لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عن الدولة الفاشلة والدولة "المرنة"

عن الدولة الفاشلة والدولة "المرنة"

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:00 م الإثنين 30 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تصدر الخطابَ السياسي طوال الفترة الماضية حديثٌ مستمرٌ عن التحذير من "فشل" الدولة وضعفها، وعن مخططات القوى الكبرى ومؤامراتها لإضعاف مصر، وقد تضمن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي في الندوة التثقيفية التي عقدت بمناسبة تحرير سيناء منذ يومين كلاما واضحا عن أن التحدي الذي نواجهه حاليا هو "تماسك الدولة المصرية".

ولعل مدى قدرة الدول على مواجهة أسباب إضعافها وهشاشتها أصبح من بين القضايا التي تشغل دوائر الأكاديمية والسياسية في الغرب، وليس فقط الدوائر السياسية في مصر.

وهذا الاهتمام انعكس في حرص الاتحاد الأوروبي على الإعلان عن استراتيجية جديدة تجاه دول الشرق الأوسط تتخذ من مفهوم المرونة resilience مفهوما مركزيا لها، باعتبارها تعني "القدرة على التعامل مع الأزمات والتهديدات التي تتعرض لها الدولة والمجتمع على نحو لا يمس بالقدرة على تحقيق التنمية المستدامة".

والاهتمام بهذا المفهوم باعتباره موجها لسياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الدول الشرق أوسطية- لا يمكن أن يتحقق دون دور فاعل لمراكز الفكر والأبحاث، وفي هذا الإطار صدر مؤخرا كتاب عن مجموعة من مراكز الأبحاث بعنوان "الاتحاد الأوروبي، المرونة، ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" (The EU, Resilience And MENA) والذي تضمن مناقشة لقابلية تطبيق مفهوم المرونة على ست دول شرق أوسطية هي تونس ومصر ولبنان والعراق وتركيا وقطر.

وقد حددت في الفصل الخاص بمصر، والذي حمل عنوان "مصر في المرحلة الانتقالية: تحديات الحفاظ على مرونة الدولة والمجتمع" ثلاثة تحديات رئيسية تواجه الدولة والمجتمع خلال المرحلة الحالية وهي تدهور الظروف المعيشية، والراديكالية والإرهاب، وتحدي تحقيق الموازنة بين تحقيق الأمن وحماية الحريات.

وما يلفت الانتباه في الحالة المصرية هو أنه يقابل هذه التحديات عدد من السياسات الإيجابية التي تم تبنيها خلال الفترة الحالية، بهدف احتواء التأثير السلبي لهذه التحديات على مرونة الدولة والمجتمع، على نحو يسمح بالحديث عن "تدخلات إيجابية لتعزيز المرونة".

ففي مواجهة التحدي الخاص بالصعوبات الاقتصادية، اتجهت الدولة لإطلاق عدد من المشروعات الاقتصادية الضخمة والتي خلقت كتلة جديدة من العمالة مدفوعة الأجر يقدر عددها بحوالي 6 ملايين، وكذلك دعم المؤسسة العسكرية والمنظمات التنموية غير الحكومية لتوفير السلع المدعومة للمواطنين، مثل صندوق تحيا مصر ومؤسسة مصر الخير، فضلا عن العمل على تطوير مشروع تكافل وكرامة والذي من المستهدف أن يشمل 3 ملايين أسرة.

وفيما يتعلق بتحدي الراديكالية والإرهاب تتبنى الدولة ثلاث مجموعات من السياسات في إطار قيامها بدورها الخاص بالحفاظ على الأمن القومي، تتمثل الأولى في الاستهداف الأمني والعسكري للإرهابيين في شمال سيناء، والثانية في سياسات مكافحة الأفكار الراديكالية الإسلامية الدينية بالاعتماد على المؤسسات الدينية بصورة رئيسية، والثالثة في مساعدة ضحايا الإرهاب من المدنيين، على نحو يقدم نموذج متفرد يتطور مع مرور الوقت في مكافحة هذا التحدي والتصدي له.

أما التحدي الثالث، فيظل هو الإشكالية الحقيقية التي تواجهها مصر في إطار تعزيزها مرونتها، لاسيما في ظل تبني عدد من القوانين الخاصة بمكافحة الارهاب والتي بحكم المرحلة التي تمر بها الدولة تجعل الموازنة بين استعادة الأمن وحرية الممارسة السياسية عملية معقدة، ورغم ذلك يتم السماح بالاحتجاجات الفئوية والتي تظل تمثل تعبير عن قدرة المجتمع على التعبير عن مطالبه بالتغيير، فضلا عن اتجاه المجتمع للتعبير عن مطالبه تلك عبر الأدوات غير الخاضعة لسيطرة الدولة مثل مواقع التواصل الاجتماعي.

وبمقارنة مصر بالدول الأخرى في المنطقة، من حيث الفشل والمرونة، فإنها تكاد تمثل حالة "فريدة" في المنطقة، لأسباب خاصة بحالة الترابط ثلاثية الأبعاد بين مؤسسات الدولة والنخبة الحاكمة والمجتمع، والتى تخلق دينامية خاصة تؤثر على مرونة الدولة والمجتمع وعلى الكيفية التى يمكن من خلالها مواجهة التحديات الثلاثة السالف ذكرها.

ويظل من المهم أن تتحول مرونة الدولة وتعزيزها وتقويتها، فضلا عن مرونة المجتمع، إلى سياسات وطنية يتم تضمنيها في خطط الدولة المستقبلية، ولا سيما أنها الضامن الحقيقي للحفاظ على تماسك المجتمع ومساندته لمؤسسات الدولة.

إعلان