مقتل شاب أسود في جزيرة دنماركية يشعل الجدل حول العنصرية
لندن - (بي بي سي)
حين قُتل شاب أسود في جزيرة بورنهولم الشاعرية في الدنمارك، تبين أن أحد المشتبه بهم يحمل على جسده وشم الصليب المعقوف.
تزامن مقتل الشاب البالغ من العمر 28 عاماً -والذي وُلد لأب دنماركي وأم تنزانية- مع جدل محتدم بشأن العنصرية في الدنمارك. لكن الشرطة تُصر على عدم وجود دافع عنصري.
وتفاعلت الجماعات الحقوقيةمع هذا القضية بإثارة أسئلة حول ما إذا كانت جرائم التي تشتبه بأن لها دوافع عنصرية تخضع لتحقيقات جادة.
ما الذي حدث؟
عثر على جثة الرجل الشهر الماضي في موقع مخيم بمنطقة غابات في بورنهولم، مقصد للاجازات في بحر البلطيق ويتمتع بشعبية واسعة.
وتم توجيه تهم قتل لشخصين من ذوي البشرة البيضاء، هما شقيقان يبلغان من العمر 23 و25 عاماً. وأقر الشخصان -اللذان لم يُكشف عن اسميهما- بممارسة العنف، لكنهما لم يعترفا بالقتل.
ووفقاً لوثائق المحكمة، فإن الضحية تعرض للضرب بعصي خشبية وزجاجة، وأصيب بعدة طعنات بسكين، وحروق وكسر محتمل بالجمجمة. كما تعرض للضغط بالركبة على عنقه.
هل كان الهجوم عنصرياً؟
أثارت ملابسات الجريمة تكهنات بأن لها دوافع عنصرية، ولا تختلف كثيرا عن ما تعرض له جورج فلويد الأمريكي من أصول أفريقية الذي توفي في مينيابوليس بعدما ضغط شرطي بركبته على عنقه لعدة دقائق.
وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي ما قيل أنه مقطع فيديو يظهر فيه الأخ الأكبر وقد ظهر على أسفل ساقه وشم لصليبين معقوفين وكلمات تقول " قوة الجنس الأبيض".
واعتبرت حركة "حياة السود مهمة" في الدنمارك على موقع فيسبوك الحادث "جريمة قتل عنصرية طبق الأصل"، كما أشارت جماعات حقوقية أخرى وسياسيون ومعلقون إلى الجانب العنصري في الجريمة.
غير أن السلطات اتخذت خطوة استثنائية باستبعاد هذه الشبهة علناً.
قالت بينتى بيدرسون لوند ممثلة الادعاء التي تتولى القضية لبي بي سي" إنها كانت مسألة شخصية، وفي رأيي لا علاقة لها بالعنصرية".
وقد تمت قراءة لائحة التهم خلال جلسة في 24 يونيو/ حزيران في مقر المحكمة في روني البلدة الرئيسية بجزيرة بورنهولم، لكن باقي الإجراءات ظلت خلف الأبواب المغلقة.
ولم يتم الإعلان عن مزيد من التفاصيل، بما فيها ذلك الدافع "الشخصي".
من هو الضحية؟
نشأ الضحية في بورنهولم، وكان في زيارة لعائلته بعد أن أكمل لتوه دراسته للهندسة.
ويصفه أصدقاؤه بأنه كان محبوباً، وتكشف منشوراته على فيسبوك عن الشغف بالرسائل التشجيعية والاهتمام بالعلوم والبيئة.
من هم المشتبه بهم؟
المشتبه بهما أيضاً من بورنهولم. ويقول سكان محليون لوسائل الإعلام إن الشقيق الأكبر والضحية كانا صديقين، وشككوا في وجود دافع عنصري للجريمة.
وبخلاف وشم الصليب المعقوف، فإن ثمة مؤشرات أخرى على أن الشقيق الأكبر يشتبه في تبنيه أفكار اليمين المتطرف.
فقد حملت صفحته الخاصة على فيسبوك شعار "حياة البيض مهمة". وفي صورة أخرى ظهر مرتدياً قبعة ومشيرا بعلامة النصر التي ترتبط بأنصار جماعة شترام كورس (الخط المتشدد) اليمينية المتطرفة.
وكشفت وسائل إعلام محلية عن أن الشقيق الأكبر قد حضر تجمعاً لشترام كورس في شهر يونيو/ حزيران لكن تم طرده منه.
وقال عدة أشخاص لوسائل الإعلام الدنماركية إنه أدلى بتصريحات عنصرية سابقاً.
أما الشقيق الأصغر فلم تُعرف عنه ميول يمينية متشددة.
ماذا كان رد فعل مجتمع السود؟
يقول روجر كوريج ماتهيزين عضو البرلمان السابق والمتحدث باسم تجمع الدنماركيين من أصول أفريقية " استبعاد العنصرية بهذه السرعة يفتقر إلى المصداقية. هذا البيان صدر قبل خضوع الضحية لفحص الطب الشرعي وقبل مقابلة جميع الشهود".
ويضيف " حتى في حال وجود دافع آخر، فإن الأفكار العنصرية تكون قد أسهمت في زيادة العنف ضد الضحية".
في أعقاب الحادث دعت جماعة الأمريكيين السود في كوبنهاغن إلى اجتماع خاص لبحث كيفية التعامل مع العنصرية في الدنمارك.
كيف تم تسليط الضوء على العنصرية في الدنمارك؟
"إنها قضية معقدة للغاية" هكذا تقول سابا ميرزا الباحثة في القانون الجنائي بجامعة روزكيلدا ومعهد ماكس بلانك، مضيفة " هناك أوجه شبه واضحة بين الحالة الأمريكية وحالة بورنهولم، وهذا ما يثير قلق الناس".
لكنها تقول إنه من المبكر للغاية التوصل لأي فرضيات بشأن القضية.
وقع حادث بورنهولم بالتزامن مع تسليط الضوء على قضية العنصرية في الدنمارك.
قبل الحادث بقليل، خرج 15 ألف شخص في يونيو/ حزيران في مظاهرة بكوبنهاغن استجابة لدعوة من فرع محلي لحركة حياة السود مهمة.
ناقش البرلمان مؤخراً مدى تفشي الظاهرة في البلاد.
خلال الشهر الماضي اعتبر سياسيان من حزب الشعب الدنماركي اليميني أنه لا توجد عنصرية في البلاد.
وفي الوقت نفسه أظهر بحث حديث أجرته مؤسسة ميغافون لصالح مؤسستي بوليتيكان وتي في تو للأخبار أن 51 بالمئة من المشاركين لا يعتقدون أن العنصرية مشكلة منتشرة في البلاد.
تتساءل أماندا يي من جماعة الأمريكيين السود في كوبنهاغن " إلى أي الأصوات نستمع؟ هل سألنا الأشخاص الملونين إن كانوا يعتقدون أن العنصرية موجودة؟ يا للسخافة".
وتضيف يي "إنها مسألة خطيرة جداً. نحن نراها بين المهاجرين وفي قوانين الغيتو هنا، ونراها في مخيمات اللاجئين. نرى كيف لا يستطيع الناس أن يعثروا على وظائف".
وفيما يتعلق بجرائم الكراهية، يظهر تقرير للشرطة تسجيل 449 جريمة في عام 2018، من بينها 260 ترتبط بدوافع عنصرية. وتم توجيه التهم في 84 منها.
وحتى الآن وفقاً لاستطلاعات آراء الضحايا بين عامي 2008 و2018 فإن ما بين 4000 إلى 5400 شخص يقولون إنهم تعرضوا للعنف بدوافع عنصرية سنوياً. كما يعتقد عدد مماثل أنهم ربما يكونوا قد تعرضوا لذلك.
يقول روجر كوريج ماتهيزين "هناك فجوة هائلة، هناك تناقض. علينا أن نطرح أسئلة: هل الشرطة مؤهلة؟ بمعني هل تملك الموارد اللازمة؟ هل لديها تركيز كافٍ على جرائم الكراهية وعلى تعليم رجال الشرطة؟"
ستعقد جلسة الاستماع التالية في بورنهولم في 22 يوليو/ تموز، ومن المتوقع أن تجرى محاكمة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
فيديو قد يعجبك: