لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

القمح الحائر..!

القمح الحائر..!

04:49 م الجمعة 06 مايو 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

وطد أجدادنا حياتهم الأزلية على شاطئ النيل.. ولا شك أن مشهد الحصاد دائماً ما أوحى لهم بمشاعر الأمان والسعادة، وكان السبيل الأمثل لرفع معنوياتهم، ودفعهم وراء أمل لا ينقطع منذ غرس الحَب، مروراً برعاية الزرع والسهر عليه.. ووصولاً إلى حصاده ليصير هو الضمانة الوحيدة لاستمرار الحياة.

لا أنكر على أي حاكم أحقيته في الزهو بالإنجازات، وفي أن تكون له رؤية مستقلة بشأن إدارته لمسؤولياته، فبطبيعة الحال هو أول من ستتم إثابته عند النجاح، أو محاسبته لدى الإخفاق.. ونحن هنا بصدد إلقاء نظرة شاملة على خطاب الرئيس الأخير، والذي استمر قرابة 38 دقيقة حاول الرجل خلالها التأكيد على ما لديه من ثوابت وطنية لا تخضع للمزايدات من أي طرف.. جاء الخطاب مباشرا ولا يحتمل تأويل المغزى، لكن ليس خافياً أن الظرف استثنائي، والاحتقان هو سيد الموقف، ويعلم الجميع أن داخل كواليس احتفالية الأمس حالة من الارتباك في المشهد السياسي، على خلفية الأداء المتذبذب والغامضة دوافعه لدى أجهزة سيادية فاعلة داخل الدولة..!

بدأ الرئيس خطابه بلفتة جيدة ومطمئنة، هنأ فيها طوائف الشعب بالأعياد، ثم استهل الجزء الثاني من خطابه بشكر خاص وجهه لأبطال الرياضة في المجالات المختلفة وذكر إنجازاتهم بأسمائهم في توجه نادر غير مسبوق، سيحسب له بالطبع لدى القطاع الأوسع من المواطنين وهم الشباب.. يبدو أن الرجل استوعب فكرة أن هؤلاء الشباب هم المستقبل، وأن الرهان الرابح على أي تنمية لن يخرج أبداً عن طموحاتهم وسيأتي فقط بسواعدهم.. تحدث الرئيس أيضاً في مجمل خطابه عن الإنجازات في مشروعات قومية، وحاول سيادته التأكيد على استخدام أرقام محددة ومعطيات مدروسة حتى لا يرتفع بسقف الوعود إلى أبعد من المستطاع، وفي هذا أيضاً حالفه التوفيق في العرض حينما أشار إلى أن تحدي العامل الزمني في خروج بعض المشروعات إلى النور كان الهدف الأسمى لمجموعات العمل، ولهذا فهم الأحق بالشكر على مواصلة النهار بالليل ليثبتوا للعالم أن هناك إيجابية وجدية لدى الإدارة المصرية لجذب الاستثمارات وفتح المجال أمام شراكات مستقبلية عملاقة.. إلى هذا الحد كانت الأمور على ما يرام في حديث الرئيس، حتى أن بعض مراكز استطلاعات الرأي انتهت إلى رصد ملامح ارتياح عام للخطاب لدى قطاعات شعبية مختلفة عبر التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي..

لم يكن كل ما جاء في الخطاب من الوضوح ليعبر عما يشغل السيد الرئيس من أمور متعددة، فبرغم محاولاته المضنية لإظهار ثبات انفعالي يتناسب مع طبيعة الموقف ومع البث المباشر، فقد ظهرت على قسمات وجهه غير ذي مرة ملامح الغضب الممتزج بالدهشة أحياناً وبالاستهانة أحيان أخرى.. وجاءت تعبيراته حادة مقتضبة، وهي التي اعتدناها مجازية غير مباشرة في الكثير من خطاباته السابقة، وكعادته مؤخراً لم يستطع نسج حبكة مُحكمة من الألفاظ تعبر عن موقفه "الرسمي" من أصوات المعارضة المعتدلة، أو حتى موقف ثابت ومُعلن من مسألة الحريات واحترام الدستور الأكثر أهمية وخطورة..!

استغل الرئيس قرابة 13 دقيقة من مجمل حديثه ليؤكد على أنه "لا يخاف".. وأصر على تكرار الجملة على الحضور مرات عدة من خلال استعراض مواقفه الوطنية أثناء التصدي بشخصه وبحكم منصبه للمكائد السياسية وجماعات الشر خلال السنوات الماضية، مما أوحى بأنه مازال يحمل خصومة شخصية، وربما غصة في مسألة التعامل مع من أسماهم "جماعات الشر" دون تحديد لهويتهم..! هل تعمد الرجل عدم التسمية المباشرة كي لا يغلق اخر الأبواب في وجه تسويات من نوع خاص متوقع أن تصل لحد تحالف غير مُعلن مع بعض أطياف المعارضة..؟ أم تراه أراد أن يُبقي الشارع تحت هاجس الخوف من أي معارضة لأداء النظام الحاكم وأجهزة الدولة، وبالتالي ينأى بنفسه عن أن يدخل في صراعات صريحة معها، وعليه تصبح المواجهات شعبية / شعبية تتطلب حكمته ورعايته للفصل فيها، وربما ينشغل كل طرف بمحاولة النيل معنوياً من الأخر، فيصبح كرسي الحكم في منأى عن أي منافسة حقيقية مع أي فصيل..؟

الرئيس أغفل الإشارة إلى أخطاء فادحة داخل مؤسسات الدولة، فربما لم يتسع المقام لهذا.. لكنه كما تحدث عن الأخطار المحيطة والتوجهات التي تهدف لإسقاط الدولة وتقويض الحلم بتأسيس دولة مؤسسات مستقلة، كان يجب عليه على أقل تقدير الإشارة إلى موقفه من انتهاكات تُرتكب في حق الدستور بفعل الممارسات الأمنية الغامضة، وأيضاً قرارات حكومية عشوائية أثرت بالسلب على تقديرات دول العالم الخارجي تجاه اداء مؤسسة الحكم في مصر..

نحن لن نعيش بمعزل عن العالم، فدوائر التواصل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً حكمت على جميع الشعوب بضرورة الانخراط فيها من خلال شراكات تكاملية وصفقات تتيح فرص نجاح متساوية للأطراف كافة.. بشرط العمل بمصداقية وشفافية كسبيل وحيد لكسب تأييد وتعاطف الأخر، وليس بالتلويح بالقدرة على الانعزالية والمساومة، أو رفع سقف التحديات إلى مدى لا يعلمه أحد..

الطاغية مبارك أصر على أن تكون أحدى صوره الشهيرة في حقول القمح.. والوالي الإخواني محمد مرسي جاء ليكرر المشهد ولكن بصورة لا تخلو من السذاجة.. واليوم نرى الرئيس في مشهد مشابه أظنه أصاب سنابل القمح بالحيرة من أمرها.. فهل خُلقت فقط للتصوير، أم أنها نعمة وعظة وبركة لا يدركها إلا عاقل..؟

لا أستطيع فصل مشهد الحصاد المفعم بالأمل، عن مشهد الاصطفاف الساخط والمحزن على درج نقابة الصحفيين.. كنت أتمنى أن يعتني الرئيس بحل الأزمة ونزع فتيلها قبل أن يغادر إلى الفرافرة ليحصد القمح.. فربما كان هؤلاء المكلومين في كرامتهم هم أول من دعم حصاد النجاح بعيداً عن الطنطنة والتأييد الزائف أو التصفيق بالأمر المباشر..!

إعلان