لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مجرد ورقة من بين أوراق في أيدينا!

سليمان جودة

مجرد ورقة من بين أوراق في أيدينا!

سليمان جودة
09:11 م الأحد 22 ديسمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كانت الجامعة العربية في حاجة إلى شيء آخر، يختلف عن الأشياء التي بدت موضوعة على جدول أعمال اجتماع مندوبيها الدائمين، صباح الخميس التاسع عشر من ديسمبر!

فالاجتماع أدان قرار الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، فتح مكتب تجاري لبلاده في القدس، ثم مضى الاجتماع إلى خطوة أبعد فحذر من التوجهات التي يحملها بولسونارو إزاء قضية القدس بوجه عام.. إذ لا يُخفي الرجل نواياه في هذه القضية بالذات، منذ أن تولى مقاليد السلطة في البرازيل أول يناير من هذا العام!

إن نواياه معروفة ومعلنة، ولا تختلف عن نوايا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وعد في أثناء حملته الانتخابية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل!

فلما فاز واستقر في البيت الأبيض، لم يشأ أن يكتفي بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ولكنه نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس!

وقد كان إقدامه على هذه الخطوة، سابقة فريدة في تاريخ أمريكا كله منذ نشأت دولة إسرائيل؛ لأن كل رئيس سابق عليه كان يتعهد بالشيء نفسه خلال حملته الانتخابية، ولكنهم جميعاً لم يكونوا يتجاسرون على الانتقال بتعهداتهم من خانة الوعود الانتخابية إلى مربع الفعل الحي على الأرض .. إلا ترامب.. الذي تجاسر واتخذ القرار وراح ينفذه بقلب ميت، لا يرى في العالم سوى مصالحه ومصالح بلاده!

وقد كان بولسونارو يمشي على خط ترامب منذ البداية، وكان يتعهد بالشيء نفسه خلال حملته الانتخابية، وجاء عليه وقت كاد فيه ينقل سفارة البرازيل في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، لولا أنه تراجع في اللحظة الأخيرة، رغم الزيارة التي قام بها إلى العاصمة البرازيلية، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو!

وكان واضحًا أن الشيء الذي دفع الرئيس البرازيلي لتأجيل نقل السفارة، أنه حسبها بالورقة والقلم، عندما وصله أن العواصم العربية في غالبيتها، تفكر في مراجعة وارداتها من اللحوم البرازيلية، على سبيل رد الفعل على مشروع القرار الذي كان يشغله ويفكر فيه!.. هنا .. وهنا على وجه التحديد .. توقف بولسونارو وسأل نفسه عن حسابات الربح والخسارة من وراء القرار!

وقد عرف من مصدري لحوم بلده إلى الدول العربية، أن الفاتورة كبيرة وضخمة، وأن أي مقاطعة عربية في هذا الملف، معناها أن أصحاب المزارع في البرازيل، سوف يتخلصون من اللحوم في البحر، وسوف لا يجدون من يشتريها، وسوف يؤدي ذلك إلى خراب بيوت برازيلية كثيرة!

وحسبها الرجل من جديد وتراجع عن القرار، ولم يكن أمامه سوى أن يفعل هذا؛ لأنه كان على يقين من أن العواصم العربية التي تستورد لحومه جادة في تهديدها!

وهذا بالضبط ما قصدته عندما قلت في أول هذه السطور، إن مجلس الجامعة العربية كان في حاجة إليه، بخلاف حكاية الإدانة التي صدرت عن الاجتماع تجاه قرار فتح المكتب التجاري، وكذلك بخلاف حكاية التحذير من نوايا بولسونارو في ملف نقل السفارة المؤجل!

إن نواياه معروفة ومنشورة منذ وقت مبكر، ومنذ أن كان لا يزال مرشحاً في السباق الرئاسي الذي خاضه إلى القصر، وهو لم يكن يتكلم سراً في الموضوع، ولكنه كان يعلن موقفه في كل مناسبة انتخابية، وكان يغازل ناخبيه بما يقوله، وكان يواصل المغازلة طوال الحملة الانتخابية!

وهو قريب في تفكيره عموماً من ترامب، وليس هناك ما هو أدل على ذلك، إلا أنه أعلن انسحابه من اتفاقية المناخ التي كانت البرازيل قد وقعت عليها في باريس عام ٢٠١٥، وكان في قرار انسحابه يمضي على الطريق ذاته الذي مضى عليه الرئيس الأمريكي!.. فجميعنا يعرف أن ترامب بادر بالانسحاب من الاتفاقية، بعد أن كانت واشنطن هي التي دعت للتوقيع عليها في العاصمة الفرنسية أيام أوباما!

أريد أن أقول إن لدى العرب أوراقاً مؤثرة، يستطيعون اللعب بها سياسياً في قضية القدس وفي غير قضية القدس، وأريد أن أقول إن وارداتنا كعرب من لحوم البرازيل ورقة قوية للغاية، وفاعلة، ومؤثرة إلى أبعد حد، وأريد أن أقول إن هذه الورقة متاحة في قضية فتح المكتب التجاري، كما كانت متاحة في ملف السفارة من قبل، وأنها فقط تبحث عمن يحركها، ويوظفها، ويستخدمها! وهي مجرد ورقة من بين أوراق أخرى في أيدي العرب، ولكنها أوراق معطلة وتفتش عن إرادة عربية سياسية تبعث فيها الحياة!

إعلان