هل وجبة الإفطار بالفعل أهم وجبة في اليوم؟
بي بي سي:
سمعنا جميعا أن الأشخاص الأصحاء والأكثر لياقة بدنية هم الأشخاص الذين يحافظون على تناول وجبة الإفطار، لكن هل يعني هذا أن الإفطار هو الذي يجعلنا أكثر صحة ونحافة، أم أن هناك عوامل أخرى؟
تشير عبارات قديمة مشهورة إلى أن وجبة الإفطار هي أهم وجبة في اليوم، ونشأ كثير منا على تلك المقولة الكلاسيكية التي تتردد على ألسنة الآباء، والتي تفيد بأن ترك وجبة الإفطار من الأشياء الضارة بالصحة، مع أن ثلثي البالغين فقط في المملكة المتحدة هم الذين يتناولون وجبة الإفطار بانتظام، وفقا لجمعية اختصاصي التغذية في المملكة المتحدة، وكذلك 75 في المئة تقريبا من الأمريكيين.
تقول سارة إلدر، اختصاصية التغذية بالمملكة المتحدة: "إن تناول وجبة متوازنة في الصباح يساعد في تعويض الطاقة والبروتينات والكالسيوم التي يستهلكها الجسم خلال الليل".
لكن يوجد اختلاف على نطاق واسع بشأن ما إذا كانت وجبة الإفطار هي التي تتربع على قائمة الوجبات من حيث الأهمية. فمع زيادة شعبية النظام الغذائي الذي يعتمد على الصيام، توجد مخاوف بشأن مكونات السكر الموجودة في حبوب الإفطار، ومشاركة شركات إنتاج الغذاء في الأبحاث المتعلقة بأهمية وجبة الإفطار، على نحو قد يؤثر على نتائجها، إلى درجة دفعت بعض الأكاديميين إلى زعم "خطورة" وجبة الإفطار.
فما الحقيقة؟ وهل وجبة الإفطار بداية مهمة لصحتنا في اليوم، أم أن ذلك مجرد تلاعب من شركات إنتاج حبوب الإفطار؟
ركزت أكثر الدراسات على جانب واحد يتعلق بفكرة تناول وجبة الإفطار أو تركها، وهو المتعلق بالبدانة، ولذلك هناك نظريات مختلفة بين العلماء حول العلاقة بين وجبة الإفطار والبدانة.
وفي دراسة أمريكية ركزت على بيانات صحية شملت نحو 50 ألف شخص على مدى سبع سنوات، خلص الباحثون إلى أن الأشخاص الذين جعلوا وجبة الإفطار أكبر وجبة لهم في اليوم كانوا أكثر احتمالا أن يحصلوا على مؤشر أقل لكتلة الجسم، مقارنة بهؤلاء الذين يتناولون وجبة كبيرة خلال الغداء أو العشاء.
ويقول الباحثون إن وجبة الإفطار تساعد في زيادة الشعور بالشبع، وتقلل من جرعة السعرات الحرارية اليومية، وتحسن من جودة نظامنا الغذائي، لأن طعام وجبة الإفطار يتكون في الغالب من نسبة أعلى من الألياف والعناصر الغذائية، كما أنها تحسن قدرة استشعار الجسم للأنسولين في الوجبات اللاحقة.
ولم يتضح، كما هو الحال مع أي دراسة من هذا النوع، ما إذا كان ذلك هو السبب، أو ما إذا كان الأشخاص الذين لا يتناولون وجبة الإفطار هم أكثر عرضة لزيادة الوزن من البداية.
ولمعرفة حقيقة الأمر، صمم الباحثون دراسة شاركت فيها 52 سيدة بدينة في برنامج لإنقاص الوزن مدته 12 أسبوعا. وتناولن جميعا نفس عدد السعرات الحرارية خلال اليوم، لكن نصف عدد السيدات فقط تناولن وجبة الإفطار والنصف الآخر تركها.
وتوصل الباحثون إلى أنه ليست وجبة الإفطار نفسها هي التي جعلت المشاركات يفقدن الوزن، وإنما يُعزى الأمر إلى تغيير النظام الغذائي المعتاد.
فالنساء اللائي تحدثن قبل الدراسة عن اعتيادهن تناول وجبة الإفطار، فقدن 8.9 من الكيلوجرامات عندما توقفن عن تناول هذه الوجبة خلال فترة البحث، مقارنة بفقدان وزن بلغ 6.2 من الكيلوجرامات لدى السيدات اللائي حافظن على تناول وجبة الإفطار خلال فترة الدراسة.
وفي المقابل، فإن السيدات اللائي اعتدن ترك وجبة الإفطار، فقدن 7.7 من الكيلوجرامات عندما بدأن تناول هذه الوجبة أثناء فترة الدراسة، ثم بدأن يفقدن 6 كيلوغرامات عندما واصلن عدم تناول الوجبة كما اعتدن في السابق.
وإذا كانت وجبة الإفطار وحدها ليست ضمانًا لإنقاص الوزن، فلماذا توجد علاقة بين البدانة وتفويت وجبة الإفطار؟
تقول ألكساندرا جونستون، أستاذة بحوث الشهية بجامعة أبردين، إن الأمر ربما يعود إلى أن من يفوتون وجبة الإفطار هم في الأساس أشخاص أقل معرفة واهتماما بأمور التغذية والمحافظة على الصحة.
وتضيف: "هناك العديد من الدراسات حول العلاقة بين تناول الإفطار وبعض النتائج الصحية المحتملة، لكن الأمر ربما يُعزى إلى أن من يحافظون على تناول الإفطار يختارون الاعتياد على سلوكيات تعزز وضعهم الصحي، مثل عدم التدخين، وممارسة التمرينات الرياضية بانتظام".
وفي مراجعة أجريت عام 2016 لعشر دراسات سابقة تبحث في العلاقة بين وجبة الإفطار والتحكم في الوزن، توصل الباحثون إلى أن هناك "أدلة محدودة" تدعم أو تدحض الافتراض الذي يقول إن وجبة الإفطار تؤثر على الوزن أو جرعة الطعام أثناء اليوم، وينبغي توافر المزيد من الأدلة قبل إصدار توصيات بأن وجبة الإفطار يمكنها أن تساعد في الحد من البدانة.
الإفطار أم الصيام؟
يكتسب الصيام المتقطع، الذي يتضمن الامتناع عن الطعام خلال فترة الليل حتى صباح اليوم التالي، أهمية بين هؤلاء الذين يتطلعون إلى أن يفقدوا بعض الوزن، أو يحافظوا عليه، أو يحسنوا وضعهم الصحي.
وخلصت دراسة تجريبية نشرت عام 2018 إلى أن الصيام المتقطع يحسن من نسبة السكر في الدم، وحساسية الأنسولين، ويخفض ضغط الدم.
وكان الباحثون قد وضعوا نظامين غذائيين لثمانية من المصابين بالسكري: الأول يعتمد على تناول جميع السعرات الحرارية بين الساعة التاسعة صباحا وبين الثالثة عصرا، والثاني يعتمد على تناول نفس كمية السعرات الحرارية على مدار 12 ساعة.
وكانت النتيجة هي أن المجموعة التي تتناول السعرات الحرارية بين الساعة التاسعة والثالثة، كان أفرادها يُقارنون بالأشخاص الذين يتناولون أدوية تخفض من ضغط الدم، وذلك وفقا لكورتني بيترسن، المشرفة على الدراسة وهي أستاذ مساعد في علوم التغذية بجامعة ألاباما في برمنجهام.
كانت هذه الدراسة صغيرة، وهو ما يعني أن ثمة حاجة تقتضي إجراء المزيد من الأبحاث لمعرفة الفوائد المحتملة لوجبة الإفطار على المدى البعيد.
وقد أجريت دراسة محكمة نشرت العام الماضي وتكونت من مجموعتين، الأولى تضم 18 شخصا مصابا بالسكري، والأخرى تضم 18 شخصا من غير المصابين به، وتوصلت إلى أن ترك وجبة الإفطار يسبب اضطرابا في إيقاع الساعة البيولوجية للجسم لدى أفراد المجموعتين، كما أدى إلى ارتفاعات كبيرة في مستويات سكر الدم بعد تناول الطعام.
وخلص الباحثون إلى أن وجبة الإفطار مهمة جدا من أجل الحفاظ على عمل ساعة الجسم البيولوجية بانتظام وبصورة سليمة.
وتقول بيترسن أيضا إن الأشخاص الذين يفوتون وجبة الإفطار يمكن تقسيمهم إلى مجموعتين، المجموعة الأولى خاصة بمن يتركون الإفطار ويتناولون العشاء في وقت طبيعي - وهم الذين يستفيدون من فكرة الصيام المتقطع، والمجموعة الثانية خاصة بمن يتركون الإفطار ويتناولون العشاء في وقت متأخر.
وتضيف بيترسن: " تتزايد مخاطر الإصابة بالبدانة، والسكري، وأمراض القلب والشرايين بصورة كبيرة لدى من يتناولون الإفطار في وقت متأخر. وبينما يبدو أن وجبة الإفطار هي الوجبة الأهم في اليوم، قد تكون وجبة العشاء في الواقع هي الأهم".
وتتابع: "يصبح التحكم في نسبة السكر في الدم في أفضل حالة كلما كان الوقت مبكرا خلال اليوم، وعندما نتناول العشاء في وقت متأخر، فهذا يكون بسبب ضعف؛ لأن نسبة السكر في الدم تكون في أسوأ حالاتها. وهناك المزيد من الأبحاث التي لا تزال مطلوبة، لكنني واثقة بضرورة عدم تفويت وجبة الإفطار، وألا تتناول العشاء في وقت متأخر".
الغذاء الصحي
خلصت دراسة تابعت عادات الإفطار شملت نحو 1600 شاب وشابة في المملكة المتحدة، إلى أن نسبة الألياف والمغذيات الدقيقة، التي تشتمل على أملاح حمض الفوليك، وفيتامين سي، والحديد، والكالسيوم، تكون في حالة أفضل لدى الأشخاص الذين يتناولون طعام الإفطار بشكل منتظم. وهناك نتائج مشابهة أيضا في كل من استراليا، والبرازيل، وكندا، والولايات المتحدة.
كما أن تناول الإفطار يرتبط أيضا بتحسين وظيفة الدماغ، بما في ذلك التركيز والقدرة اللغوية. وتوصلت مراجعة شملت 54 دراسة إلى أن تناول الإفطار يمكن أن يحسن الذاكرة.
وتقول بعض الدراسات إن وجبة الإفطار قد تساعد في تحسين التركيز والذاكرة.
وتوصل باحثون من خلال مراجعة 54 دراسة سابقة إلى عدم وجود إجماع بين العلماء بشأن نوع الإفطار الأكثر فائدة للصحة، وخلصت تلك المراجعة إلى أن نوع طعام الإفطار لا يهم كثيرا، طالما أن المرء يتناول شيئا ما في هذه الوجبة.
الخلاصة
بينما لا توجد أدلة نهائية حول ما الذي ينبغي علينا أن نتناوله ومتى، فإن الإجماع هو أنه يجب أن نستمع لصوت أجسادنا، ونأكل حينما نشعر بالجوع.
وتقول جونستون: "الإفطار مهم جدا بالنسبة للأشخاص الذين يشعرون بالجوع عندما يستيقظون من النوم".
وتظهر دراسة أن الأشخاص الذين يعانون من السكري أو الذين لديهم استعداد للإصابة به يكون لديهم تركيز ذهني أفضل عندما يتناولون وجبة إفطار تحتوي على نسبة منخفضة من الكربوهيدرات، مثل الحبوب المسلوقة، والتي يمكن أن تتكسر ببطء وتسبب زيادة تدريجية في مستويات سكر الدم.
يبدأ كل جسم يومه بطريقة مختلفة، وهذه الفروق الفردية، وخاصة تلك المتعلقة بوظيفة الجلوكوز في الدم، تحتاج إلى مزيد من الدراسة عن كثب.
وتكمن النصيحة الرئيسية في النهاية في عدم المبالغة في التركيز على وجبة واحدة فقط في اليوم، ولكن على كيفية تناول الطعام على مدار اليوم.
وكما تقول سارة إلدر اختصاصية التغذية: "يعد الإفطار المتوازن مفيدا جدا، لكن تناول وجبات منتظمة على مدار اليوم هو أمر أكثر أهمية لاستقرار مستويات السكر في الدم طوال اليوم، وهو ما يساعد في التحكم في الوزن ومستويات الجوع أيضا".
وتتابع: "ليس الإفطار هو الوجبة الوحيدة التي ينبغي الاهتمام بها وأن نحصل عليها بالشكل الصحيح".
فيديو قد يعجبك: