والاعتدال التي تمثلها مصر والإمارات والسعودية والبحرين من ناحية، وجبهة تيار ما يسمي بالإسلام السياسي الذي تتزعمه جماعة الإخوان وأشباهها والمدعومة ماديًا ولوجستيًا من تركيا وقطر، يصبح انتظار نتيجة الانتخابات أمرًا ضروريًا من وجهة نظر البعض، والذين يرون في ترامب الاختيار الأفضل لنا في هذا الملف تخوفًا من انحياز القادم الجديد للجانب الراعي للإخوان وتيار الإسلام السياسي، وإن كنتُ أرى أن دورنا نحن هو الأهم؛ لأن الوجود الحقيقي لهؤلاء أصبح في منصات إعلامية تبث السموم فقط، ولم يعد لهم وجود مؤثر على الأرض بشكل فعلي بعد أن اكتشفت الشعوب لعبتهم، ولكن تحتاج مواجهتهم لآليات ليس مجال الحديث عنها هذا المقال.

ولكن كيف فاز ترامب في انتخابات 2016 رغم أن كافة استطلاعات الرأي لم تكن في صالحه؟.. في عالم السياسة تصاب الشعوب أحيانًا بحالة من الملل بسبب تكرار نفس الوجوه ونفس خلفيات المرشحين السياسية وبرامجهم الانتخابية، وهذا ما حدث عندما رشح ترامب نفسه، فيرى الكثيرون أن السبب الرئيسي لفوز ترامب هو أن الأمريكان كانوا قد أصيبوا بالضجر من سيطرة السياسيين التقليديين على مقاليد الحكم في واشنطن، ولأن ترامب لم يكن سياسيًا بالمعنى التقليدي فقد كان وقتها المرشح الوحيد في تاريخ أمريكا الذي لم يمارس العمل السياسي نائبًا للرئيس أو وزيرًا أو عضوًا في الكونجرس أو حاكم ولاية أو عسكريًا، وهي الفئات التي خرج منها كل من تولى منصب الرئاسة في تاريخ أمريكا، فكانت الرغبة في التغريد خارج السرب هي الغالبة على المزاج العام للمواطن الأمريكي.

أيضًا وبحكم خبرة ترامب كرجل أعمال استطاع أن يقنع الكثيرين أنه سينعش الاقتصاد، ويعيد الوظائف من الخارج، ويمنع الهجرة غير الشرعية، وهذه الوعود كانت كافية لتحويل اتجاه التصويت نحو ترامب، خاصة أن هيلاري كلينتون لم تكن بالمنافس القوي من حيث الكاريزما والشعبية.

كما أن النظام الانتخابي الأمريكي الذي يقوم على انتخاب الرئيس الأمريكي بطريقة غير مباشرة، عبر انتخاب أعضاء "مجمع انتخابي" وليس بالانتخاب المباشر -بما يعطي للمناطق الريفية قليلة السكان ومحدودة التعليم تمثيلًا أعلى من نسبتها الحقيقية– ساعد في اختيار ترامب.

ولكن لماذا نتوقع أن غالبية الأمريكيين لن يصوتوا لترامب هذه المرة؟

ترامب أحد الرؤساء القليلين في التاريخ الأمريكي الذين ظلوا طوال فترة رئاستهم يحصلون على معدل عدم رضا عن أدائهم يفوق 50 % بل إن متوسط معدل التأييد له طوال فترة رئاسته كان هو الأدنى من أي رئيس في تاريخ أمريكا.

كذلك فقد ترامب الكثير من شعبيته –المتدنية أصلاً- بسبب الأخطاء الكارثية التي ارتكبها في التعامل مع أزمة وباء كورونا، وكان لأسلوبه المرتبك والعنيد في معالجة الأزمة الأثر الكبير في تفاقمها بما وضع أمريكا على قمة قائمة الأسوأ في عدد الإصابات والوفيات، وبالتأكيد كان التأثير السلبي لسوء معالجة الأزمة على الاقتصاد الأمريكي العنصر الأكثر تأثيرًا في فقدان ترامب لتأييد غالبية الشعب الأمريكي.

والمؤشر الواضح على ترجيح احتمالية عدم فوز ترامب هو التصويت المبكر في الانتخابات والذي بلغ حتى الآن رقمًا قياسيًا أغلبه من الديمقراطيين والمؤيدين للمرشح الديمقراطي بايدن.

وأخيرًا: هل خسارة ترامب ليست في صالح العرب كما يرى البعض؟

في رأيي أنه سواء حظى الجمهوري ترامب بولاية ثانية أو فاز الديمقراطي بايدن، فإن ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق أولًا بالأمن القومي، وثانيًا بالمصالح الاقتصادية لا تتغير بتغير الإدارات؛ لأن هذه السياسات يشارك في وضعها جهات عديدة وليس مؤسسة الرئاسة فقط، وهامش التغيير فيما هو قائم يكون محدودًا، فالالتزام بأمن إسرائيل هو من ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية إلا أن ترامب –إلى جانب ذلك- كان يرى في "نتنياهو" –اليميني المتطرف- حليفًا شخصيّا لدرجة التدخل في الانتخابات الإسرائيلية لصالحه بقرارات عديدة أكثرها فجاجة نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس، وفي نفس الوقت كان ترامب يعتبر الديكتاتور التركي "أردوغان" طفله المدلل. ولا يمكن أن ننسى أن أولي قرارات ترامب كانت منع مواطني عدد من الدول العربية والإسلامية من دخول الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك فإن الأولوية لدى الرئيس الأمريكي الجديد ستكون لفترة ليست قصيرة مركزة في القضايا الداخلية وخاصة فيما يتعلق بالرعاية الصحية، والعمل على احتواء آثار أزمة وباء كورونا، واستعادة النشاط الاقتصادي، وكذلك معالجة حالة الانقسام السياسي الكبير لدى الشعب الأمريكي الذي اشتد في السنوات القليلة الماضية، لذلك لن تكون قضايا الشرق الأوسط حاضرة في أجندة الرئيس الجديد بالقوة التي يتوقعها البعض.

من هذا المشهد تبدو الصورة واضحة، ففي كل الأحوال الرهان على "ترامب" واستمراره ليس في صالحنا، ولن يكون "بادين" مقاول الهدد الذي يغير كل شيء، فهناك سياسات مُسلم بها وثابتة، وتتغير فقط آليات تنفيذ تلك السياسات بتغير الوجوه التي تسكن البيت الأبيض.

والسؤال هو ماذا نحن فاعلون.. هل نعد أنفسنا للقادم أم نشاهد الموقف كله بروح المشجع؟

***
نائب وزير المالية سابقًا

إعلان