لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هل نحن بلدٌ فقيرٌ حقًّا؟ (9).. من يمول بناء العاصمة الإدارية الجديدة ؟

هل نحن بلدٌ فقيرٌ حقًّا؟ (9).. من يمول بناء العاصمة الإدارية الجديدة ؟

د. عبد الخالق فاروق
09:07 م الخميس 26 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

منذ أن برز على سطح الحياة السياسية والاقتصادية في مصر عام 2014، ما يسمى إنشاء عاصمة إدارية جديدة، وظهور السيد رئيس الجمهورية الجديد، أمام كاميرات التليفزيون بصحبة المستثمر الإماراتي "محمد العبار" ولفيف من الوزراء والمسئولين وبصحبة الشيخ محمد آل مكتوم رئيس وزراء دولة الإمارات وحاكم إمارة دبى، والحديث لم ينقطع يوما حول هذا المشروع ومدى أولوياته في العمل التنموي المصري، خصوصا بعد أن أعلن على الملأ أن هذه العاصمة الجديدة سوف تتكلف مبدئيا 45 مليار دولار (أي ما يعادل 810 مليارات جنيه مصري وفقا لأسعار الصرف الجديدة).

ويوما بعد يوم، أخذت الأصوات ترتفع، ودائرة الرفض تتسع بين المواطنين والخبراء الاقتصاديين، حول جدوى وأولوية هذا المشروع، خاصة بعد أن انسحبت منه الشركات العالمية واحدة بعد الأخرى، بدأت بالشركة الإماراتية ومن بعدها الشركة الصينية، فبدا بوضوح أن المخطط المسبق بأن تتولى هذه الشركات العقارية الكبرى تمويل هذا المشروع، ومن خلال مبيعاتها تتحصل على تكاليفها ومصروفاتها وأرباحها، لم يتحقق، وأن المشروع في النهاية قد وقع على عاتق شركات مقاولات مصرية، سوف تحصل على مستحقاتها أولا بأول من الخزينة العامة بأي صورة من الصور.

وهنا وقع المحظور، فاضطر كبار المسئولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية إلى التصريح عدة مرات في الأسابيع الأخيرة بأن هذه العاصمة لا تمول من الموازنة العامة للدولة، وإنما من مصادر أخرى، في محاولة لطمأنة الرأي العام المصري، الذى ارتفعت أصواته مطالبة باستثمار هذه الأموال في بناء المصانع وتشغيل المصانع المتوقفة وهكذا.

وقد فاجئ الرئيس السيسي الرأي العام بأن أصدر القرار رقم 57 لسنة 2016 بتخصيص الأراضي الواقعة جنوب طريق القاهرة السويس واللازمة لإنشاء العاصمة الإدارية للقوات المسلحة. ونص القرار على إنشاء شركة مساهمة مصرية تتولى تنمية وإنشاء وتخطيط العاصمة الإدارية الجديدة، وتكون قيمة الأراضي التي تبلغ مساحتها 16 ألفا و645 فدانا من حصة القوات المسلحة في رأسمالها (أي ما يعادل 68.2 مليون متر مربع بقيمة 68.3مليار جنيه بافتراض قيمة المتر المربع ألف جنيه فقط) ، هذا القرار يعنى أن عائد بيع أو استثمارات العاصمة الإدارية الجديدة يعود إلى خزانة القوات المسلحة وليس إلى خزانة العامة للدولة.

ثم ظهر المهندس علاء عبد العزيز نائب وزير الإسكان في لقاء تليفزيوني مع الإعلامي محمد على خير في برنامجه "المصري أفندي" على شاشة فضائية "القاهرة والناس" يوم الأحد الماضي الموافق 22/10/2017، ليقول بوضوح إن تمويل العاصمة الإدارية الجديدة ليست من الموازنة العامة للدولة، وإنما من أموال هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة

وهنا أصبح النقاش أكثر انضباطا، ويكشف ما سبق أن أكدنا عليه أكثر من مرة.. فما هي الحقيقة إذن؟ وهل تعد أموال هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة من الأموال العامة ومن المصادر الحكومية أو لا؟

أولا : حقيقة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة

انشئت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وفقا للقانون رقم (59) لسنة 1979، كهيئة اقتصادية عامة، ونصت المادة (33) من قانونها على أن مصادر إيراداتها ثلاثة هي:

ما يخصص لها من الموازنة العامة للدولة (وهي عدة مليارات سنوية عادة).

مصادرها الذاتية وأهمها على الإطلاق مبيعات الأراضي، بعد أن أصبحت مهيمنة على معظم الأراضي الصحراوية في البلاد عدا تلك الموضوعة تحت سيطرة القوات المسلحة والشرطة. (وهي أيضا مبالغ تقدر بالمليارات سنويا)، وهذه المبالغ الضخمة لا تدخل إلى الخزانة العامة، وإنما توضع في صناديق وحسابات خاصة يديرها الوزير المختص –وزير الإسكان– ومجلس إدارة يعينه هو وفقا لما يتراءى له.

التبرعات والمنح التي تحصل عليها الهيئة. وقد حرصت الهيئة منذ ذلك التاريخ، وخصوصا بعد أن تولى منصب وزير الإسكان الدكتور محمد إبراهيم سليمان عام 1993 واستمر فيه حتى أواخر عام 2005، على التصرف في أموال هذه الهيئة بعيدا عن أية رقابة، وبطريقة غير تنموية يشوبها الكثير من الشك والريبة، ويقدر حجم الفائض المتاح لدى هذه الهيئة بثمانية مليارات من الجنيهات سنويا، ولم تقدم أية جهة رقابية بيانات تفصيلية حول موجودات هذه الهيئة، وقد أعلن المهندس علاء عبد العزيز نائب وزير الإسكان -في اللقاء المشار إليه- أن المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية تضم 485 فيلا فاخرة، (تتكلف في المتوسط 1500 مليون جنيه)، علاوة على مد المدينة بكافة المرافق من المياه والكهرباء والطرق وغيرها ، فمن أين يأتوا بالأموال المطلوبة ؟

ثانيا : موارد من الموازنة العامة للدولة

إذا توقفنا عن الاعتمادات المالية الواردة في الباب السادس بالموازنة العامة للدولة (الاستثمارات)، نجدها قد تزايدت خلال السنتين الأخيرتين بصورة ملحوظة على النحو التالي:

السنة اعتمادات الباب السادس ( الاستثمارات ) بالمليار جنيه

2012/2013 39.5

2013/2014 52.9

2014/2015 61.8

2015/2016 69.3

2016/ 2017 146.7

2017/2018 135.4

وتتوزع هذه الاستثمارات بين، الأصول الثابتة التي تشكل في المتوسط ما بين 72% إلى 94% من إجمالي الاستثمارات، وأهمها المباني السكنية، والمباني غير السكنية، والتشييدات، والعدد والأدوات.

وكذلك الأصول غير المنتجة ومنها شراء الأراضي واستصلاح أراضي، وتشكل في المتوسط بين 1.2% إلى 4.7% من إجمالي الاستثمارات في الموازنة، وهى أيضا تستخدم في شراء الأراضي كما أشرنا.

أما النوع الثالث من الاستثمارات فهي الأصول غير المالية وتتمثل في الدفعات المقدمة والبعثات، والأبحاث والدراسات للمشروعات الاستثمارية، وقد أنخفض نصيبها في الاستثمارات من 25% عام 2013/2014، إلى أقل من 5% عام 2017/2018. وأخطر ما فيها بند (الأبحاث والدراسات للمشروعات الاستثمارية) التي تذهب عادة إلى المكاتب الاستشارية التي يملكها وزراء وأبناء مسئولين كبار كما سوف نعرض بعد قليل.

أي أن معظم الاستثمارات الواردة في الموازنة العامة سوف تذهب مباشرة إلى مشروعات العاصمة الإدارية وغيرها، هذا بالإضافة إلى ما سيعزز به موازنة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ومن ثم فإن الحديث حول أن هذا المشروع لا يمول من أموال الموازنة العامة للدولة يفتقر إلى الصدق والدقة.

ومن جانب آخر، فإن قرار رئيس الجمهورية رقم (57) لسنة 2016 ، يعنى نقل أصول من الأراضي إلى القوات المسلحة قدرها 68.3 مليار جنيه، كحصة في رأس المال الشركة المساهمة التي أنشئت، وتظل مبيعات العقارات في هذه العاصمة الإدارية هي مكسب صافى للقوات المسلحة، وللشركات العقارية العاملة في المشروعات، والتي لا تقل عن تريليون جنيه، لن تدخل منها للخزانة العامة جنيه واحد. 

وأخيرا فإن هناك قضية أخرى لا تقل أهمية وخطورة وهى المبالغ الضحمة التي تخصص كل عام في الموازنة العامة تحت بند "الدراسات للمشروعات الاستثمارية" ، والتي تطورت على النحو التالي:

السنة بند الأبحاث والدراسات للمشروعات ( بالمليون جنيه )

2012/2013 1713

2013/2014 2050

2014/2015 2288

2015/2016 1237

2016/ 2017 2655

2017/2018 3087

لمن تذهب أموال بحوث ودراسات واستشارات تلك؟

وهل تساوى هذه المشروعات ومعظمها في مجال التشييد والمقاولات كل هذه الدراسات والبحوث بهذه المبالغ الضخمة؟

وهل بعد ذلك نتحدث عن أن مصر بلد فقير؟

إعلان

إعلان

إعلان