لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"كتالوج" ابني (3): استراتيجيات تهذيب الأطفال

"كتالوج" ابني (3): استراتيجيات تهذيب الأطفال

د. براءة جاسم
09:01 م الأحد 13 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بعدَ أن تحدَّثنا عن الأسسِ التي تسبقُ التوجيهَ/ التهذيبَ، وكذلكَ المحاذيرِ التي يجبُ الانتباه إليها، نأتي الآن إلى الحديثِ عن كيفيةِ تقويمِ سلوكِ الطفلِ بشكلٍ عملي.

تعددتِ العلومُ والمدارسُ النفسيةُ في مجالِ تهذيبِ السلوكِ والعقابِ والثواب، إلا أنها اتفقتْ جميعًا على تجنبِ العنفِ بكلِّ أنواعِه، وسوفَ نذكُرُ بعضَ التوجهاتِ الآمنةِ التي يمكنُ اتخاذُها بطريقةٍ تحفظ السلامةَ النفسيةَ للطفل، وقد اثبتَتْ هذه التوجهاتُ نجاحَها بشرطِ تنفيذها بطريقةٍ صحيحةٍ دونَ انتهاكٍ لحريةِ الطفلِ وكرامتِه، ولن أتطرقَ في الحديثِ عن تلكَ التوجهاتِ إلى رأيي فيها أو إلى تفضيلِ أحدِها على غيرِه، ذلك أني أحرصُ على وضعِها بينَ يديكَ لتختارَ منها ما يناسبُكَ وأبناءَك، فلكلِّ طفلٍ مفتاحُهُ وأسلوبُه، وما يناسبُ طفلًا قد لا يناسبُ آخر.

• التوجه الأول: استراحة Timeout/ فرصة للتفكير Thinking corner

يكمُن هذا التوجُهُ في إعطاءِ الطفلِ وقتًا للتفكيرِ بمفردِهِ- وهو كما نسمّيهِ Timeout أو Thinking corner- يتناسبُ مع سِنِّهِ تمامًا، فيأخذُ عددًا من الدقائقِ يعادلُ عددَ أعوامِ سنِّه (يأخذ دقيقتين إذا كانت سِنُّه عامين أو ثلاثَ دقائق إذا كانت سِنُّه ثلاثة أعوام، وهكذا)، ثم يُطلَبُ من الطفلِ أن يجلسَ بحريتِهِ منفردًا في مكانٍ آمنٍ (كرسي.. زاوية.. غرفة دون غلقها عليه) بعيدًا عن أي محفزاتٍ أو مؤثرات (لُعَب، كلام مع أحد) وبعد مرورِ الفترةِ المحددةِ، يُشرَحُ له أن سببَ هذه الاستراحةِ كان من أجلِ كذا وكذا، ثم يُطلبُ منه تكرارُ ما قيلَ والاعتذارُ عنهُ حتى نتأكدَ أنه فهِمَ وحتى يتعلمَ ثقافةَ الاعتذارِ عن الخطأ، ثم يحتضنُ الأهلُ الطفلَ ويبدأونَ معهُ صفحةً جديدة، إذ لا يجوزُ إطلاقًا التذمّرُ أو توجيهُ كلامٍ له بخصوصِ نفسِ الموضوع أو إخبارُ أحدِ الأصدقاءِ أو الأهلِ أو الجيرانِ عن هذا، وكأننا نوبّخُهُ أو نفضحُهُ حتى بعد اعتذارِهِ وإدراكِهِ الخطأ.

• التوجه الثاني: المنع أو الحرمان.

هناك مدرسةٌ تقولُ بأنَّ التهذيبَ يكونُ بأخذِ شيءٍ منهُ أو حرمانِهِ من شيءٍ يحبُه، (مثال: يُحرمُ من لعبةٍ يحبُّها ليومٍ كاملٍ مثلًا، أو يُمنعُ من مشاهدةِ التليفزيون/ أو الألعاب الإلكترونية لمدةِ يوم إلخ...) ويجبُ ألا تزيدَ مدةُ المنعِ عن يومٍ واحد، وذلكَ حتى لا يتحوَّلَ مفهومُ التوجيهِ أو تقويمِ السلوكِ لدى الطفلِ إلى شعورٍ بالاستبداد.

• التوجه الثالث: لا للمنعِ والحرمان.

