ورقة ضغط.. هل ستُعاد جثّة يحيى السنوار إلى غزة؟
السنوار
بي بي سي
مع سير عمليّة تبادر الأسرى بين حماس وإسرائيل، وفي خضم النقاشات والتعليقات حول مسارها، برز الحديث عن مصير جثة قائد حركة حماس السابق، يحيى السنوار.
وكانت قناة "العربية" السعودية قد نقلت عن "مصادر قريبة من سير العملية التفاوضية" أن حماس سعت للتفاوض على جثة السنوار للحصول عليها في المرحلة الأولية من الاتفاق. وبحسب ما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية، فإن مسعى حماس قوبل بـ"رفض إسرائيلي قاطع"، علمًا أن إسرائيل وحماس لم تعلّقا رسميًا حتى الآن على هذا الموضوع.
فما المتوقع بخصوص إمكانية استعادة جثة السنوار من قبل حركة حماس مع دخول الهدنة بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ؟ وهل من المحتمل أن يتحقق ذلك في المستقبل القريب أو البعيد، أم أنه أمر غير قابل للتحقق؟
"صاحب قرار"
قاد يحيى إبراهيم حسن السنوار حركة حماس بعد تنقله بين عدة أدوار داخلها.
اعتُقل عدة مرات وكان نزيلًا سابقًا في سجون إسرائيل لفترة تجاوزت 20 عامًا، ثم كان واحدًا من أكثر من ألف سجين فلسطيني أُطلق سراحهم في صفقة تبادل مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011.
بعد خروجه من السجن، تولى السنوار مسؤوليات متعددة في أجهزة حماس بشكل تدريجي، حتى انتخب قائدًا عامًا للحركة في غزة عام 2017، ثم جددت ولايته لفترة ثانية عام 2021. وفي أغسطس 2024، أصبح رئيسًا لمكتبها السياسي بعد أيام من اغتيال سلفه إسماعيل هنية في طهران أثناء الحرب في غزة.
تقول إسرائيل إن السنوار هو صاحب قرار إطلاق عملية الهجوم التي قادتها حماس في السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل.
هجوم حماس تسبب في مقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل بحسب البيانات الرسمية واختطاف 251 أسيرًا، قبل أن تقوم إسرائيل بشن حرب في غزة استمرت لأكثر من عام وتسببت في مقتل أكثر من 48 ألفا، بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس.
وعقب هجوم السابع من أكتوبر، أدرج اسمه مع محمد الضيف ومروان عيسى، القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري لحماس ونائبه، على قائمة "الإرهابيين الدوليين" من قبل الاتحاد الأوروبي. وقبل ذلك التاريخ، كانت الولايات المتحدة وإسرائيل قد وضعته في دائرة المطلوبين.
شهدت حرب غزة مقتل قادة بارزين، وصفوا بـ "مهندسي عملية طوفان الأقصى"، مثل الضيف ومروان عيسى.
وفي أكتوبر 2024، وبعد مرور عام وعشرة أيام على الذكرى الأولى لهجوم السابع من أكتوبر، استشهد السنوار. ويعتقد البعض بقوة أن مقتله كان مجرد صدفة.
شكل مقتل السنوار ضربة قوية لحركة حماس، التي نعته رسميًا بعد ساعات من تأكيد الجانب الإسرائيلي إحرازه "إنجازًا عسكريًا ومعنويًا كبيرًا". وخرج نائبه خليل الحية ليقرأ بيانًا يرثي فيه السنوار، متعهدًا باستكمال القتال قائلًا: "مقتل السنوار لن يزيد حركتنا ومقاومتنا إلا قوة وصلابة".
"ليست النقطة الجوهرية"
استشهد عددٌ من كبار قادة حماس خلال حرب غزة، وبعض الضربات استهدفتهم وهم خارج الحدود، مثلما حدث مع صالح العاروري الذي تم اغتياله في قصف في الضاحية الجنوبية لبيروت.
أما السنوار، فاستشهد وهو في أرض المعركة، وسُحبت جثته من مسرح العمليات بعد تبادل لإطلاق النار مع قوة من الجيش الإسرائيلي كانت تقوم بدورية روتينية، داهمت مبنى في جنوب قطاع غزة للاشتباه في "وجود مسلحين فيه".
