إعلان

بينى وبينك: يعنى إيه دستور

بينى وبينك: يعنى إيه دستور

04:23 م الثلاثاء 09 أكتوبر 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

خلال التعديلات الأخيرة لدستور 1971م، وبينما كنا نخوض معركة صحفية وحقوقية كبيرة؛ لمحاربة تلك التعديلات المخلة، والتى تم إعدادها خصيصاً؛ لتمكين الوريث من السلطة، بعد رحيل الكبير (فى السن)، كنت أراجع مقالاً فى السيارة، عندما سألنى السائق فى عفوية واهتمام: " إلا إيه هو الدستور ده يا دكتور، إللى بيتكلموا عليه؟!..."...
السؤال صعقنى فى الواقع...
واللهجة التى ألقى بها، صعقتنى أكثر....
فالرجل، الذى هو جزء من هذا الشعب، وصاحب صوت انتخابى، يتساوى من الصوت الانتخابى لأكبر مفكرى عصره، لا يعلم أساساً ما هو الدستور!!...
وعلى الرغم من صدمتى، فقد استوعبت الأمر فى سرعة...
إنه رجل عادى...
مواطن بسيط، من بسطاء هذا الشعب، الذى حرم من حقه فى تعليم صحيح، لعقود طويلة، منحوه خلالها مجانية التعليم، ونسوا أن يمنحوه التعليم نفسه...
مواطن تربى فى مدارس حكومية، يلقونه فيها المبدأ الأساسى، الذى أرادوا منا أن نسير عليه...
اسمع ....
وطع...
وبلا مناقشة....
علموَّه أن يتلقى كتباً بعينها...
وأن يحفظها...
ثم يسكبها على أوراق الإجابة...
وينجح ...
هذا هو التعليم كما أرادوه...
وكما صنعوه...
وكما كجريمة.... ارتكبوه...
زيفوا له التاريخ...
طمسوا عنه الحقائق...
غيبَّوا عنده القدرة على التفكير والإبداع والابتكار ...
علموه أن يسمع فقط ...
ويطيع ...
ومع مرور الوقت، ومضيه أكثر فى منظومة تعليم فاسدة، بات يتصوَّر أن هذا هو التعليم ...
أن يحفظ ...
ويصمَّ ...
و(يدلق) ...
ليس المهم ان يفهم ...
أو يستوعب ...
أو حتى يعى ...
وكان الطبيعى، والحال هكذا، أن يخرج إلى الحياة كما أرادوه تماماً...
مواطن مغيَّب...
عاجز ...
مطيع...
يؤمن بان ما يقولونه هو الصحيح، وما لم يقولوه، فلا وجود له ...
ثم أكملوا المنظومة، باستفتاءات زائفة، وانتخابات مزوَّرة...
وأمن يكشَّر عن أنيابه، ويحمَّر عينيه ...
ولهذا لم يعرف...
ولم يحاول حتى ان يعرف...
ثم أتوا يطلبون رأيه فى دستور، يجهل أساساً ما هو!!...
فكل ما يعرف المواطن العادى بعضه، هو القانون...
وليس الدستور ...
ويعرف بعض القانون؛ لأنه يعاقب به ...
ويخشى رجاله وممثليه...
يعرفه لأنه كما أرادوا له، يخشى ويخاف كل ما يمت بصلة للشرطة والأمن بأنواعه...ولكنه حتى لا يربط ما بين القانون والدستور...
وما لم يكن يعرفه ذلك السائق، كنموذج لمواطن مصرى بسيط، هو أن الدستور هو الأب الشرعى للقانون...
هو الوثيقة الأساسية، التى ينبع منها كل قانون...
هو حقوقه لدى الدولة...
وواجبه نحو الدولة...
ونحو الآخرين...
الدستور هو تلك الوثيقة، التى تضمن له حريته...
وأمنه ...
وحتى ممتلكاته...
الحقوق والواجبات لا تكمن إذن فى القانون، ولكن فى الدستور...
إذا ما قال الدستور يميناً، فالقانون لا يملك أن يقول يساراً، والعكس بالعكس ...
يقودنا هذا إلى أنه لو صلح الدستور، صلح القانون بالتبعية ...
ودساتير العالم كلها تدرك أن الحكومات المتعاقبة لها أهواءها ...
الحكومة قد تكون اليوم يمينية...
وغداً يسارية ...
وبعد غد إسلامية ...
ويبقى الدستور واحداً...
فمهمة الدستور ألا يترك كل حكومة على هواها...
إنه يحكمها كلها، أياً كانت انتماءاتها، بقواعد واحدة...
قواعد تضمن للمواطن حريته...
وحقوقه...
قواعد تحمى حقه فى المساواة ...
وحريته فى التعبير عما يؤمن به ...
وحريته فى أن يمتلك ..
وان يحمى ممتلكاته ...
والكل يعمل تحت ظل الدستور ...
الحكومة ...
والنظام الرياسى ...
والشرطة ...
وحتى الجيش ...
لا أحد يملك تجاوزه ...
أو الجور عليه ...
هذا هو الدستور ...
المشكلة الكبرى، هى: كيف توصل هذا المفهوم للمواطن العادى؟!...
كيف تعرًَّفه بالدستور من الأساس؟!...
هل ستطلب منه إبداء رأيه فى الدستور، دون أن يعلم ما هو الدستور؟!...
ما أهميته؟!...
ما قيمته؟!...
ما خطورته؟!...
لابد أوَّلاً وأن نعلَّمه ما هو الدستور، وأن نعرَّفه بأهميته، وخطورته ...
إن لم نفعل، فسيفعل سوانا ...
ولكن ليس بالشكل الصحيح!!..
البعض سيحاول أن يقوده إلى حيث يريد، من خلال استخدام مفاهيم، لا علاقة لها بالدستور ...
بل ولا علاقة لها بأية دساتير ...
سيحاولون إيهامه بأن من يوافق على ما يريدون سيدخل الجنة، ومن لا يوافق فمصيره النار وجهنم وبئس المصير...
وكأنهم هم من يحلمون مفاتيح الجنة والنار!!..
أو أنهم وحدهم، يعلمون من سيدخل الجنة، ومن سيدخل النار!!...
والواقع أن الدستور أمر لا علاقة له بالجنة والنار...
ولا علاقة له بالدين...
الدستور يضع الأساسيات المطلوبة؛ لإقامة مجتمع حر، عادل، يتساوى فيه الجميع، ويحصل كل من فيه على حقوقه، ويؤدَّى كل ما عليه من واجبات ...
يضع القواعد ..
والأسس...
والمبادئ...
وليس من الحرية أن يفرض الدستور على الشعب ما يؤمن به أو يعتنقه ...
فكيف يمكن، بألف ألف دستور، أن تفرض على إنسان واحد ما يؤمن به؟!...
الإيمان موطنه القلب والعقل، فهل سيحاسبنا الدستور على نبض قلوبنا، وإشارات عقولنا؟!...
هل سيحوَّلنا إلى حالة الإكراه فى الدين، وفقاً لمبادئ دين، قال ربه عزَّ وجلَّ فى وضوح، أنه لا إكراه فى الدين؟!...
ثم ما قيمة الدستور، لو فرضته فئة بعينها؟!...
ما شرعيته؟!...
البعض يتصوَّر أنه من الممكن فرض الدستور على الشعب، أو خداع شريحة كبيرة من الشعب؛ لتوافق على إصداره...
نحن لن نتعلَّم ممن سبقنا إذن!!...
لقد أرادوا فرض دستورهم .... فسقطوا ...
أرادوا إجبار الشعب على ما يريدونه، فثار عليهم الشعب، وقهرهم، كما قهر من قبلهم، وسيقهر كل من يحاول فرض إرادته عليه من بعدهم ...
وهذا الكلام ليس إنشائياً، فقد قلناه وكتبناه للنظام السابق، فلم يسمع ولم يقرأ، وركبه الغرور، وتصوَّر أنه لا أحد يقدر عليه ...
فماذا كانت النتيجة ...
لا أحد غير قابل للانكسار...
لا أحد من القوة ليبقى، وهو يفرض على الآخرين ما يرفضونه ...
لا أحد ..
على الإطلاق...
كل ما سبق ليست له أية قيمة، مادام المواطن العادى البسيط لم يفهم بعد، ما هو الدستور ...
كل ما سبق يحتاج إلى بداية ..
والبداية هى طرح السؤال الأساسى ...
يعنى إيه دستور؟!

إعلان

إعلان

إعلان