لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كيف تتفوق أمريكا على إيران في ساحة الدبلوماسية الرقمية أيضًا؟

أحمد الشيخ

كيف تتفوق أمريكا على إيران في ساحة الدبلوماسية الرقمية أيضًا؟

أحمد الشيخ

Twitter: ael_sheikh

صحفي وباحث متخصص في الإعلام الرقمي وحاصل على درجة الماجستير في علوم وسائل التواصل الاجتماعي من جامعة ويستمنستر في لندن

 

 

05:40 م الخميس 16 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


قبل أكثر من 150 عامًا استقبل اللورد بالمرستون - وزير الخارجية البريطاني آنذاك - تلغرافًا للمرة الأولى فصرخ قائلا: "يا إلهي لقد انتهى عصر الدبلوماسية". تخيل الوزير البريطاني حينها أن ذلك الاختراع الذي تميز بالسرعة في توصيل المعلومات سيهمش دور الدبلوماسيين في نقل الرسائل، ولكن بعد أكثر من قرن ونصف القرن من هذا الموقف استمرت مهنة الدبلوماسي، وأصبح من واجباته حسن استخدام التلغراف وما تلاه من وسائل للتواصل والإعلام.

استخدام الدبلوماسيين لوسائل التواصل الاجتماعي بات فرعًا من علوم الدبلوماسية يطلق عليه "الدبلوماسية الرقمية"، وتزداد أهمية هذا النوع من الدبلوماسية عند وقوع الأحداث الكبرى، مثل الأزمة بين إيران والولايات المتحدة، والتي وصلت إلى حافة الحرب مع اغتيال الجيش الأمريكي لقاسم سليماني مهندس العمليات العسكرية الإيرانية في الخارج.

تنافس وزيرا خارجية أمريكا وإيران في استخدام تويتر، ويتجلى ذلك خلال الفترة من اليوم الأخير في عام ٢٠١٩ - وهو تاريخ اقتحام المتظاهرين للسفارة الأمريكية في بغداد - إلى الخامس من يناير، أي بعد يومين من وقوع الحادث الدراماتيكي، والذي نفذته طائرة أمريكية على الأراضي العراقية.

وبمتابعة الحسابين تثبت مبدأ أن الدبلوماسية الرقمية انعكاس لأداء الدبلوماسي في ساحة الدبلوماسية التقليدية.

شخصية جواد ظريف على تويتر لا تختلف عن شخصيته التي رصدتها عن قرب في مؤتمر ميونيخ للأمن. بدا ظريف على المنصة دبلوماسيا محنكا يجيد تحدث الإنجليزية ويفرض سطوته على الحوار ويتقن استخدام لغة الجسد كممثل مسرحي قدير.

وجهت له مديرة الجلسة سؤالاً فبدأ الإجابة باستعراض حكايات عن الإمبراطورية الفارسية. قاطعته المذيعة الشهيرة ليز دوسيت: هل نحتاج إلى استدعاء قصص عمرها مئات السنين؟! فأجاب ظريف سريعا: "هذه معلومة مهمة"، واستمر في سرد قصصه مستخدمًا عبارات وصفات رنانة.

يحاول ظريف أن يدير معارك تويتر بالطريقة ذاتها، ففي يوم ٣١ ديسمبر تجاهل ظريف حادث اقتحام السفارة وركز على زيارته إلى الصين. أما مايك بومبيو فغرد في الحادي والثلاثين من ديسمبر ست مرات متحدثاً عن اتصالات أجراها مع زعماء دوليين لحشد الدعم للقصف الأمريكي على معسكر لقوات الحشد الشعبي - الذي كان قد وقع قبل يومين - ولضمان التزام الحكومة العراقية بتأمين السفارة الأمريكية.

على مدار أول يومين من عام ٢٠٢٠ ظل حساب ظريف صامتا، بينما كان حساب نظيره الأمريكي نشطًا. ففي اليوم الأول نشر بومبيو صورة أبومهدي المهندس القيادي في ميليشيات الحشد الشعبي وسط المتظاهرين الذين هاجموا السفارة الأمريكية ووصفه بالإرهابي، وقال انه أحد قادة الهجوم على السفارة. وتبين ذلك لاحقا أن التغريدة تمهد لعملية الاغتيال التي حصدت أرواح المهندس وسليماني ومرافقيهم. وفي الثاني من يناير كتب بومبيو عن ثلاثة اتصالات أجراها بهدف تأييد الموقف الأمريكي بضرب ميليشيات موالية لإيران

في الثالث من يناير وقع الحادث وقطع ظريف صمته الإلكتروني وتجلى أسلوبه في تغريدته الوحيدة في هذا اليوم حيث استخدم ظريف لغته الحادة ووصف عملية الاغتيال بأنها تصعيد أحمق وخطير للغاية ومغامرة مارقة.

في المقابل نشر بومبيو مقطع فيديو قال إنه يظهر فرحة عراقيين في ساحة التحرير في بغداد باغتيال سليماني. ثم أتبع هذا الفيديو بتسع تغريدات في ذلك اليوم، وست في الرابع من يناير، وأربع في الخامس من يناير. وكانت كل تلك التغريدات تتحدث عن اتصالاته بوزراء وزعماء في دول مختلفة بهدف حشد التأييد للعملية أو توجيه انتقادات لإيران والميليشيات الموالية لها في العراق.

في الرابع من يناير بدا ظريف في خانة رد الفعل عندما نشر خمس صور لمراسم تشييع العراقيين جنازة سليماني، وقال إنها ترد على من وصفه بالمهرج المغرور الذي ينتحل صفة دبلوماسي ويتحدث عن رقص العراقيين فرحًا في شوارع العراق.

وفي الخامس من يناير عاد ظريف؛ ليغرد من خانة رد الفعل مرة أخرى وعلق على تهديدات ترامب بقصف مواقع تراثية قائلاً: إن ذلك سيكون جريمة حرب، ثم وصفه في تغريدة أخرى بأنه ضرب من الهلوسة ومحاكاة لجرائم الحرب التي ارتكبها داعش.

تبدو استراتيجية الدبلوماسية الرقمية عند وزارة الخارجية الإيرانية قائمة على بروباجندا المصطلحات الرنانة والعناصر المرئية، وهي تحقق نتيجة قائمة على دغدغة مشاعر المتعاطفين معه فينهالون على حساب ظريف بالتعليقات وإعادة النشر ولكنها لا تصنع الأخبار ولا تصل إلى جمهور جديد.

أما استراتيجية حساب وزير الخارجية الأمريكي فهي تقديم بومبيو كدبلوماسي نشط يروج لوجهة نظر بلاده ويحشد التأييد لها. وتجد هذه التغريدات صدى لدى الصحفيين وجمهور جديد؛ لأنها تقدم معلومات عن الاتصالات التي يجريها الوزير الأمريكي وربما تتحول كل تغريدة إلى خبر ويمكن لتقرير صحفي أن يحلل تغريدات بومبيو ويشرح عدد المرات التي اتصل فيها برئيس الوزراء العراقي مقارنة برئيس الوزراء الإسرائيلي مثلا.

تكافئ الدبلوماسية الرقمية مستخدميها عندما يلتزمون بقواعدها ومن أهمها نشر عدد متوسط من التغريدات وتقديم المعلومات الجديدة والتفاعل مع الجمهور وتنوع المواد المنشورة. لا يبدو حساب بومبيو ملتزمًا بكل هذه القواعد، ولكنه يطبق معظمها أفضل من نظيره الإيراني، وهذا يوضح جزءًا من أسباب تفوق الدبلوماسية الرقمية الأمريكية على الإيرانية.

إعلان