صفحة جديدة مع الله فى الايام العشر
كتبت – سارة عبد الخالق –
{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} – (سورة ق الآيات 31: 33).
جاء في تفسير السعدي المعنى التالي: وقُرِّبت الجنة للمتقين مكاناً غير بعيد منهم، فهم يشاهدونها زيادة في المسرة لهم، يقال لهم: هذا الذي كنتم توعدون به - أيها المتقون - لكل تائب من ذنوبه، حافظ لكل ما قربه إلى ربه، من الفرائض والطاعات، من خاف الله في الدنيا ولقيه يوم القيامة بقلب تائب من ذنوبه.
يمر شهر رمضان المبارك سريعاً وما فيه من طاعات وعبادات، ومن ثم يعود كل فرد من جديد إلى روتينه اليومي، ويبدأ يتكاسل ويتكاسل في حق الله، ولكن المولى - عز وجل - يمن علينا بفضله وكرمه، ويهيأ لنا أياماً جديدة للعودة إليه من جديد.. فاستبشر !
عشرة أيام يحب الله العمل الصالح فيها.. نعم عشرة أيام هي العشر الأول من ذي الحجة .. عليك أن تغتنمها وتعود فيها إلى الله وتتوب توبة نصوحة..
فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" يعني: أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشىء)) – رواه البخاري .
فكما جاء في كتاب (شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين) للإمام النووي، وشرحه وآملاه الشيخ محمد بن صالح العثيمين – الجزء الثالث - من باب فضل الصوم وغيره في العشر الأول من ذي الحجة: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" يعني أيام العشر. وقوله" "العمل الصالح" يشمل الصلاة والصدقة والصيام والذكر والتكبير وقراءة القرآن وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الخلق وحسن الجوار، وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
ولكن ماذا سنفعل في هذه الأيام حتى لا تضيع علينا ونفوت على أنفسنا فرصة عظيمة كهذه؟!
أولاً: استحضر نيتك وتب إلى الله توبة نصوحة
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} – (سورة التحريم: آية 8).
فكر معي عزيزي القارئ في هذه النعمة العظيمة إذ يكفر عنك الله – عز وجل - سيئاتك ويدخلك جنات تجري من تحتها الأنهار بمجرد أن تتوب إليه توبة نصوحة، فهل مازالت عازم على تكرار معصيتك ؟!
ثانياً: عليك بالصيام
روى الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ الله بَعَّدَ الله وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) - متفق عليه.
فتخيل معي كم سيباعد عنك الله النار إذا حرصت على صيام هذه الأيام المباركة، فاليوم الواحد يعادل بعد عن النار بمقدار 70 سنة فما بالك بتسعة أيام صيام، - لأن اليوم العاشر هو يوم النحر وأول أيام عيد الأضحى المبارك - ؟!
ثالثاً: اجعل لك ورد يومي من القرآن
حاول جاهداً على ختمه خلال أيام ذي الحجة. فعن أبي أمامة - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) – رواه مسلم.
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول : "آلـــم" حرف ، ولكن: ألف حرف، ولام: حرف: وميم: حرف) – رواه الترمذي .
فأنهض من كسلك وأمسك مصحفك وأقرأ وردك من القرآن، هل تريد أن يأتي لك القرآن شفيعاً لك يوم القيامة أم لا؟!، وهل تريد أن تتضاعف حسناتك أم لا؟!
رابعاً: التكبير والتهليل والتحميد
فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )- رواه أحمد .
فاغتنم هذه الفرصة العظيمة التي أهداها الله إليك وأكثر من قول (لا إله إلا الله) و(الله أكبر) و(الحمد لله)، ولا تنسى فضل الباقيات الصالحات وهي (سبحان الله) و(الحمد لله) و(لا إله إلا الله) و(الله أكبر)، يقول الله تعالى في سورة الكهف: آية 46: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}.
واعلم أن قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) كنز من كنوز الجنة ، فعن أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة - أو قال - على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت : بلى. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله) - صحيح مسلم.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من قال في يوم وليلة سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر) - رواه البخاري ومسلم .
خامساً:صلة الرحم وبر الوالدين
قال الله تعالى في (سورة النساء: آية 36 ) : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: {الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله} – متفق عليه.
قم واعمل على إرضاء والديك واسع إلى إدخال البهجة والسرور على قلوبهم في هذه الأيام العظيمة، وإذا كنت فقدت احدهما فليرحمه الله وأدعو له بالمغفرة واخرج صدقة عنه وبهذا تكون قمت ببر والديك حتى بعد وفاتهم، وحاول جاهداً أن تصل رحمك حتى ولو خصصت يومياً لإحدى أقاربك بالسؤال عنه عن طريق الهاتف، فهل بر والديك وصلة الرحم وما يعود عليك من الأجر لا يستحق المحاولة في هذه الأيام المباركة؟
سادساً:الصدقة
يقول المولى – عز وجل – في (سورة سبأ: آية 39): {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول لله – صلى الله عليه وسلم – قال: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل) – رواه مسلم.
فهيا تصدق ولو بالقليل حتى يبسط الله رزقك ويزيد مالك، واعلم أن تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، هل ستتصدق لوجه الله تعالى وتنصح غيرك بالصدقة أم لا؟!
إن أبواب الخير والثواب كثيرة، ما عليك فقط أن تسعى وتعمل جاهداً للتقرب من الله، وأبدأ من جديد فالله يحب الأوابين التائبين، ولتكن أيام ذي الحجة بداية انطلاق لك.. يقول الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} – (سورة الأنعام : آية 160)...
فهل ستبدأ صفحة جديدة مع الله؟! ..
فيديو قد يعجبك: