لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من باب المحبة (4) -  كيلومترات شمال بيروت.. جبيل لديها ما تقول

الكاتب- أشرف أبو الخير

من باب المحبة (4) - كيلومترات شمال بيروت.. جبيل لديها ما تقول

08:45 م الثلاثاء 14 أبريل 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - أشرف أبو الخير:

لو أراد الله أن نكون متشابهين، لخلقنا متشابهين. لذلك، فإن عدم احترام الاختلافات وفرض أفكارك على الآخرين، يعني عدم احترام النظام المقدس الذي أرساه الله.*

أكتب هذه السطور جالسًا في مقهى حديث يقع في قلب واحدة من أقدم مدن العالم على الإطلاق، "جبيل" اللبنانية، مدينة تتحدث المراجع والكتب أن لها تاريخا يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد.. تقع إلى الشمال من بيروت الصاخبة، و يالها من مدينة تمتلئ بطاقات روحانية جمالية يشعر بها الزائر وهي تتخلله برفق.. شغف يملؤني ولا يمكنني إيقافه لالتقاط كافة تفاصيل المدينة العتيقة بمبانيها القديمة، و قلعتها الباقية كدليل على قدرة الإنسان الهائلة على التشييد والتخطيط، ميناؤها الصغير الشاهد على علاقات تجارية تاريخية بين الفينيقيين من سكان هذه البقعة الجغرافية قديمًا و بين جيرانهم الأقربون كالمصريين و اليونانيين.

لذة الطعام و الشراب على المقهى، لم تأخذني من التأمل في المدينة ووجوه البشر، بضعة آلاف جالسين على المقاهي، سائرين في الشوارع، متجولين في سوق المدينة العتيق، حاملين الكاميرات لتسجيل لحظات خاصة مع الحوائط القديمة الباقية، خليط متجانس من البشر، عرب، وأوروبيين، أسيويين و أفارقة.. كلنا هنا يغلفنا الهدوء و الصمت، وكأننا نتفق في أننا هنا لذات الهدف.. قنص لحظات من الاستمتاع.

"جبيل" ليست كمدينة أخرى في لبنان، تلك نقطة بديهية لا شك فيها و أجزم أن من يقرأ جملة شبيهة لابد وأن يفكر أنه لا مدينة تشبه الأخرى لا في لبنان ولا في غيره من البلدان، الطابع المعماري و التركيبة السكانية و الاهتمام بالتنسيق الحضري و غيرها من عشرات التفاصيل تجعل لكل بلدة ومدينة بالعالم طابعاً مميزاً لا يمكن تكراره على الإطلاق مهما اقتربت المدن جغرافياً و مهما تشابهت الشوارع و البيوت.

ويبدو كذلك أن هذا هو ناموس هذه الأرض، فجعل الله فينا اختلافا مهما تشابهت ألواننا وألسنتنا.. وأكبر دليل على هذا هو تأملك لحال أي توأم من معارفك فرغم تطابق صورتهما، فإنه ليس فيهما من تشابه داخلي.

ألهذا الناموس سبب؟

يبدو أن الإجابة نعم.. اختلافنا هو سر بقاؤنا، فإذا عدنا للخلف وقت تأسيس الحضارات سنجد - في تبسيط مبالغ فيه – أن الفلاسفة و المفكرين وضعوا أسساً لحياة البشر في البقاع المختلفة.. أسس وضع لها المفكرين والقضاة ورجال الدول أطر قانونية واجتماعية صاغت طريقة حياة كل تكوين بشري وجد، وساهمت جموع الشعوب في بناء الحضارات قديمها وحديثها، فقامت حضارات وامتزجت شعوب ولما امتزجوا بشدة وصارت ملامح حياتهم متشابهة، اندثرت بالضرورة لتقوم غيرها بها من الاختلاف ليسمح لها بالاستمرار والبقاء.

وفي مصر.. نحن نعيش رجالاً و نساء، تختلف طبائعنا وتقاليدنا بين الشمال و الجنوب بين بدو الشرق و بدو الغرب، بين أهل العاصمة و أهل قلب الدلتا.. لنا تاريخًا حضاريًا عتيقًا.. لدينا أتباع مذاهب دينية وفكرية وسياسية متنوعة ومختلفة.. و رغم الضغط ووطأة الصراعات التي نعيشها جميعاً إلا انني من المتفائلين كثيرا بأن هذا الحراك الذي يسميه الفلاسفة (ديالكتيك) هو الذي يخلق دراما الحياة.. هو الذي يجعلنا مستمرين كوحدة واحدة يملأها الصخب و التنوع، هو الذي يجعل منا كائنات تحيا على الاختلاف.

يُدهشني في مصر، أن أرى مجموعات كبيرة منا لا يستطيعون التعايش مع (الاختلاف) و يصرون على صياغته الدائمة في صورة (خلاف).. و عن نفسي لم اقابل شخصا واحداً بعد لم يتحمس في حياته لعقيدة.. لفكرة واحدة على الأقل، تلق الفكرة قبولا لدى البعض، و تلق رفضاً لدى البعض.. و هو ما يجعل النقاش و التفكير و الأخذ والرد جائزا و ممكناً طوال الوقت.. هو ما يجعل التطور حتمياً.

الاختلاف بيننا متعة.. أحبوا اختلافنا و ذاكروا بعضكم البعض.. انصتوا لاختلافاتكم.. ولا تحولونها لخلافات.. لنحيا جميعا بصورة أكثر سلاسة وأكثر قابلية للبقاء والاستمرار.

هذا ما أخبرتني به "جبيل".. الواقعة على بُعد كيلومترات شمال بيروت.. و الباقية، البهية حتى الآن.

لكم المودة بلا حدود.

• إليف شافاق، قواعد العشق الأربعون، قاعدة رقم 21، صفحة 207

إعلان

إعلان

إعلان