لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

يا فتاح يا عليم

د. جمال عبد الجواد

يا فتاح يا عليم

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 11 يناير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم" هذه هي العبارة الأثيرة لمناجاة الله لدى المصريين الشعبيين من أهل التجارة والحرف، يناجونه في ساعات الصباح الأولى، ما أن يفتحوا محال عملهم، ويصبحون جاهزين للعمل والسعي وراء الرزق، فيتضرعون إلى الله أن يفتح عليهم بما يعلمه عنهم وعن نياتهم، وأن يرزقهم بكرمه ولا يحرمهم أبدا.

جريا على صيغة المناجاة الشائعة بين أهل مصر تم اختيار "الفتاح العليم" ليكون اسما لأول مسجد يتم افتتاحه في العاصمة الإدارية. عندما وضعت اسم المسجد على تطبيق جي بي إس ليرشدني إلى الطريق إلى المسجد الجديد تبين لي وجود أكثر من مسجد بالاسم نفسه في مدن مصرية مختلفة، ومع هذا فإن تحديد المسجد المقصود وطريق الوصول إليه لم يكن صعبا.
أردت المشاركة في أول صلاة جمعة في المسجد الجديد الكبير. المسجد فعلا فائق الجمال ومهيب؛ لكن الأجمل من كل المعمار والتصميم والتشطيبات هو خطبة الجمعة التي ألقاها الدكتور أسامة الأزهري، وفيها قدم نموذجا لما يجب أن يكون عليه إصلاح الخطاب الديني الذي سمعت عنه كثيرا، لكنني لم أره إلا اليوم. يصعب تلخيص الخطبة التي كانت برنامج عمل لتأسيس خطاب ديني جديد أكثر منها خطبة جمعة، وهنا بعض العناوين التي ضمتها خطة العمل هذه.

الإيمان المقرون بحب الحياة وحب الوطن.
المرأة ليست مجرد زوجة وأم كما يصورها الخطاب السائد، ولكنها "سيدة ذات عقل متألق وفكر سابق وعطاء لا محدود، تبني بيتا ومؤسسة ووطن".
اعتزاز بأهل البلاد المصريين، الذين عشقوا العمران "منذ أن شيدوا الأهرامات والمعابد والمتاحف"، وهكذا لم نعد مطالبين باحتقار آثارنا القومية لكي نكون مؤمنين صالحين؛ وأصبح لنا أن نفخر بالبلد الذي ولد فيه التاريخ قبل ظهور الإسلام بآلاف السنين، فليس كل ما سبق الإسلام جاهلية مظلمة كما كانوا يشيعون بيننا.

شعب مصر مسلم ومسيحي، هكذا تحدث الدكتور أسامة الأزهري بلا تردد أو خجل. شعب مصر يبعث برسالة إلى العرب والمسلمين، وإلى أوربا وأمريكا وروسيا والصين والهند والكون كله، هكذا تحدث الدكتور الأزهري أيضا، فكانت هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها كلمات أوربا وأمريكا وروسيا والصين والهند في مسجد دون أن تكون متبوعة باللعنات، ودعاء تيتيم الأطفال، وترميل الزوجات، وتثكيل الأمهات.

شعب مصر والمسلمون في خطاب الدكتور الأزهري هم جزء من الإنسانية بأكملها، وليسوا في خصام وعداء معها. هذه رؤية جديدة تماما تختلف عما عودنا عليه الناطقون باسم الدين لعقود، والذين قالوا لنا أننا إما أن نكون في عالم اليوم عبيدا تابعين، أو أن نكون أساتذة متسيدين.
وعدنا الدكتور أسامة الأزهري بأن تتحول خطب الجمعة في "الفتاح العليم"، والأنشطة الكثيرة التي سيجري تنظيمها في المسجد ، إلى منبر ومنصة لخطاب ديني جديد بغير "ألم وإرهاب وعدوان وقبح وتكفير وتحامل وتسلط وحروب ودماء وتمزيق دول وشعوب"؛ "خطاب ديني أصيل عميق بالقرآن والسنة، ومتصل بالعصر بأسئلته وإشكالياته. خطاب ديني يعزز الأمان والعلم والعمران ومحاسن الأخلاق ومكارم الشريعة، ونكف بمقتضاه عن الانشغال بجزئيات استهلكت وقت الناس و عقولهم، وأبعدتهم عن بناء الأوطان ومحاربة الفقر والتخلف.
هذه هي الرسالة التي وعد الدكتور أسامة الأزهري بإطلاقها من مسجد الفتاح العليم في مصر للإنسانية جمعاء؛ وأقول له لقد أرحت اليوم قلوبا وأنرت عقولا تتطلع إلى المزيد، فلك التوفيق.

 

إعلان

إعلان

إعلان