لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

«وزير مبارك» ولعنة الدعم

«وزير مبارك» ولعنة الدعم

عصام بدوى
07:15 م الأحد 13 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عصام بدوي

خرج من المخبز.. والغضب يرسم ملامحه.. مواطن، يتمتم بسؤال حزين: «آكل بإيه.. يعني أروح أجيب السياحي اللي لا بينفع يتاكل ولا بيشبّع .. دا أنا باخد التلاتة من الفرن بجنيه مش ببلاش»؟.

وبنفس النبرة الحزينة، وإن اختلف المكان.. عمال تراحيل، يتساقط من وجوههم عرق الشقاء، يتمتمون بنبرات حزينة، متسائلين: «يعني اللى عايز يفطر يعمل إيه.. ومفيش حد هنا بيجيب سياحي.. حتى العيش مش هنلاقيه.. يعني نسيب شغلنا عشان ندور على لقمة عيش.. يرضى مين ده»؟

ربة منزل "أم" .. يرسم ملامح وجهها خليط من الغضب الممزوج بالدهشة، وبكلمات مخنوقة بعد مغادرة المخبز: «كنت باعتمد عليه بشكل كبير لأن عيش البطاقة مش بيكفينا أنا والولاد وأبوهم.. كنت بشتري فوقهم بجنيه ولا جنيه ونص واليوم بيعدي.. دلوقتي أعمل إيه»؟

مشاهد ترصد بعضا من المآسي، التي ترتبت على القرار الأخير لوزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور علي المصيلحي، بمنع بيع الخبز الحر في المخابز التي تتعامل مع وزارة التموين، والبالغ عددها نحو 30 ألف مخبز على مستوى الجمهورية.

والسؤال، كيف نمنع أغلب المخابز من بيع الخبز خارج بطاقة التموين، ولو بسعر أكثر للمواطنين.. بينهم من يسد عجز حاجته من خبز البطاقة، وبينهم من لا يحملها معه الآن، وبينهم عمال ترحيلة، لا يدرون أين يعملون اليوم، مبررين ذلك بترشيد الدعم، أين البدائل، عندما تمنع أغلب مخابز الجمهورية عن بيع الخبز للجوعى والفقراء بدون بدائل لمجرد أنهم خارج المنظومة؟.. إن سارق الخبز من أجل الجوع لا يُحاكم، فما بالك بمن يشتريه !!.

لا أدرى، لماذا تتفنن تلك الوزارة، خاصة فى الآونة الأخيرة في تعذيب البسطاء والفقراء من أبناء هذا الشعب، الشعب الذى أنقذ هذا الوطن بثورات عديدة، أطاحت بأزمنة الظلم، ليطالب بالعدالة، بينما يُبتلى في النهاية بمسئولين شغلهم الشاغل تحميل فاتورة عجز "الموازنة" للفقراء ومحدودي الدخل فقط !!. 

لا أستعجب من أداء هذا الوزير.. "وزير مبارك"، فهو كان وزيرا للتضامن الاجتماعي في 31 ديسمبر 2005، والمسئول عن وضع الخطة القومية، لتطوير شبكات الأمان، وترشيد الدعم.

ويبدو أن هذا الوزير، ينتهج فكرة لا أدري إن كانت فكرته، أم فكرة أحد المقربين له، بترشيد الدعم إلى أكبر قدر ممكن، لكن بأسهل الطرق، ولو على حساب الفقراء والمحتاجين، وليس بتوجيهه للمستحقين فقط، فالطريقة الأخيرة تتطلب جهدا ووقتا وابتكارا، بينما الوقت لا يسعفه لذلك، لذا فإن الطرق الأسهل والأسرع هي غايته لتحقيق الإنجازات.. "أي فاتورة إنجازات هذه التي تأتي على حساب البسطاء"؟.

منذ أسابيع تبنى وزير التموين اقتراحا يقضي بضرورة خفض حصة المواطن إلى 4 أرغفة يوميا بدلا من 5، مستندا للبيانات الرسمية الرقمية الصادرة عن شركات تشغيل الكروت الذكية التي يستخدمها 81 مليون مواطن في صرف حصصهم، فى محاولة منه لتخفيض فاتورة الدعم 10 مليارات جنيه، مضافا إليها ترشيد الكميات المستوردة من القمح بمعدل مليوني طن سنويا.

تلك الطريقة أسهل وأسرع من طرق أخرى، قد ترشد فاتورة الدعم بأكثر من تلك الأرقام، لكنها تصطدم بمراكز القوى، والتي تمتلك من العلاقات ما تستطيع بها حماية مصالحها، والتسبب في القلق لأي مسئول مهما كانت قوته، لذا فإن العصف بأحلام البسطاء، هو أسهل الطرق لتحقيق المطلوب وبدون أي قلق أو تصادم مع الكبار.

وبنفس الطريقة السهلة التي ينتهجها وزير التموين للترشيد، طلب الدعم من وسائل الإعلام من خلال توجيه دعوة غامضة الأسبوع الماضي، تُعتبر الأولى من نوعها لرؤساء مجالس وتحرير الصحف القومية والحزبية والمستقلة، للقائه في مكتبه بوزارة التموين، وسأل من حضر منهم: لماذا لا تكتبون عن إيجابيات الوزارة؟.

"سؤال من وزير الدعم يطلب فيه الدعم"، وذلك من خلال استدعاء حملة الأقلام وممثلي ضمير الأمة لدعم قراراته، وكأن الوزير لا يبالي لدعوات وآلام البسطاء، فقط كل ما يعنيه هو طلب الدعم من قادة الصحف والفضائيات.

اختار الوزير القادة، ظنا منه أنهم يملكون العصا السحرية لتوجيه محرري الجرائد والقنوات والإذاعات من أجل دعم قرارات الوزير وتغييب آلام الفقراء والبسطاء ممن تضرروا من تلك القرارات، بدلا من مؤتمر معتاد مع مندوبي تلك الصحف والقنوات.. الوزير اختار الطريق الأسهل والأسرع والأقوى في اعتقاده، كما حدث فى محاولاته لترشيد الدعم.

الوزير من تلك الدعوة، يبحث عن ظهير داعم من حملة الأقلام والضمائر، إما لقرار ما اتخذه ويؤرقه، أو بسبب قرارات جديدة في الطريق قد تؤرقه، خاصة بعد نشر بعض الأخبار المنسوبة لمسئولين بالوزارة عن أحقية بطاقة التموين فقط لمن يقل دخله الشهرى عن 1500 جنيه و1200 جنيه للمعاشات، وهو ما نفاه مركز دعم القرارات بمجلس الوزراء، بينما قامت الوزارة بعده بنفي ذلك تماما، موضحة أن ذلك الإجراء، قد يطبق على طالبي البطاقات الجديدة.

يا سيادة الوزير.. 1500 جنيه شهريا (88 دولارا) على أسرة مكونة من 4 أشخاص يعني 375 جنيها للفرد (أكل ومدارس وعلاج ودروس وملابس)، وفي ظل ارتفاع جنوني في الأسعار، متزامنا مع تضخم بلغ 34.2%، وهو الأعلى في تاريخ مصر على مدى 100 سنة مضت، وتآكل قيمة الجنيه للثلث، في حين يسجل أقل دخل شهرى للفرد في دول شبيهة بمصر 750 دولارا.. "كيف يعيش صاحب الـ 88 دولارا شهريا بدون دعم"؟!!.. وهل حجب الدعم عن أصحاب المعاشات يعد تكريما لهم فى آخر مشوار الحياة، لمجرد منحهم معاشا بـ 1200 جنيه؟

الأيام القليلة المقبلة، ستكشف للوزير عن صعوبة في إيجاد داعم أو شريك يقاسمه نتائج لعنات الطبقة الكادحة.. طبقة تنام ليلا خائفة من نهار قد يأتي بقرارات تزيد ما لديها من تراتيل الحزن والأسى.

إعلان