أقل من النصف.. كيف تأثرت صناعة فوانيس رمضان بالتضخم؟
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
- مارينا ميلاد:
يقف "عُرابي" حائرًا أمام عشرات الفوانيس الملونة المتراصة داخل أحد الأسواق. لا بسبب أشكالها وأحجامها المختلفة، إنما بسبب أسعارها التي زادت مرة أخرى هذا العام.
في لحظة ما، لم يعد أمر شراء فانوس هينًا بالنسبة له كما كان سابقًا. فالرجل لديه 3 بنات يريد أن يشتري لجميعهن، وهو ما سيكلفه أكثر مما تحتمل ميزانيته!
لقد طرأ تغيير جلي على المشهد السنوي الملازم لقدوم شهر رمضان في مصر، حيث تبدو الأسواق ممتلئة حول "عُرابي" بالفوانيس، لكن الحقيقة أن الإنتاج المحلي انخفض بأكثر من 50%، حسبما أعلن بركات صفا، نائب رئيس شعبة الأدوات المكتبية وألعاب الأطفال بالغرفة التجارية.
يتزامن ذلك مع الارتفاع الحاد في الأسعار وتجاوز معدلات التضخم الـ30%. بعدما انخفضت قيمة الجنيه المصري أكثر من مرة أمام العملات الأجنبية منذ العام الماضي.
صار الفانوس بالنسبة لعرابي عبد الجواد عبئًا يضاف لنفقات بيته الأساسية، التي بالكاد يوفيها من راتبه كعامل بإحدى الشركات الخاصة، الذي لم يتعد الحد الأدنى للأجور. لكن الفانوس ليس من الكماليات في وجهة نظر بناته اللاتي تتراوح أعمارهن من 4 سنوات وحتى 14 سنة. فيقول: "تتلهفن عليه كل عام، وهو بالنسبة لهن فرحة رمضان".
تشكل تلك الفوانيس الزجاجية والخشبية والأخرى المصنوعة من صفائح النحاس أساسًا لمشهد مصري معتاد في رمضان، بدأ منذ عهد الفاطميين، عندما تحول الفانوس من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلاً إلى وظيفة أخرى ترفيهية. فتخصصت مناطق مثل تحت الربع القريبة من حي الأزهر، والغورية، وبركة الفيل بالسيدة زينب في صناعة الفوانيس.
يملك كريم خلف ورشة لتصنيع الفوانيس في واحدة من هذه المناطق، ورثها عن جده وأبيه من بعده. كانت تلك الورشة تعمل في صناعة الفوانيس الورق والخشب قبل أن تتحول إلى صناعتها من قماش الخيامية.
ورغم أن أغلب مكونات هذا النوع من الخامات المحلية باستثناء الشمع المستورد، إلا أن تكلفة تصنيعه ارتفعت نحو 45%، وفقا لـ"كريم"، الذي يوضح أن الفانوس الصغير (25 سم) يُباع هذا العام بـ35 جنيهًا بدلا من 25 في العام الفائت.
خلال الأشهر الماضية، حاول "كريم" تدبير أمره ليكون جاهزًا للموسم الرمضاني الأكثر ربحًا بالنسبة له عن بقية السنة، التي يعمل فيها بصناعة المفروشات من الخيامية. لكن اضطرته الأزمة الإقتصادية إلى إغلاق محله والاكتفاء بتلك الورشة لتوفير مصاريف الإيجار والعمالة.
وفي الأيام القلائل السابقة لرمضان، يرى "كريم" أن الطلب لم يتأثر، فيقول: "الناس ستظل تشتري الفانوس على أي حال، لكنهم اتجهوا إلى المصري بعد ارتفاع سعر المستورد".
وقبل عام واحد، أعلنت شعبة الأدوات المكتبية ولعب الأطفال باتحاد الغرف التجارية تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من صناعة الفوانيس. جاء ذلك بعد 7 سنوات من حظر وزارة التجارة والصناعة استيراد الفانوس توفيرا للعملة الصعبة، بعدما بلغت فاتورة استيرادها نحو 10 ملايين دولار.
ورغم اختفاء الفوانيس الصينية من الأسواق إلى حد كبير بعد هذا القرار، ظل "الفانوس المستورد" يجد طريقه للسوق المصرية بطرق عدة. والسبب في رأي أشرف ياسين (صاحب أحد مصانع الفوانيس) "رغبة المشتري في شراء الشئ المستورد ظنًا منه أنه أفضل من المصري، ما يجعل البائع يعلي سعره كثيرًا".
أنشأ "ياسين" مصنعه قبل 5 سنوات لينتج نفس الأشكال المستوردة محليًا. إذ جاءته الفكرة بعدما قضى 16 عامًا في مجال التصدير من الصين إلى مصر، وأدرك أن صناعة الفوانيس واستغلال هذا الموسم سيكون اختيارًا صائبًا.
يقول "ياسين" إن تصميمه ومنتجه محليا، لكن أغلب خاماته مستوردة، لذا واجه أزمة كبيرة خلال الفترة الماضية لتوفيرها بعد أزمة الاستيراد نتيجة لارتفاع سعر الدولار.
وتضررت مصر من التداعيات العالمية للحرب الروسية الأوكرانية، وفرضت قواعد جديدة لاستيراد السلع، ما أدى إلى ارتباك تلك العملية بالنسبة للمستوردين وتكدس البضائع في الموانئ لعدم توافر العملة الأجنبية.
فأصبح سعر طن الصاج الذي يستخدمه "ياسين" في مصنعه 27 ألف جنيه ثم 48 ألف بعدما كان سعره 18 ألفا. رغم ذلك حاول ثبيت سعر بيعه الفوانيس للمحال لتتراوح بين 18 جنيها حتى 155 جنيها حسب الأحجام.
لكنه يقول "إنه اضطر لفعل ذلك ليبيع، وهذا بالكاد غطى تكلفة الإنتاج ولم يحقق له الربح المتوقع".
كانت الحكومة قدمت تسهيلات ومساعدات لبعض القطاعات الهامة لتسهيل وصول خاماتهم ومنتجاتهم المستوردة، إلا أن مجال لعب الأطفال ليس مدعوما من جانبها، كما يقول بركات صفا، مشيرًا إلى أن صناعة الفوانيس تعتمد على مستلزمات إنتاج مستوردة بنسبة نحو 80%.
دفعت تلك الظروف صانعي الفوانيس إلى تقليل إنتاجهم المطروح في السوق، فبعد أن بلغ العام الماضي 5 ملايين، وصل الآن إلى مليوني فانوس فقط، وفقا لـ"صفا"، الذي قال: "في هذا الموسم، كثرت الأشكال وقلت الأعداد".
لا يملك الرجل تقديرًا رسميا للعاملين في هذه الصناعة من ورش وأسر منتجة، لكنه يقول إن هناك نحو 10 مصانع تنتج الفوانيس بخامتها وأشكالها المختلفة، وجميعهم يعتمدون على هذا الموسم لتحقيق أرباح العام.
يتفق "صفا" مع فكرة أن الناس ستظل تشتري الفانوس رغم كل شيء، لكن عملية الشراء ستضعف على نحو آخر: "من كان يشتري خمسة فوانيس سيكتفي باثنين أو واحد، ومن يريد شراء فانوسًا كبيرًا سيفضل الصغير".
ربما كان عُرابي عبد الجواد واحدًا من هؤلاء الذين تحدث عنهم "صفا"، حيث اشترى العام الماضي فانوسين صغار لبناته الثلاثة، أما هذا العام، وبعدما فكر في الأمر طويلا، التقط فانوسًا واحدًا صغيرًا يبلغ سعره 40 جنيهًا.
يقول "عرابي"، وهو يمسك الفانوس الصغير: "هذا العام سنحتفظ به، ولن أجعلهن يفسدوه، لأني لا اعلم إذا كنت سأستطيع شراء غيره العام المقبل أم لا!".
اقرأ أيضًا:
فيديو قد يعجبك: