لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عن خيبة الأمل

عن خيبة الأمل

د. أحمد عبدالعال عمر
09:05 م الأحد 02 يوليو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. أحمد عمر

قال لي صديقي: هل تجد أي دافع للكتابة أو أدنى إيمان بقيمتها وجدواها في مجتمعنا الآن؟ 

فقلت له: أعيش يا صديقي منذ فترة حالة اللامبالي الكامل، ربما أنفعل من الداخل بما يدور حولي وأتأمل فيه، ولكنى على مستوى الخارج انسلخت عن سياقات كثيرة مرهقة، وأصبحت -كوضع مؤقت-، كأني لست هنا، وأعيش في عالم الفلسفة والأدب والسينما.

ومع ذلك لابد أن أستمر في الكتابة، لأن هذا واجب والتزام أخلاقي أولاً. ولأني أعتقد يقينًا بقدرة الكلمة الناقدة الواعية على صنع التغيير حفراً في وعي الناس. ولأني أؤمن بما قاله المخرج المسرحي الفلسطيني جواد الأسدي لصديق عمره الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس: "عندما يتعرض جسدك للحريق، فهل من حائط تستند إليه سوى الكتابة؟" 

فالكتابة يا صديقي هي دواؤنا من داء لا شفاء لنا منه، هو داء الوعي النقدي المستقل تجاه السلطة والواقع ومجريات الأحداث، وداء الانتماء والاهتمام بالشأن الوطني والصالح العام والسعي بعقل وواقعية لتجاوز واقعنا المتردي، وجعل ما ينبغي أن يكون، هو الكائن بالفعل. 

سأكتب يا صديقي، لأني لا زلت مسكوناً بحلم الفيلسوف اليوناني أفلاطون عن الحاكم المثالي، الذي رسم ملامحه في رسالته السابعة، وهو "حلم الحاكم حين يكون حكيماً، رجل يجمع بين القدرة والعلم، بين السلطة والحكمة". ولا زلت أنتظر الحاكم أو رجل الدولة الذي يحمل تلك الصفات أو بعضها؛ لأن التغيير والإصلاح في بلادنا يبدأ دائماً من رأس السلطة، إن أراد ذلك كان، وإن لم يرد استخدم كل أدوات وسلطة الدولة، في إعادة إنتاج الماضي، وتكريس حضور ما هو قائم، وإجهاض أي رغبة لدى الناس والنخب في الإصلاح والتغيير، بحيث لا يبقي لهم إلا طريقين لا ثالث لهما، الطريق الأول: اليأس وفقدان الإيمان بالأوطان والهجرة للداخل أو الخارج، والطريق الثاني: الثورة والقفز بأنفسهم والوطن للمجهول. 

من الإيمان بجدوى الكلمة للكتابة عن خيبة الأمل!

لكني حين جلست بعد حواري السابق مع صديقي عن جدوى الكلمة، لأكتب مقالي الأسبوعي، في سياق احتفالات الدولة بذكرى ثورة 30 يونيو، وجدت نفسي أكتب "عن خيبة الأمل" التي تسكن قطاعًا عريضًا من المصريين، والنابعة من بعد المسافة بين ما كنا عليه من وحدة واتفاق وطني في تلك الأيام، وما نسجناه من أحلام عن علاقة الدين بالدولة، وشكل السلطة، وواقع الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبين ما انتهينا إليه اليوم من مظاهر وسلوكيات ومتغيرات في الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومن انقسام حول الثوابت والبديهيات الوطنية، ومن تبدد لروح 30 يونيو وتصدع غير مقبول لجدار الثقة بين الدولة وقطاع غير قليل من المصريين.

وقد تذكرت في سياق تلك الخواطر الإهداء المميز الذي افتتح به الراحل عبد الرحمن منيف، روايته "حين تركنا الجسر"، عندما كتب يقول: "إلى عاصم خليفة، أحمد مدنية، وحمزة برقاوي، ذكرى خيبات كثيرة مضت، وأخرى على الطريق سوف تأتي". 

وهي رواية كتبها عبد الرحمن منيف عام 1976عن الصياد "زكي الندوي" الذي يطارد (فريسته/ حلمه) وهو في خضم حوار دائم مع ذاته، يستحضر فيه أخطاء حياته السابقة، وذكرى خيبة أمل جماعية عاشها في وطنه في أعقاب هزيمة عامة، ترمز ربما إلى نكسة 1967 التي أجهضت أحلام جيل عربي كامل، وكسرت روحه. 

فهل تصبح "خيبة الأمل بعد كسر الحلم في التغيير والإصلاح" قدر جيلنا الذي عاش أيام ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وشارك فيهما، ونجح من خلالهما بفضل وعي جموع المصريين ووطنية الجيش، في التخلص من حكم الرئيس حسني مبارك، وإفشال مشروع التوريث، والتخلص من نظام حكم جماعة الإخوان، وتعرية كل جماعات الإسلام السياسي، وكشف تجارتها بالدين لتحقيق مصالح شخصية ومكاسب سياسية.

أم لا يزال للحلم بقية في قدرة المخلصين الوطنيين من أهل الحكم والسياسيين والمفكرين على استكمال مشروع إصلاح مؤسسات الدولة، وتصحيح المسار، وتوحيد الجماعة الوطنية نحو أهداف واضحة لا يمكن الاختلاف عليها؟ 

اتمنى ألا نفقد الأمل، وأن نستمر في القيام بواجبنا في النقد الإيجابي والعمل لرسم ملامح وصنع مستقبل أفضل لمصر، يُبدد مخاوف الساخطين على الوضع الحالي، الذين يجدون أن الحاضر سيء، والمستقبل ملتبس، والماضي يعاد إنتاجه على نحو أكثر بؤساً؛ فوجود هؤلاء، وما صاروا إليه من قناعات، شيء مؤسف، ومؤشر على حالة إحباط قد تؤدي إلى ما هو أسوأ. وتبديد مخاوفهم ومسببات غضبهم، واجب الرئاسة والدولة، التي يقع على كاهلهما اليوم إعادة ترميم ما تصدع في تحالف 30 يونيو، واستعادة الروح الوطنية الموحدة التي شاعت أثناء ثورة المصريين على حكم جماعة الإخوان المسلمين.

إعلان