لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في الإصلاح الإعلامي

د. جمال عبد الجواد

في الإصلاح الإعلامي

د. جمال عبد الجواد
09:32 ص الأربعاء 27 نوفمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حديث الإصلاح السياسي والتغيير الإعلامي- خير اللهم ما اجعله خير- يملأ المدينة.

الصحافة الورقية تنزف قراء، والإعلام المرئي ينزف مشاهدين، فيما الجميع ينزفون أموالا ومصداقية؛ ويلجأ الناس لوسائل غير آمنة على السوشال ميديا، وفي البث التليفزيوني القادم من وراء الصحاري والبحار، ربما لأنه مثير ومُسَلٍ بدرجة أكبر، وليس لأنهم بالضرورة يصدقونه. فالناس لم تعد تصدق ما تقرأ وما تسمع، ولكن فقط ما يرونه بأعينهم؛ وهذا- لو تعلمون- أزمة كبيرة؛ فالتصديق مصداقية، وفقدان المصداقية هو فقدان جزءًا ثمينًا من رأس المال الاجتماعي اللازم لإقامة البناء وتحقيق التقدم.

قصة الصحافة في بلادنا مليئة بالشجون؛ فقد مر علينا زمن كنا فيه رواد التفكير والكلام والكتابة والنشر. وكانت صحف مصر تسافر محمولة على ظهر القطارات والسفن، لتصل البلاد البعيدة في الخليج والمغرب، بعد أيام من صدورها، فتجد القراء ينتظرون صحافة مصر البايتة، التي لا تُفقدها الأيام بريقها، فهكذا هو الحال مع الكلمة المكتوبة بصدق، والتي تخرج من عقل نابه مثقف جاد، والمعجونة بالأصالة، أصالة الفضول المعرفي، والرغبة في اكتشاف الجديد، وحب نشر الفضيلة والحقيقة والنور.

في ذلك الزمان البعيد كان الكثير من الصحف يتم تأسيسه وإغلاقه دون أن يشعر به أحد؛ وكان هناك صحفيون يجدون بالكاد قوت يومهم من العمل بالصحافة؛ لكن كان أيضا هناك صحف ومجلات تأسست لتزدهر، ولتصبح مشروعات اقتصادية ناجحة، انتقت من بين المئات من هواة الصحافة عشرات من الموهوبين الحقيقيين، فضمنت لهم حياة كريمة، وصنعت لهم أسماء كبيرة، وشيدت بهم صروح الفكر والفن؛ دون أن تمد يدها طالبة دعما من دولة أو منحة من رجل أعمال.

أتحدث عن الأهرام والأخبار ودار الهلال وروزاليوسف ودار المعارف، وغيرها الكثير، فقد كان هناك أيضا البلاغ والمصري والسياسة، والكثير من المؤسسات، التي صنعت الصحافة المصرية التي ظلت رائدة لما يزيد على المائة عام، بين سبعينيات القرن التاسع عشر وسبعينيات القرن العشرين؛ عندما بدأت المنافسة الشرسة القادمة من هناك، فيما كان سوس الكسل الفكري وسرطان البيروقراطية البليدة يسري في أوصال صحافة مصر وإعلامها.

وأخيرًا وصلنا إلى لحظة نتحدث فيها عن إصلاح الإعلام، وعن قيادات جديدة سيتم اختيارها لتولي مهمة الإنقاذ، وهو أمر لا يدعو سوى لارتياح جزئي، لأن المشكلة ليست في الأشخاص، أو بعبارة أكثر دقة، فإنها في الأشخاص وفي أشياء أخرى أيضا، فإذا لم نشخص هذه الأشياء الأخرى، وإذا لم تكن لدينا العزيمة على التعامل الفعال معها، فإن تغيير الأشخاص لن يكون كافيا لحل المشكلة، ولأن تغيير الأشخاص لن يخرج بنا من المأزق لو بقي كل شيء آخر على حاله.

نتحدث عن تغيير القيادات، فيجري تداول الأسماء بحماس شديد، وتصعد بورصة الأسماء وتهبط بلا أساس أو سبب مفهوم، كما لو كنا لم نغير القيادات من قبل، وكما لو أننا لا نلاحظ أن صحافتنا كانت تنزل درجة إضافية نحو "بئر السلم" مع كل دفعة من القيادات الجديدة.

فهل سأل القائمون على الأمر عن سبب إخفاق التغييرات السابقة؟

وهل قاموا بما يلزم لتكون النتيجة مختلفة هذه المرة؟

وهل جلسوا مع المرشحين، وسألوهم عن خططهم للنهوض بصحف سيتولون مسئوليتها؟

وهل تحققوا من أن هذه الخطط قابلة للتنفيذ، وليست مجرد معسول الكلام وأحلام اليقظة؟

فلا يكفي للقيادات الإعلامية أن تكون "موالية"، ولكنها تحتاج أيضا أن تكون "مهنية" و"مبدعة"، وليس من الصعب الجمعُ بين الأمرين.

إعلان