هناكَ مدرسةٌ أخرى تؤمنُ بأنهُ لا يجبُ حرمانُهُ من شيءٍ مُنِحَهُ مُسبقًا، ولكن يكونُ العقابُ عن طريقِ أن لا أنفذَ لهُ طلبًا واحدًا مستقبلًا، فإذا كانَ قد طلَبَ لعبةً ما أو يريدُ الذهابَ إلى مكانٍ ما، فلا أحقق لهُ طَلَبَه.

• التوجه الرابع: نقاطُ الثوابِ والعقاب.

نظامُ الثوابِ والعقابِ مبنيٌّ على النقاط، بمعنى أنه يُمنحُ نقاطًا نتيجةً لقيامِهِ بأشياءٍ حُدِّدَت له مسبقًا، أو يُحرَمُ منها جزئيًا أو كليًا بشكلٍ يتناسبُ مع مدى التزامِهِ بما حُدِّدَ له، فمثلًا تُحدَّدُ نصفُ ساعةٍ يوميًا لمشاهدةِ التلفزيون أو استخدامِ الألعابِ الإلكترونية، وتكون "حقًا من حقوقه"، يمكنُهُ بعدَ ذلكَ زيادة دقيقةٍ إن رتّبَ سريرَهُ، ودقيقة إن أعادَ لُعَبَهُ مكانها بعد انتهائهِ من اللّعب، والعكسُ بالعكس، فإنهُ يُنقِصُ من النصفِ ساعة دقيقةً إن لم يلتزم بما هو متفقٌ عليهِ مُسبَقًا، ويُشترَطُ ألا تكونَ هناك مفاجآتٌ، إذ يجبُ أن يكونَ دومًا على علمٍ بما هو مطالبٌ به، وما سيكسبُهُ إنِ التزمَ، أو ما سيخسرُهُ إن قَصّر. وجاءتْ آراءٌ أخرى تقولُ بأنَّ الواجباتِ المدرسيةِ مثلا أو الالتزامَ بطعامِهِ لا تدخُلُ في هذه المعادلة، لأنهُ يجبُ ألا تمنحه شيئًا مقابلَ واجباتِهِ في الحياة، فهي أشياءٌ لا يُنتَظَرُ المقابلُ عليها.

• التوجه الخامس: أسلوبُ العدّ ١، ٢، ٣

وهو باختصار أن تطلبَ منه أن يتوقفَ عن فعلٍ ما وتقولَ له سأعدُّ من 1 حتى 3 ، فإن لم تتوقفْ سيحدث كذا، ثم تستخدمَ إحدى الطرقِ السالفِ ذكرُها. فإنكَ بذلكَ تُعطيه فرصةً لمراجعةِ نفسِه.

مفاهيم هامةٌ يجبُ أن نعامِلَ بها أطفالَنا:

• لا شكّ أنكَ سمعتَ أن الأطفالَ عادةً ما يقلدون ما نفعلُ وما نقول، أي أنَّهُ يجبُ علينا أن نكونَ نموذجًا للسلوكِ الذي نطالبُهُم به.

• أذكّرُكَ بأننَا نحنُ- الآباء- أيضًا نخطئ، لذا من الضروري أن تصلَ أطفالَنا هذه الرسالة، أنَّ الخطأ واردٌ لدى الجميعِ وأنَّهُ ليسَ دليلًا على الفشلِ بلْ هو فرصةٌ للتعلّم.

• لا تنسَ أن تشجعَ ابنَكَ على سلوكِهِ الجيدِ بالتشجيعِ والتحفيز، مثلمَا توجهه على سلوكِهِ غيرِ القويم.

كلُّ ما سبقَ ذكرُهُ خاصٌ بالأطفال الأصغر سنًا، أما المراهقون والشباب، فليَ عودةٌ معهم في مقالاتٍ لاحقة.

وأذكِّرُ بأن هذه سلسلةُ مقالاتٍ وليستْ بحثًا دراسيًا، وأن الهدفَ منها إلقاءُ الضوءِ على ما توصلتْ إليه الأبحاثُ والدراسات.

ويمكنكَ قراءةُ المزيدِ عن أيٍّ من الأساليبِ السابقةِ إذا اخترتَ استخدامَ أيٍّ منها لمعرفةِ تفاصيلَ أخرى، وذلك من خلالِ كتبٍ خُصّصَت لكل أسلوبٍ على حدة.

ألقاكم في مقال قادم أتناولُ فيه الأشياءَ التي يجبُ أن نهذبَ الأطفال عليها.

إعلان

إعلان

إعلان