لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"الألمونيا ضربت في السكس بلف"

محمد حنفي نصر

"الألمونيا ضربت في السكس بلف"

محمد حنفي نصر
06:38 م الأربعاء 15 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ـ يا باشا، زي ما بقول لحضرتك كده. الألمونيا ضربت في السكس بلف، والقلب لازم يتغير.
نعم، أيها السادة، لقد ضربت الألمونيا في السكس بلف. وهي حقيقة علمية بالتأكيد ليست جديدة على أذهاننا. يطل علينا بها الأطباء كل يوم ليحذروا من أن استعمال الألومنيوم في الطعام يؤدي إلى التخلف العقلي.

ونظراً لأننا شعب ربنا مسلطه على نفسه، أصبحنا نتعمد أن نضع كل طعام في الألمونيا.
لم نعد نشعر بالوجاهة والنظافة إلا ونحن نمسك بسندوتش مغلف بورق الألمونيا. طبق سلطة مصنوع من مخلفات البلاستيك ومتظبط بورق الألمونيا. ٦٠ سنة وما زلنا نطبخ في الألمونيا، ولا يبقى لكي يكتمل المشهد سوي أن تصرف الدولة لكل مواطن شريحة ألمونيا يقرقض فيها بين الوجبات.
ورغم أن الموضوع يمر عليّ وعليكم كل يوم مرور الكرام، فإن مقولة الباش سباك التي ألقاها في لحظة تاريخية "الألمونيا ضربت في السكس بلف" استوقفتني أو بمعنى أدق لطشتني بالقلم على صداغي لأنتبه إلى أننا من شدة تعمق الغباوة أصبحنا منفردين في اعتبارها حجر الأساس للتعامل والتخاطب اليومي.
الراجل قصده يقول السيفتي فالف. يعني بالإنجليزي صمام الأمان. ولما قالها سيكس بلف محدش اعترض. ولأنه مش فاهم، ولأننا مش فاهمين بقينا نفهم بعض أكتر..! مش مهم بتقول إيه ولا أصلاً معناه إيه.
المهم إن إنت فاهمني وأنا فاهمك. وحكاية الكلمات والألفاظ ومعانيها دي تفاصيل ملهاش عازة. بالإضافة إلى ما ابتكرناه من صيغ جديدة لنطق الكلمات من تطجين ومد حروف وطريقة تبشرنا بالعودة قريباً لأصل أجدادنا من الغوريلات وإنسان الغاب، ونرجع بقي لزمن الإنسان البدائي الجميل..!
وده أمر فيما يخص اللغة. أما بقي ما يخص الذكاء الإنساني أو حتى الحيواني الفطري، فيجب أن نعترف أنه بعد ما يقرب من قرن من ترسخ الألمونيا في حياتنا ارتفعت في الآونة الأخيرة معدلات الغباوة لتصل إلى أقصي درجة لها.
بالإضافة إلى طبقة ملزقة من البلادة ممكن تخلي حضرتك تنتحر لو فكرت أن تجري حواراً مع أحد المارة أو اضطرتك الظروف للتعامل مع البشر في مصلحة أو خدمة.
وأنا أتحداك إنك تطلع من واحد متصل ببرنامج أو ضيف جايبه علي الهوا بجملة مفيدة إلا فيما ندر.
كانت، ومازالت، هذه هي كارثتي الكبرى في العمل في الإعلام- أن تجد ضيفا يقول جملة مفيدة. ولن أنسي ما حييت أحد وزراء التربية والتعليم الذي سجلت له حواراً مدته ٣٢ دقيقة، ولم أستطع أن أستخرج منها سوى دقيقة و٤٠ ثانية كلاما مفهوما ويمكن أن يكون له معني.
السؤال واضح، والإجابة كلام شبه الكلام؛ شكله حلو وأي كلام.. أي معني.
والطامة الكبرى بقي إنك لو حاولت تعيد له السؤال يقولك أنا فاهم حضرتك.
ولم يعد ثمة اختلاف بين الحوار مع مسئول أو الحوار مع أي صنايعي، أو بياع سريح أو طالب جامعي. كله ألمونيا يا عم الحاج. مش ح تلاقي إجابة وح تفضل تعيد السؤال لحد ما يطق لك عرق. ح تفضل تشرح إنجازات البلد اللي العالم كله بيتمنى يحقق ربعها لواحد يقولك وكانت لازمتها إيه لحد ما يجيلك انفجار في المخ.
وهو ده عنوان المرحلة "الغباوة" ولا شيء سوى الغباوة. الغباوة بعد سنوات طوال تراجعت فيها الثقافة والفن والتعليم، وتقدمت فيها الألمونيا.
ولذا كلما انغرس لساني في جدل مع بعض المواطنين الوطنيين الأغبياء في محاولة لتصحيح المفاهيم وضبطها، أتذكر مقولة الفيلسوف السباك العظيم: "يا باشا الألمونيا ضربت في السكس بلف والقلب لازم يتغير".
والقلب مش ح يتغير غير بالنور والعلم والفن ومقاطعة الألمونيا.

إعلان