لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

سوريا: كنوز إدلب التاريخية ضحية أخرى للحرب

01:54 م الخميس 13 فبراير 2020

دمر الطيران التركي أكثر من نصف المعبد وتعرض الموقع

دمشق- (بي بي سي):

إذا وقعت عينك على ما يعرف بالمدن الميتة في سوريا فلن تنسى جمالها على الإطلاق. هنا على هذه التلال السحرية النائية في شمال غربي البلاد توجد أكبر مجموعة من الكنائس على المستوى العالمي وتعود إلى القرن الرابع والقرن الخامس والقرن السادس الميلادي ، أكثر من 2000 كنيسة تنتشر على مساحة مئات الكيلومترات في مئات الحواضر التي كانت تنبض بالحياة خلال المرجلة البيزنطية الأولى.

وتمثل هذه الكنائس مرحلة الانتقال من الوثنية الرومانية إلى حماس الأيام الأولى من المسيحية، إذ تقدم أدلة فريدة عبر النقوش على الحجارة التي بُنيت بها على تأثير العمارة السورية على التطور اللاحق الذي طرأ على الطراز المعماري الروماني الأوروبي وعلى الهندسة المعمارية الدينية القوطية.

واليوم تواجه هذه الكنوز أسوة بسكان المنطقة المذكورة البالغ عددهم اكثر من ثلاثة ملايين والخطر والنسيان إلى حد كبير. كان السكان في الماضي يعيشون في بحبوحة من العيش بفضل إنتاج زيت الزيتون والنبيذ، كما يشهد على ذلك الاثار الموجودة على الحجارة. واليوم، يكسب السكان معيشتهم من بيع السجائر الذي يُعتبر موردا حيويا منذ احتدام الحرب في عام 2011.

ومن المفارقات، أن وزارة السياحة السورية قامت قبل الحرب بإطلاق اسم المدن المنسية على أثار هذه المنطقة على أمل يشجع ذلك قيام زوار حالمين مفرهين بزيارتها.

وكانت هذه المدن منسية إلى درجة أن منظمة اليونسكو لم تدرجها في قائمة الترات العالمي إلا في يونيو عام 2011 إذ أطلقت عليها اسم القرى القديمة في شمال سوريا.

"كنيسة قلب اللوزة"

ولا يزال الالتباس بشأن الاسم الذي ينبغي أن يُطلق على هذه الكنيسة، لكن ما يثير الانبهار بدون شك بقاءها شبه سليمة تماماً.

ولا يزال النموذج الأولي لكاتدرائية نوتردام المحبوبة في فرنسا قائما على قمة تلة نائية في المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب، بواجهتها المألوفة المكونة من برجين يحيطان بمدخل ضخم.

وقد بنيت هذه الكاتدرائية من الحجر الكلسي المحلي حوالي عام 460 ميلادي، ونجت من ويلات الحروب، والزلازل، وتم استخدامها كملعب لأطفال القرية، ولم تحتاج إلى دعامات على مدى أكثر من 1500 عام.

واشتهرت باسم قلب اللوزة وصُمم مدخلها المزخرف للترحيب بالحجاج المتحمسين وهم في طريقهم إلى سماع عظات القديس سمعان العمودي المتقشف على عموده والذي كان يعيش على مبعدة مسيرة يوم واحد نحو الشمال الشرقي.

في الوادي نحو الأسفل، لا بد أن سكان قلب اللوزة قد سمعوا أصوات الانفجارات القادمة من منطقة باريشا يوم 27 أكتوبر 2019 عندما قُتِل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أبو بكر البغدادي في غارة نفذتها القوات الخاصة الأمريكية.

الطبيعة الوعرة لإدلب حيث تكثر الصخور الكلسية تجعل من المنطقة البيئة المثالية لحرب العصابات وتنتشر الكهوف التي يمكن أن يلجأ إليها المقاتلون.

