كيف تجعل لحياتك معنى؟ دروس من حياة الصحفي جيمس فولي
بي بي سي- ديفيد جي آلان:
كتب المؤلف روبرت بايرن ذات مرة يقول: ''إن الهدف من الحياة هو أن تعيش حياة ذات هدف''.
إذا كنت محظوظا بما يكفي لتجد هدفك في الحياة، وشجاعا بما يكفي لخوض المخاطر من أجله، ويقودك حظك العاثر إلى أن تفقد حياتك من أجله أيضا - كما حدث مع المراسل الصحفي جيمس فولي وهو ينقل أحداث الصراع في ليبيا والشرق الأوسط - فسوف يكون لموتك مغزى.
هذا أقرب وصف توصلت إليه لاستخلاص الحكمة من ذلك الموت المروع لأحد أصدقائي القدامى في الفترة الأخيرة، الصحفي جيمس فولي.
كنت أنا وجيمس- الصحفي الذي أعدمه مسلحو تنظيم داعش في سوريا مؤخرا- في نفس المجموعة الصغيرة من المعلمين الجدد الذين أرسلنا بعد الانتهاء من دراستنا الجامعية للتدريس في الأحياء الفقيرة بمدينة فونكس في ولاية أريزونا، في إطار برنامج أمريكي للخدمة العامة في مجال التعليم.
لقد كانت مهمة صعبة لم نكن مدربين للقيام بها بشكل كاف، وكانت مجموعتنا الجادة المكونة من نحو 30 شخصا كأسرة واحدة مترابطة، وكنا نتواصل على المستوى الاجتماعي ونتعاطف معا. كل ما أذكره عن جيمس في ذلك الوقت هو أنه كان أقل شخص بيننا يمكن أن تصيبه مشاكل العمل بالإحباط، وكان أكثرنا تمتعا بروح الدعابة في مواجهة تلك المشاكل.
مساعدة الآخرين
وبعد العمل في مجال التدريس، مضت بنا الحياة لنصبح صحفيين مهنيين، لكن عملنا كان متباينا، فقد سلكت طريقا سهلا في تأليف الكتب في مجال الإرشاد السياحي والسفر، وسعيت وراء العمل في المواقع الإلكترونية في سان فرانسيسكو، وسافرت كثيرا، وتزوجت وكونت أسرة، واستقرت أموري.
أما جيمس فقد ظل يكرس حياته لمساعدة الآخرين، إذ قام بتدريس القراءة والكتابة أيضا لنزلاء أحد السجون في شيكاغو، وعمل في برنامج لرعاية الشباب الذين تحدق بهم المخاطر. ثم درس الصحافة بعد ذلك في مدرسة عليا للصحافة، وهو ما ألهمه لكي يصبح صحفيا شجاعا يتقدم الصفوف الأمامية.
أرسل جيمس تقاريره من أماكن يصعب على الصحفيين العمل فيها، مثل أفغانستان، والعراق، وليبيا، وسوريا، وكان يشعرنا بأن هناك غرضا للحياة، وكان يجسد الأشخاص الذين يعملون بسبب إيمانهم بقضاياهم. لقد كان عمله رسالة وليس مجرد مهنة.
لم أكن قد تحدثت إلى جيمس منذ أكثر من عشر سنوات عندما سمعت من خلال أصدقاء مشتركين أنه أختطف في ليبيا عام 2011، وحضرت تجمعا لحشد الدعم له في مدينة نيويورك، وقد تحدث فيه أفراد عائلته وأصدقاؤه المقربون بقلوب حزينة لكن بروح متفائلة أيضا، عن حبهم لجيمس وثقتهم بأنه سيعود سالما.
ولم يمض وقت طويل بعد تلك الليلة حتى تحققت آمالنا وأستجيبت صلواتنا بالإفراج عنه.
''هذا عملهم''
عاد جيمس إلى ليبيا مرة أخرى، وكان حاضرا وقت القبض على معمر القذافي، وبعد ذلك بعام توجه إلى سوريا ليغطي الحرب الأهلية المتفاقمة هناك، حيث أختطف مرة أخرى ولم تعلن أي جهة عن اختطافه، واستمر في الأسر قرابة عامين حتى أعلن عن مقتله في الأيام الأخيرة.
وليس بوسع الكثيرين فهم حقيقة حياته في الأسر، وكيف كان يعيش هناك، لكننا نعلم من أول مرة أختطف فيها أن عقيدته الكاثوليكية كانت مصدرا هائلا لقوة التحمل والصبر على البلاء بالنسبة له.
ولكن ما الذي دفعه لتكريس حياته المهنية بأسرها لمساعدة الآخرين، وإرسال تقارير من أكثر المناطق اضطرابا في العالم؟ في تصريح للصحافة بعد مقتله، اقتبس جون، والد جيمس، من جويل سايمون، المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين، قوله: ''لماذا يعود عمال الإطفاء إلى مكافحة الحريق، ومواجهة لهيب المنازل المحترقة؟ الإجابة هي لأن هذا عملهم.''
بعد أسبوعين من الإفراج عنه في ليبيا تحدث جيمس إلى طلبة مدرسة نورثوسترن ميديل للصحافة، وهي المدرسة الأم التي تخرج فيها وشرح للطلبة السبب في ضرورة تغطية هذه الأحداث الصعبة، وما يجذبه إلى تغطية الصراعات المسلحة، وكان صريحا جدا في ما يتعلق بالمخاطر التي تنطوي عليها هذه المهنة.
مصدر إلهام
وقد تحدث في هذه المقابلة كذلك عن الدافع وراء اختيار هذه المهنة الثانية، وقال إنه تأثر بشكل خاص ببرنامج دراسي عن صحافة النزاعات، وقال للطلاب: ''إن الشيء الرائع بالنسبة لأي فصل دراسي هو القدرة على العثور على شخص يكون مصدر إلهام لك.''
هذا الدافع جعلني أفكر في تجربتنا الخاصة بالتدريس في مدينة فونيكس، حيث كان الهدف المشترك لمجموعتنا هو بث روح الإلهام والحماسة في نفوس طلابنا. وهذا ذكرني بأحد أساتذتي، وهو الكاتب الصحفي السابق في صحيفة واشنطن بوست، كولمان ماكارثي، الذي حثني على تقديم طلب للمشاركة في برنامج الخدمة العامة للتعليم، إذ قال لي: ''ديفيد، عليك رد الجميل بالعطاء.'' وبفضل كولمان التقيت بجيمس الذي أصبح مصدرا للإلهام بالنسبة لي.
لكن ما الذي ألهمني جيمس للقيام به؟ لست متأكدا بعد، لكن ربما ألهمني لأكون أكثر شجاعة، أو أن اتخذ موقفاً مباشرا من القضايا التي لدي مشاعر قوية تجاهها.
ومن المؤكد أنه ألهمني أن أقدر حياتي بشكل أكثر جدية، وأقدر الأشخاص الموجودين فيها. الآن أشعر أنني ممتن بشكل خاص لوجود جيمس في حياتي. تلك الهبة تثير مثل هذه الأسئلة المهمة، وتجعلها في بؤرة الاهتمام، وسوف تستمر قصة جيمس التي حظيت بتغطية إخبارية عالمية في إلهام الآخرين ليسلكوا طريقه، وليتركوا أثرا إيجابيا في ذلك العالم، وهو أفضل ميراث يمكن أن نكرم به جيمس.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: