لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"تهدئة غزة" وحسابات القاهرة

"تهدئة غزة" وحسابات القاهرة

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 14 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

اتفاق التهدئة الجديد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، تم إنجازه من خلال وساطة مصرية بالأساس، وجهد أممي أيضًا. وهذا بحد ذاته أمر مهم جدا، لأن البديل هو الفشل في تثبيت وقف إطلاق النار، ومن ثم الانزلاق نحو المواجهة العسكرية الواسعة والمفتوحة في القطاع، بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات أمنية وإنسانية مروعة.

معلوم أن القاهرة، في سياق الحراك بشأن غزة، تنطلق وفق رؤية مفادها أنها لا تتحفظ على أية جهود دولية تستهدف معالجة الوضع الإنساني في غزة، بل هي جزء منها وتشارك في كل الترتيبات المتعلقة بها. لكن شريطة ألا يكون كل ذلك بديلا عن المسار السياسي الذي يقوم على وحدة المصير السياسي بين الضفة الغربية والقطاع، لأن غزة ليست قضية إنسانية وإنما قضية سياسية بالدرجة الأولى.

وإنفاذا لهذه الرؤية، حرصت مصر على التحرك في مسارات ثلاثة تتكامل فيما بينها، هي: تثبيت التهدئة، ومحاولة إعادة السلطة إلى غزة من خلال تحقيق المصالحة، والتعامل مع وضع إنساني هناك قابلٍ للانفجار، وأضحى غير قابل للاستمرار على النحو الراهن.

بهذا المعنى، تبتعد مصر عن صيغة "غزة أولا" بالحسابات الإسرائيلية والأمريكية. ولهذا طالبت القاهرة إدارة ترامب بضرورة الضغط على إسرائيل من أجل تقديم كافة التسهيلات للسلطة الفلسطينية في المنطقة (ج) بالضفة الغربية، دليلاً على حسن النوايا، وبما يسهم في طمأنة قيادة السلطة ويبدد مخاوفها إزاء الحراك الراهن بشأن غزة.

أيضا تجاوب المسؤولون المصريون مع تحفظات حركة فتح وقيادة السلطة على ورقة المقترحات التي تقدمت بها القاهرة خلال شهر يوليو 2018، والتي وافقت عليها حركة حماس. وطرحوا ورقة جديدة وصفها عزام الأحمد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بأنها أقرب إلى وجهة نظر "فتح"، بما يعكس رغبة القاهرة في تذليل كافة العقبات التي تحول دون عودة السلطة إلى غزة.

باختصار، مصر لا تريد تهدئة أو هدنة طويلة على أرضية الانقسام أو بدون السلطة، ومن ثم ينفصل القطاع عن الضفة. لأنها تريد أن يبقى الأفق مفتوحا أمام الدولة الفلسطينية. كما أنها لا تريد أن يُرمى القطاع في "حضنها"، ولا أن يذهب بعيدا عنها ليكون ساحة مفتوحة لقوى إقليمية لطالما وظفت "الورقة الفلسطينية" لمصالحها هي وليس لصالح المشروع الوطني الفلسطيني. كما أنها أيضا –أي مصر– لا تريد أن يبقى القطاع تهديدا لأمنها القومي، ولا أن يتزايد ذلك التهديد إذا شنت إسرائيل عدوانا جديدا على القطاع لا أحد يعلم ما يمكن أن يتمخض عنه، لأن البديل عن "حكم حماس" هو الفوضى، طالما لم تعد السلطة وفى ظل غياب الشراكة الوطنية بين فتح وحماس.

وهنا بالذات يتعين لفت الانتباه إلى أن نجاحات السلطة التكتيكية، التي بدا لبعض الوقت أنها استعادت زمام المبادرة، عندما نجحت في "تقديم المصالحة على التهدئة" في حراك الوسيطين المصري والدولي، يبدو أنها تواجه مخاطر الانتكاس من جديد، وتقامر بتهميش دورها في ملفات غزة المشتعلة... والسبب في ذلك أن هذه النجاحات التكتيكية، لم تكن متبوعة بمبادرات وبدائل يمكن العمل عليها، وحشد التأييد لها... ولكن ظلت جهودها ومواقفها تتراوح بين تهديد حماس والتلويح بإجراءات عقابية جديدة ضد غزة... ولا شك أن "سلبية" السلطة على هذا النحو، تخرج الوسطاء عن أطوارهم، وتدفعهم للتعامل مع "الأمر الواقع" سواء بالسلطة أو من دونها في نهاية المطاف.

صحيح أن " القاهرة" حرصت – لبعض الوقت - على الاتساق مع طلبات رئيس السلطة الفلسطينية وأولوياته، بتقديم المصالحة على التهدئة، لكن إحجام أبومازن عن تقديم مبادرات قابلة للحل والتطبيق يعقد الموقف كثيرًا.

ولا شك أن حالة المراوحة بين حسابات "حماس" والأمر الواقع في غزة، وبين حساسيات السلطة الشرعية في رام الله، ربما لم تعد تتناسب مع مستجدات الميدان وضغوطاته، خاصة وأن الوضع الراهن يشير إلى أن " المراوحة بين التصعيد المنضبط والتهدئة الهشة" فقدت صلاحية الاستمرار على الأرض.

وعليه، ربما الأمر يتطلب هنا الموازنة (بميزان من ذهب) بين تداعيات حرب جديدة في القطاع (سواء على صعيد الوضع الأمني على الحدود، أو على صعيد مستقبل قطاع غزة وعلاقته بالسلطة) وبين التداعيات الاستراتيجية التي يمكن أن تترتب على الانخراط في ترتيبات للتهدئة تعمق من خروج غزة عن غلاف السلطة.

وفى كل الأحوال، واجب الوقت في هذه الأيام، ومستجدات الوضع الميداني وضغوطاته، تشى بأن هناك جهودًا مصرية مفترضة تتركز في اتجاهين:

أولهما: الانخراط المكثف لضمان صمود الاتفاق الأخير.

ثانيهما: وهو الأهم الانخراط بكثافة مع قيادة السلطة الفلسطينية، وحشد كل الضغوط الدولية لضمان عدم فرض عقوبات جديدة على غزة، وذلك لأن فرض تلك العقوبات قد يترتب عليه أحد أمرين:

- إما انفجار الأوضاع في غزة من جديد، وذهاب حركة حماس نحو إشعال الحريق باتجاه إسرائيل.

- وإما أن يكون ثمن تثبيت التهدئة (وضمان تعطيل أثر تلك العقوبات الجديدة) هو المضي بالفعل بخطوات على طريق فصل غزة عن الضفة، خاصة وأننا أصبحنا بالفعل أمام صفحة جديدة من الانقسام بعد إدخال الوقود و"المنحة" القطرية لمرتبات موظفي "حماس"، وفي ظل الاستعداد لمناقشة خطة "ميلادينوف" الخاصة باستعداد "الدوحة" في القادم من الأيام لتمويل رواتب موظفي حماس المدنيين، من خلال آلية دولية.

إعلان