لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

شباب "البريكاريا" والأمن في أوروبا

شباب "البريكاريا" والأمن في أوروبا

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:00 م الإثنين 24 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مرة أخرى يعاد طرح موضوع الشباب في بعض المدن الأوروبية؛ باعتباره تهديدًا لأمنها، ليس بسبب كونهم معرضين للانجذاب للأفكار الإرهابية والمتطرفة، أو لأنهم يعانون من البطالة، وبالتالي يمثلون عبئًا ماديًا على الحكومات، ولكن هذه المرة لأنهم يعملون، ولكن في وظائف ليست دائمة، ويعانون من انعدام الأمن الوظيفي، وهذه الفئة من الشباب يطلق عليها فئة البريكاريا precariat.

أصبحت أوضاع فئة البريكاريا تشغل حيزا مهما من اهتمامات المعنيين بالتخطيط للسياسات الأمنية، خاصة في بعدها الاجتماعي، ويتم إدراج تضخم هذه الفئة، ضمن قائمة التهديدات الأمنية التي ستتعرض لها الدول الأوروبية، خاصة في ظل عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية فيها.

ورغم محدودية عدد الشباب في أوروبا، مقارنة بباقي دول العالم، حيث يوجد فيها 6% من إجمالي الشباب في العالم وفق التقرير العالمي للتنمية بين الشباب، فهناك اهتمام متزايد بهم باعتبارهم هم من سيقودون أوروبا في المستقبل.

وتشير البيانات الخاصة بالاتحاد الأوروبي للعام 2016، إلى أن الشباب في الفئة العمرية من 15- 29 سنة يمثلون ثلث السكان في هذه الدول، أي 176 مليون شاب تقريبًا.

ووفق جاي ستاندينج، الاقتصادي الذي حذر من تضخم فئة البريكاريا، فإن أهم ما يميزهم أن لديهم مستوًى تعليميًا يفوق الوظيفة الفعلية التي يقومون بها، ونظرًا لأنهم يشغلون وظيفة ما فإنه لا يتم احتسابهم ضمن نسبة البطالة في الدول الأوروبية، ويتم احتسابهم في المقابل ضمن قوة العمل، كما أنهم لا يحظون بامتيازات العاطلين عن العمل لأنهم يعملون أيضا، ولكن في الوقت نفسه لا يوجد ما يضمن تمتعهم بأي امتيازات لها علاقة بالتأمين الصحي أو التأمين الاجتماعي على المدى الطويل.

وتشمل هذه الفئة من الشباب من يعملون بعقود محددة المدة، ومن يعملون ضمن شركة أوبر وغيرها من الشركات التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في تقديم خدمات بمقابل للمستهلك، من خلال طرف ثالث يتم توظيفه بصورة مؤقتة لتقديم تلك الخدمة نيابة عن الشركة.

ووفق معظم الدراسات التي أجريت على فئة البريكاريا في أوروبا، فإنه رغم كونهم ضمن الطبقة الوسطى، فهم الأكثر عرضة للمعاناة من الفقر المقنّع، بسبب عدم كفاية الدخل النقدي الذي يحصلون عليه لتلبية احتياجاتهم وكذلك بسبب عدم إدخالهم ضمن شبكة التأمين الاجتماعي من قبل رب العمل.

كما أنهم- ولاسيما المتعلمون منهم- الأكثر ميلا لتأييد التيارات السياسية الشعبوية على نحو قد يعيد تقييم الدور الذي يمكن أن تلعبه الطبقة الوسطى في تعزيز الاستقرار السياسي.

بعبارة أخرى، لم تعد هذه الدول تهتم بخفض معدلات البطالة بين الشباب فقط، وإنما أيضا بتجنب تبني سياسات توفر للعاطلين عن العمل وظائف غير دائمة، لأن ذلك سيؤدي إلى تضخم فئة البريكاريا، على نحو قد يولد ظواهر تزعزع الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في هذه الدول، خاصة أن تضخم هذه الفئة يعكس بعدًا آخر من عدم العدالة في توزيع العوائد الناتجة عن النمو الاقتصادي.

وهذا النوع من التفكير الاستراتيجي تحتاجه دول عربية عديدة لديها معدلات بطالة متضخمة بين الشباب، والأولوية بالنسبة لها أصبحت خفض هذا المعدل، وذلك دون أن يتم الاهتمام بخلق فرص عمل بجودة عالية وباستدامة حقيقية.

إعلان

إعلان

إعلان