لم تعلم القوة في خضم الاشتباك أن السنوار كان أحد المسلحين داخل المبنى الذي أغاروا عليه للاشتباه بوجود "مسلحين بداخله".
في المشهد التالي، تم التعرف المبدئي على الجثة بعد مسح الموقع، ثم نقلت للفحص الجنائي حيث تم التأكد من اغتيال السنوار، حسبما أُعلن.
اختلفت زوايا الرؤية للطريقة التي قضى بها السنوار، وكانت هناك تأويلات متضاربة؛ فسردية حماس روجت لفكرة أنه "ظل مشتبكا حتى أخر لحظة في حياته"، أما في السردية الإسرائيلية، فصُور مقتله على أنه "انتصار للعالم الحر".
حاولنا التواصل مع حركة حماس للتعليق على التقارير التي تحدثت عن أن استعادة جثة السنوار كانت جزءًا من المفاوضات مع إسرائيل، ولم نحصل على تعليق منها حتى الآن.
لكن الباحث الفلسطيني مأمون أبو عامر من إسطنبول، قال لبي بي سي: "ورد الحديث عن جثة السنوار في المرحلة الأولى من مفاوضات الهدنة، لكن كان هناك ممانعة إسرائيلية ربما بسبب مكانة الشخصية وموضعها القيادي، أو لاعتبارات سياسية أخرى تتعلق بفكرة أن الصفقة كانت في مرحلة متقدمة، وأن إسرائيل على الأغلب رأت أن قبولها بتسليم الجثة ليس في صالحها في ذلك التوقيت، فرفضت ذلك حتى لا يُعتبر تنازلًا لصالح حماس".
وشدد أبو عامر على أن حماس لم تطلب جثمان السنوار بشكل خاص مثل جثث باقي شهداء الحركة، فحماس "تريد إكرامهم جميعا بدفنهم وفقًا للشريعة الإسلامية، لا أكثر ولا أقل، لكن تسليم جثة السنوار لا يمثل نقطة جوهرية ولن يدخل ضمن بنود الاتفاق الأساسية، ولن يعيق وقف إطلاق النار أو يؤثر على سير المفاوضات".
ويفسر أبو عامر الأمر بالقول: "لا يهم أين توجد رفاتهم (شهداء حماس)، أينما دُفنوا، فهم مدفونون وتُقام لهم مجالس عزاء رمزية". ورغم ذلك، لا ينفي أبو عامر احتمالية معاودة حماس طلب جثة السنوار مستقبلًا.
غير أنه استبعد أن تلبي إسرائيل مطلب حماس في الوقت الحاضر، وتابع قائلًا: "قد يتأخر هذا التسليم، وأتوقع أن يتحدد مصير الجثة حسب الظروف والشروط التي قد تظهر مع تطور الاتفاق الحالي حول غزة ومراحله".
"ورقة ضغط بالغة الأهمية"
في المقابل، قال مائير كوهين، وهو دبلوماسي إسرائيلي سابق، في حديث لبي بي سي عربي: "لا أعرف تحديدا طبيعة الصفقة التي قد يتم بها مقايضة جثة السنوار. قد يتم ذلك في عملية بطيئة، وقد لا يحدث الأمر أبدًا. سيتوقف ذلك على الاعتبارات المناسبة حسب طبيعة كل مرحلة".
واستطرد قائلًا: "لا نفكر بمحو ذكر السنوار فحسب، بل حماس بأكملها، هي ساومتنا على أسرىنا واحتجزت جثثًا لنا مرات عدة لسنوات، وهذه أحد تقاليدها".
وأضاف أن إسرائيل "لم تتمكن من استعادة رفات الرقيب أورون شاؤول بعد احتجازه في قطاع غزة في عام 2014 إلا في عام 2025، وتم تحقيق ذلك من خلال عملية سرية خاصة لكل من الجيش والشاباك (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي)".
وأكمل قائلًا: "هناك منذ ذلك الحين جثة أخرى للملازم هدار جولدن، لم يتم استرجاعها من غزة منذ أكثر من عقد من الزمن، وتواصل إسرائيل العمل على استرجاعها".
وعن كيف ومتى قد تستعمل إسرائيل جثة السنوار، أجاب السيد كوهين: "ليس هناك من معلومات أكيدة حول ذلك، إلا أن بعض التقارير تحدثت عن أن إسرائيل ربما لن تسلمها قبل ضمان الحصول - في أقل تقدير - بالمقابل على جثة هدار غولدن، وفتح ملف كل من الإسرائيلي من أصول إثيوبية أبراهام منغستو، ومن البدو العرب هشام السيد، اللذين تم توقيفهما في غزة في عامي 2014 و2015 على التوالي".
ولا يعرف الكثير عن هشام السيد سوى أنه ينحدر من بدو النقب.
وعن الملازم غولدن، فعلق والداه الأكاديميان عبر منصة إكس على صفقات المقايضة التي يجري تنفيذها هذه الفترة وكتبا "أنه تم إهمال هدار مرة أخرى". وفي حين يؤكد الجانب الإسرائيلي "مقتله قبل أخذ جثمانه" من قبل مقاومي حماس، أصرت الحركة الفلسطينية سابقا على أنه فُقد وأنه ما من معلومات لديها بشأنه، وذلك قبل أن تعرض ذراعها العسكرية، كتائب القسام، صورته في 2023 في خضم حرب غزة مع جنود آخرين أسرى لديها منذ 2014 كان بينهم شاؤول بالإضافة إلى كل من أبراهام منغستو وهشام السيد، رافضة الكشف عن أي تفاصيل تتعلق بهم دون "استحقاقات وأثمان واضحة".
وبشأن التعامل مع الجثامين التي يتم التحفظ عليها من قبل إسرائيل بعد انتشالها من المعارك، أجاب كوهين بأنه "لا يتم عادةً الإعلان عن تفاصيل بشأن ذلك، لكنه يرجح أنه يتم مواراتها في مكان لا يُعلن عنه، حيث تحظى بدفن سري، مشيرًا إلى أن الحفاظ على جثمان السنوار تحديدًا هو بلا شك ورقة ضغط بالغة الأهمية".
ويعتقد كوهين أن حسابات حماس لإعادة جثة السنوار "لا تتسق بالضرورة مع الحسابات في الشارع الفلسطيني"، الذي يعتقد أنه "لن يكترث لذلك". وتساءل: "إلى ماذا يرمز السنوار تحديدًا؟ وما الذي استفاده شعبه منه طوال الأشهر الماضية؟" في إشارة إلى المواجهات التي اندلعت في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.
النعوش.. أوراق مساومة
في حربهما الأخيرة في غزة وفي الصراعات السابقة، تبنى الجانبان، إسرائيل وحماس، سياسة الاحتفاظ بما سَمَّيَاهَا "جثث الأعداء".
وتوجه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عناية بالغة لإعادة جميع مفقوديها أو استرداد جثث من قتلوا، وتبذل جهدًا كبيرًا في هذا السياق لمنحهم إجراءات دفن لائقة أو ما يسمى "كڤود هاميت" (إكرام الميت) لأسباب عقائدية.
كذلك اهتمت إسرائيل بدورها بجمع جثث الفلسطينيين؛ لاسيما تلك التي تخص أشخاصًا لديهم قيمة معنوية لدى حماس، تمامًا كما حدث مع السنوار، انطلاقًا من تصاعد الاعتماد على منطق المقايضة خلال الصراعات. ورفض الجيشُ الإسرائيلي تقديم تفاصيل لوسائل الإعلام الداخلية عن مكان الاحتفاظ بالجثة وإمكانية إعادتها من عدمه.
المراسلة السياسية والدبلوماسية لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، طال شنايدر، قالت لبي بي سي عربي إن الإعلام الإسرائيلي لا يسلط الضوء على مصير جثة السنوار ولا تُعقد حلقات النقاش حولها، موضحة أن شغل الإسرائيليين الشاغل حاليا لدى جميع القطاعات هو "أن نعيد هذا العدد من أسرىنا المختطفين في غزة منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر2023، ويفترض أنهم لا يزالون على قيد الحياة"، واصفة الموقف بـ "الأزمة غير المسبوقة".
وتابعت أن هناك معلومات تقديرية أولية من الجيش الإسرائيلي عن مقتل 35 من هؤلاء خلال خمسة عشر شهرًا من الحرب في غزة وأن جثثهم بحوزة حماس.
وتابعت أنه من الصعب التنبؤ بمصير جثة السنوار قبل البت بمصير الجثث الإسرائيلية العالقة في غزة، ولكنها استبعدت أن تحظى خطوة تسليم رفات السنوار - حتى إن قبلت بها الحكومة - بتأييد شعبي يذكر.
وعما قد تقدمه إسرائيل في حال تعذر عليها تسليم جثة السنوار مقابل ما ستحصل عليه في مناقشات المرحلة الثالثة من الهدنة، أجابت شنايدر: "يمكن تعويض ذلك بأمور أخرى، لاسيما على صعيد إعادة الإعمار".
ويُقال إن إسرائيل تصرفت خلال الحرب لاستعادة موتاها بنفسها.
فوفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز"، هناك صورٌ ولقطات ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية زُعم أنها تظهر نبش إسرائيل أرض غزة بما في ذلك بعض المقابر بحثًا عن جثث قتلاها. وتقول الصحيفة الأمريكية إن الجيش الإسرائيلي لم يستجب لطلبها للتعليق.
وتحدثت بي بي سي مع عصام عاروري، مدير مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان الذي يتابع ملف استعادة جثث القتلى الفلسطينيين.
ويحيي الفلسطينيون "اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة والكشف عن مصير المفقودين" يوم 27 أغسطس من كل عام.
وبحسب ما قاله عاروري لنا بهذا الخصوص، فقد رفع المركز دعاوى قضائية متعددة سعيًا للإفراج عن جثامين لضحايا غالبيتهم من الفلسطينيين "بمجرد تلقي تفويض قانوني من عائلاتهم بذلك".
وأضاف: "الحالات التي تعاملنا معها كانت لفئات متنوعة. كان بعضهم من المدنيين، وبعضهم الآخر من المسلحين أو الانتحاريين. وكانت هناك جثث تعود لفلسطينيين من الضفة وآخرين من قطاع غزة أو من الداخل الإسرائيلي، أو حتى لمن سقطوا في اشتباكات في الخارج أو عبر الحدود وترغب الأسر في استرداد جثث أبنائها".
ونجحت المجموعة "مرات عدة قبل الحرب في غزة، في الإفراج بموجب إجراءات قضائية عن أكثر من 700 جثة من مقابر الأرقام، وهي مواقع لقبور بسيطة بمناطق عسكرية إسرائيلية تحفر بعمق سطحي، لا أسماء عليها، بل فقط أرقام، حتى لا يميز أحد هوية الجثث، إلا بالعودة للملفات الإسرائيلية"، بحسب العاروري.
وعلّق على ذلك بأنه "مهين"، وأردف قائلًا: "كأنّ الراقد بها مجرد رقم بالرغم من أن منظور الشريعة اليهودية هو الأكثر تشددًا من حيث الحفاظ على الجسد وقداسة دفنه".
وأضاف: "بدأنا عملنا لاسترداد جثامين الفلسطينيين من إسرائيل في 2008، وكانت المجموعة تتبع كل حالة بشكل فردي، رغم طول المداولات لسنوات بالمحاكم الإسرائيلية. ثم تعقدت الأمور أكثر لأن المحكمة العليا الإسرائيلية أجازت في 2018 التعديل رقم 3 على قانون مكافحة الإرهاب الذي يخول حجب جثث ورفات الفلسطينيين المتوفين وفرض قيود على جنازاتهم".
الحرب وبروتوكولاتها
لا تزال الأسئلة قائمة بشأن مكان جثة السنوار ومصيرها، وكذلك مصير جثث الإسرائيليين الآخرين.
تنص فقرات اتفاقية جنيف لعام 1949، وهي معاهدة دولية لتنظيم الحرب، على أنه في حالات النزاع المسلح أو الاحتلال، يجب اتخاذ "جميع التدابير الممكنة" لجمع جثث القتلى من ميدان المعركة ودفنها حالما يكون ذلك ممكنًا. كما يجب التعامل مع الجثة بما يتماشى مع عقيدة صاحبها.
وتحظر الاتفاقية المعاملة اللاإنسانية للجثث، وتشدد على ضرورة احترام الموتى ومنحهم دفنًا كريمًا، وأن يتم وضع علامات على مواقع القبور لتسهيل التعرف عليها والوصول إليها وحمايتها من أي عبث أو تنكيل.
علاوة على ذلك، يجب تسهيل إعادة أي جثة أو رفات إلى ذويها، بالإضافة إلى متعلقاتها، حالما كان ذلك ممكنًا.
فيديو قد يعجبك: