لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

البحث عن إنسانية الدين

البحث عن إنسانية الدين

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 12 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"إن الدين قوة محركة في الكيان الاجتماعي، لا يخلو مجتمع من ممارستها، إلا فيما ندر".

هكذا تحدث المفكر اللبناني جورجي كنعان في كتابه "الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي" موضحًا أهمية الدين ودوره التاريخي في المجتمع الإنساني.

ورغم تأكيده تلك الحقيقة، فقد أشار جورجي كنعان أيضًا إلى إشكالية عميقة في تاريخ الدين، وهي أن الممارسة الدينية في المجتمع- داخل نطاق كل دين بالطبع- تأتي على حساب القيم والفضائل والمفاهيم الاجتماعية والإنسانية الموحدة للبشر؛ وأن السبب في ذلك يعود إلى الثقافة الدينية السائدة في المجتمع، والمؤسسات الدينية والسياسية القائمة، وحرصهما على توظيف الدين لخدمة أغراضهما.

وهذا يعني أن غياب مفاهيم الأخوة الإنسانية وقبول الآخر المختلف دينيًا عن مقولات الدين الأساسية، وتمركز المتدين حول ذاته، وأفكاره، وتصوراته الدينية، وطائفته، ومؤسسات الدين الخاص به، ثم توظيف السلطة السياسية أو الجماعات الدينية المختلفة لكل ذلك في خدمة مصالحها، يؤدي إلى الجور على القيم والفضائل الاجتماعية والإنسانية، ويُسقط إنسانية الدين، ودوره في خدمة الجماعة البشرية، ويؤدي لاحقًا إلى ثورة الإنسان على الدين ذاته ومؤسساته، والنظر إليهما بوصفهما أحد أهم مسببات الفرقة والصراع بين البشر.

وقد أدرك الراحل الأستاذ خالد محمد خالد- بوعيه الديني والإنساني المُتقدم- تلك الحقيقة، قبل سنوات من جورجي كنعان، ولهذا رأيناه بعد قيام ثورة يوليو 1952، يُسجل بعض الأحاديث الثقافية للإذاعة المصرية، سعى من خلالها لتصحيح أفكار المصريين حول الدين ومفاهيمه، ووظيفته، ثم قام بنشر هذه الأحاديث في كتاب حملت طبعته الأولى والثانية عنوان "الدين في خدمة الشعب"، ثم جعل عنوانه في طبعته الثالثة "الدين للشعب".

وما أحوجنا اليوم- في سياق حديث مؤسسة الرئاسة والجماعة الثقافية- إلى ضرورة تجديد الفكر الديني لإعادة طبع وقراءة هذا الكتاب؛ لأنه يُعالج بلغة بسيطة قضايا مهمة، ويخاطب في أسلوبه ولغته العقل والقلب معًا، ويُحاول صياغة وعي جديد للمصريين بالدين ووظيفته، يؤكد فيه على بعده الإنساني والاجتماعي.

فنراه في الحديث الأول الذي حمل عنوان "حقوق الإنسان من حقوق الله" يقول: "غايتنا في هذه الأحاديث أن نُزوّد الوعي الجديد بمبررات دينية صادقة، ونضع أمام عقل الشعب وقلبه المفاهيم الحقة لكلمات السماء، وغايتنا أيضًا أن ننفي عن الدين عبث العابثين، ولغو المبطلين، حتى يفيء إليه أولئك الذين شردوا منه أو كادوا، وحتى يأنس الناس إليه في يقين وحب، ويتخذوا منه في رحلة الحياة رفيقًا وعضدًا".

ثم يعرض بعد ذلك بالدليل من العهد القديم والعهد الجديد، والقرآن الكريم، ومن سير وأقوال الأنبياء موسى وعيسى ومحمد- عليهم السلام- فكرته الأساسية التي تؤكد الزمالة الأبدية بين دين الله وحقوق الإنسان، وأن توقير الله ورعاية حقوقه يقتضيان توقير الإنسانية ورعاية حقوقها.

وفي حديث ثانٍ يؤكد أنه لا إقطاع في دين الله، ولهذا لا نجد في تاريخ الأديان والرسل من يقول بجواز أن تملك الأرض فئة باغية عاطلة، وتملك مع الأرض الهواء والماء والبشر، تُجبى إليها ثمرات كل شيء، ويُحرم المُجتهدون في سبيلها من كل شيء.

ثم يُنكر بالدليل على بعض المتحدثين الرسميين باسم الإسلام إصدارهم فتاوى تزيد في ضراوة الاستغلال والإقطاع، وتُمكن قبضته الآثمة من أعناق الملايين التعسة، وتُضفي على الظلم الاجتماعي ألوانًا من المشروعية والتقديس.

وتتوالى الأحاديث بعد ذلك لتصل إلى اثنين وعشرين حديثًا، حملت عناوين عظيمة الدلالة على موضوع الكتاب وأهميته، منها: حق الشعب في أن يحكم نفسهَ بنفسهِ لِنفسه. حق الشعب في الحرية والسلام. حق الشعب في المساواة. حق الشعب في المقاومة والمعارضة. الناس إخوة، فلنفسح الطريق للكلمة. كل شيء للإنسان واحترام الحياة. وهي أحاديث يُعالج فيها الراحل خالد محمد خالد قضايا وموضوعات عظيمة الأهمية في حياة ومصير الشعوب، ويُغمرها في معالجته النقدية والتاريخية لها بنور من مبادئ وتعاليم الكتب السماوية، ليُثبت أن تعاليم الأديان، وتوجيهات الأنبياء تتزامل جميعا، وتتكامل من أجل دفع الضر عن البشرية، وتُجاهد في سبيل تثبيت خُطاها على طريق الخير والتقدم والصلاح؛ وكل ذلك بهدف التأكيد على البعد الإنساني للدين، الذي بغيابه يصبح الدين أحد أهم مسببات الفرقة والصراع بين البشر.

إعلان