لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

يكفّرون تارك الصلاة ولا يكفّرون الدواعش

يكفّرون تارك الصلاة ولا يكفّرون الدواعش

عادل نعمان
09:05 م الإثنين 04 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مشايخنا الأفاضل من أهل العلم لا يكفّرون الدواعش، أو الفرق التكفيرية المقاتلة والقاتلة، لأنهم من أهل القبلة، وينطقون بشهادة ألا إله إلا الله محمد رسول الله حتى لو لمرة واحدة، فهذا يكفي لإثبات الإيمان، فلا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وما دون الشرك فهو مغفور حتى لو قتلوا الدنيا وما فيها.

لكنهم لا يحجبون عنهم صفة الإجرام والفسق، ولا يحرمونهم مما هو أشد من هذا، فهم خوارج ومفسدون وبغاة، ويستباح محاربتهم وقتالهم وقتلهم من الدولة، ويستشهدون في هذا بموقف الإمام على بن أبى طالب في عدم تكفير الخوارج الذين خرجوا عليه، وشقوا عليه عصا الطاعة، وهم الذين كفروه وقاتلوه لقبوله فكرة التحكيم مع معاوية حين كانت الحرب على وشك أن تحكم لصالحه، حتى إنهم قد اشترطوا عليه لعودتهم إلى صفوفه شرطين: الأول أن يعترف بكفره، والثاني أن يتوب عن هذا الكفر، لكنه لم يكفرهم وقال عنهم "إخواننا بغوا علينا".

هذه أسانيد معظم المذاهب وأهل العلم، لكنهم متفقون على قتل تارك الصلاة عمدًا لكفره، فتارك الصلاة كتارك الدين وخارج عن الملة، ومن أقامها فقد أقام الدين، وكأن تشويه صورة الإسلام، وقتل الأنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وسلب حقوق الناس، ليس هدمًا لثوابت الدين وسمعته.

ويتساءل كثير من رجال الدين عن الفائدة المرجوة من تكفير هؤلاء؟ فإذا ما صرحوا بفساد منهجهم وجرم ما يرتكبونه من أفعال وفسق مذهبهم، وحكمهم حكم الخوارج والمفسدين في الأرض، ووجب قتلهم والقضاء عليهم، أفلا يكفي هذا لقتالهم وقتلهم؟ وهل تكفيرهم سيزيد الحكم عليهم؟ أو سيساهم في قتلهم مرة أخرى؟ وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟

نقول لهم أولًا: إذا ما توسعتم في تكفير عباد الله على وسعتكم، وفتحتم الأبواب على وسعها، للزج بمن لا ترضون عنه، فلماذا تصدونه عن قتلة الأنفس بغير حق، وعمن استباحوا أعراض الناس وأموالهم؟ وهم بهذا الفعل قد تفوقوا على كفر مرتكبي النواقض العشرة دفعة واحدة، حتى وإن كانت كل ناقضة من النواقض العشرة تكفر صاحبها وتخرجه من الملة. فما إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، وما التشفع بالأموات أو الأولياء أو الأنبياء إلى الله من دون الله، وما إنكار الكفر عن المشركين أو الشك في كفرهم أو موالاتهم من دون المؤمنين، وما الاعتقاد بالقوانين الوضعية التي سنّها الناس أفضل من شريعة الإسلام أو مساوية لها، ما كانت هذه النواقض منفردة أو مجتمعة أكثر جرماً وأذى للدين وللبشرية من قتل الأنفس البريئة أو استحلال مالهم وأعراضهم. فإذا كان الله يسامح في حقه ولا يسامح في حق العباد، ويتنازل عن حقه ولا يتنازل عن حق العباد، يصبح قتل النفس البريئة أشد وأعظم جرماً وذنباً عند الله من الخطأ والذنب في حقه حتى ترك الصلاة، وكان الله رؤوفاً بالعباد.

ثانياً: لسنا بصدد أو أمل أن يترك التكفيريون فكرهم أو ميادين جهادهم، فهذا حلم بعيد المنال، لكننا نبحث عن تضييق الطريق على من يحاول أو يفكر في الانضمام إليهم، ونغلق باباً يتسللون منه إليهم، وهو باب الإفساد أو البغي أو الخوارج أو المروق، وهى أبواب كلها تقبل المرور وتجيزه، وينفع فيها الاجتهاد، فمن يقول عنه خلاف بين فريقين في الرأي، أو اجتهاد في الحكم لكل فريق، أو خروج فريق عن الآخر، أو بغى فئة مؤمنة على فئة مؤمنة أخرى، كما حدث في الفتنة الكبرى والصغرى، فكان منهم من انتقل بين الفريقين بحرية، مقاتلاً في صف أبي طالب يوماً، وفى صف أبي سفيان يومين، وكلا الفريقين ليس بكافر، فكان القتيل في الفريقين شهيداً، والقاتل في الفريقين باغياً، فما كسب هذا وما خسر ذاك؟ فإذا قلنا هذا كفر بواح وصريح، فقد أغلقنا الباب على الكثير وفوتنا الفرصة على المترددين أكثر .

ثالثا: التضييق على الظهير المتواطئ أو المساعد أو المؤيد أو المتعاطف، فمن ساعد وعاون وأيد وتعاطف وقدم الدعم والحاضنة، ربما منهم كثيرون يغلبون فريقًا على فريق، وينتصرون لفريق على فريق، ويؤيدون مسلماً على مسلم بينهما خلاف فقهي. أو تظنون أن هؤلاء القتلة يتنقلون في البلاد، ويحصلون على المعلومات والمؤن دون حاضنة؟

ألا تظنون أن هذه الحاضنة ربما يظنون أنهم دعاة حق، مطالبين بالحكم بما أنزل الله، وتحكيم الشريعة، وهذا ربما سند الغالبية منهم؟ فما كان من كثرة عبادة الخوارج، ومن طول قراءتهم للقرآن، وتشددهم في الحلال والحرام إلا الأثر الأكبر في انضمام الكثير إليهم، خصوصا أن أحدا لم يكفرهم على أعمالهم، بل كفروا أصحاب الحق، فكانوا مسلمين، ربما عصاة أو مذنبيين، لكنهم ليسوا بكفار، فاختلط الأمر على الناس وأيد من أيد وساند من ساند وانصرف عن الاثنين من انصرف. هذا هو موقفنا من التكفير، فإن فتحتم ووسعتم الكفر ما شاء لكم أن توسعوه، فلا أقل أن يشمل هؤلاء، وإن ضيقتم عليهم فضيقوه على ما نشاء من عباد الله، وفى هذا فلن نكفر أحداً في الدنيا من عباده جميعاً، وهو حق الله وليس حق عباده.

إعلان