وقد أضحت هذه الكهوف منذ زمن بعيد قبلة للنساك. وكان القديس سمعان العمودي، وهو ابن مزارع محلي، أشهر ناسك عصره، إذ انتقل من كهف إلى عمود (ستيلوس في الإغريقية) هرباً من الجموع التي كانت تطارده.

وعندما مات في عام 459 بعدما عاش 36 عاما على قمة عموده، أمر الإمبراطور البيزنطي ببناء أربع كنائس وبيت للمعمودية لتخليد ذكراه.

وشكَّل مُجمع كنيسة القديس سمعان العمودي الذي تم الانتهاء منه في عام 490، معلما تاريخيا بحق في ذلك الحين، إذ كانت أول كنيسة تتوسطها قبة ولم تتفوق عليها من حيث العظمة في العالم المسيحي سوى كاتدرائية آيا صوفيا التي بُنيت في عام 537.

ومهدت المحارب المقوسة والزخارف المنحوتة بعناية بالغة على أعتابها، وأقواسها، وقوالبها، وواجهاتها السبيل أمام إدخال تحسينات معمارية في القسطنطينية وأوروبا لاحقاً.

وتعرض المُجمَّع الرائع لأضرار بالغة في مايو 2016 جراء غارة جوية جوية روسية ودُمِّرَ ما تبقى من عمود القديس سمعان وتحول إلى أجزاء متناثرة. واليوم، أصبحت قمة التل مركزا لموقع مراقبة تركي، أنشئ في إطار اتفاق إجراءات "خفض التصعيد".

تُرِكَوا لمصيرهم

وللأسف، لم ينتبه المعنيون لما جرى يوم 17 ديسمبر 2019 ليس بعيداً عن كنيسة سمعان العمودي، إذ تم الإبلاغ عن اختفاء تمثال ضخم لأسد منصوع من حجر البازلت من موقع عين دارة، المعبد الذي يعود إلى المرحلة الحثية المتأخرة وكان بمثابة حارس للموقع لمدة 3000 عاما.

والآن هناك خشية من أن التمثال قد تم تهريبه عبر الحدود إلى تركيا. والمعبد مكرس لعشتار، إلهة الخصوبة في بلاد ما بين النهرين التي ذاع صيتها من خلال رواية أجاتا كريستي "لعنة عشتار" والتي تجري أحداثها في العراق. وكانت كريستي تعمل في مجال التنقيب عن الآثار بشمال سوريا برفقةزوجها عالم الآثار، ماكس مالوان، وساعدت في إنقاذ الكثير من الكنوز القديمة التي كانت عرضة للخطر.

وفي يناير/كانون الثاني 2018، كان المعبد قد دُمِّر بنسبة 60% من قبل سلاح الجو التركي عندما قصفت الطائرات التركية المعبد في اطار عملية احتلال منطقة عفرين وطرد المقاتلين الأكراد منها.

ولا يكاد القصف الروسي/ السوري الروتيني للمدارس والمستشفيات في إدلب يتصدر العناوين الأولى في وسائل الإعلام هذه الأيام. كما لا يحظى نزوح الآلاف من سكانها المدنيين الفقراء إلى بساتين أشجار الزيتون الباردة والموحلة ببأي اهتمام. سكان إدلب أرثهم الثقافي طواهما "النسيان" و"الموت"، لقد تُرِكوا يواجهون مصيرهم.

ولم يهتم المتطرفون الاسلاميون كثيراً بسقوط عدد كبير من الضحايا والدمار الذي لحق بآثار المنطقة، إذ يراهنون على الاستمرار في البثاء في المنطقة لمدة طويلة. معظم هؤلاء ليسوا من أبناء المنطقة، لكن في ظل احتضان الشمال الغربي من سوريا لأكبر تجمع لمجموعات مرتبطة بتنظيم القاعدة، فإن ظهور تنظيم داعش قد يكون مسألة وقت، وقد يخرج التنظيم من كهوف إدلب ويجلب دمارا أكبر لشعب وثقافة سوريا الذين تعرضا لمحن كثيرة.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان