المجددون في الإسلام.. عمر بن عبدالعزيز الأموي الراشد والمجدد الأول
كتب – هاني ضوه :
في كل أمة من الأمم مجددون، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله سبحانه وتعالى "يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، والتاريخ والسير والتراجم تشهد بذلك، وعلى مدار أيام شهر رمضان المبارك يرصد مصراوي جانبا من السيرة الذاتية ونبذة عن أهم المجددين.
واليوم يقدم مصراوي نبذة تاريخية عن أول مجدد في الإسلام على رأس المائة الهجرية الأولى.. إنه الخليفة عمر بن عبدالعزيز، رحمه الله، الذي وصفوه بالخليفة الراشد لعدله وعلمه وتقواه وورعه وزهده، وما حدث في عهده من الأمور جعل العلماء يعبرونه المجدد الأول في الإسلام.
ولد عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه في حلوان بمصر عام 61 هجريًا، كان أبوه أميرًا عليها وأمه هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فهو حفيد لثاني الخلفاء الراشدين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان أسمر رقيق الوجه حسنه نحيف الجسم حسن اللحية، غائر العينين بوجهه أثر قديم لرفسة دابة.
نشأ عمر بن عبدالعزيز في نعيم وترف في كنف أبويه، وظهرت عليه علامات الورع والخوف من الله منذ أن كان طفلًا صغيرًا، ففي إحدى الأيام دخلت عليه أمه ووجدته يبكي، فقالت له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت الموت، فبكت أمه، وعلمت أن له شأنًا، فأوعزت لأبيه أن يعهد إليه برجل صالح يعلمه ويؤدبه، فدفعه أبوه إلى صالح بن كيسان يؤدبه، فأحسن تأديبه وتربيته، من ذلك أن عمرًا قد تأخر يومًا عن صلاة الجماعة، فقال له معلمه: ما شغلك؟ فقال عمر: 'كانت مرجِّلتي تسكن شعري'، فقال معلمه: 'قدمت ذلك على الصلاة؟' فما كان منه إلا أن حلق له رأسه بعد أن استأذن أباه.
وكبر عمر قليلًا حتى أصبح في سن الشباب وكان يسعى في طلب العلم، فتتلمذ على يد الفقيه الكبير عبيد الله بن عبد الله، ولازمه فترة من عمره ينهل من علمه وأدبه، ثم طلب من أبيه أن ينتقل إلى المدينة المنورة ليتعلم على فقهائها، فقال له عمر: "يا أبة! أو غير ذلك؛ لعله أن يكون أنفع لي ولك؟ قال: ما هو؟ قال: ترحلني إلى المدينة فأقعد إلى فقهائها وأتأدب بآدابهم".
فأرسله أبوه إلى المدينة، فلازم مشايخ قريش وابتعد عن مصاحبة شبابهم حتى ذاعت شهرته، وكان داخلاً المسجد النبوي ذات مرة، فقال رجل من القوم: "بعث الفاسق لنا بابنه هذا يتعلم الفرائض والسنن، ويزعم أنه لن يموت حتى يكون خليفة ويسير سيرة عمر بن الخطاب!' فقال راوي الخبر: "والله ما مات حتى رأينا ذلك فيه".
كان عمر بن عبد العزيز من العلماء المتفقهين، وله آراء عديدة مذكورة في كتب الفقه والتفسير والحديث، فمن فتاواه أن من سبَّ النبي يُقتل، وكذلك منع أهل الذمة من إدخال الخمور، ونهى عن النياحة والغناء، وغيرها من الآراء.
فقد كان رحمه الله مجتهدًا يواجه مشكلات عصره ومستجداته ويجتهد في وضع الحلول وبيان الأحكام الفقهية لها، ولعل ذلك لما درسه من مختلف علوم الدين من حديث وتفسير وفقه ونحو وبلاغة وسيرة وغيرها مما أهله ليكون مجتهدًا مجددًا.
وأول من وصف عمر بن عبدالعزيز بالمجدد هو الإمام محمد بن شهاب الزهري، ثم تبعه على ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال: يروى في الحديث «إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة أمر دينها، فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو «عمر بن عبد العزيز».
وعنه يقول الإمام ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية": «فقال جماعة من أهل العلم -منهم أحمد ابن حنبل فيما ذكره ابن الجوزي وغيره: أن عمر بن عبدالعزيز كان على رأس المائة أولى، وإن كان هو أولى من دخل في ذلك، وأحق لإمامته وعموم ولايته واجتهاده وقيامه في تنفيذ الحق، فقد كانت سيرته شبيهة بسيرة عمر بن الخطاب، وكان كثيرًا ما يتشبه به".
ومن التجديد في عصر عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه والتي كانت علامة فارق في تاريخ الأمة الإسلامية إلى يومنا هذا تدوين السنّة النبوية المطهرة؛ فبعد أن كان منهي عنها حتى لا يلبتس على المسلمين ما يقرؤون، فأمر عمر بن عبد العزيز بجمعها ووضعها في دفاتر مرتبة.
وذكر الإمام البخاري في صحيحه: "كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فاكتبه فإنّي خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلّا حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم".
توفي عمر بن عبدالعزيز بدير سمعان من أعمال حمص في آخر شهر رجب عام 101هـ وعمره تسع وثلاثون سنة وستة أشهر، وكانت وفاته مسمومًا، بعد أن قام بعض بنو أمية بتسميمه لأنه انتزع منهم الكثير مما اغتصبوه من أملاك وأموال فحقدوا عليه.
ولما احتضر عمر بن عبدالعزيز قال لمن حوله: اخرجوا عني، فلا يبقى عندي أحد، وكان عنده مسلمة بن عبدالملك قال: فخرجوا، فقعد على الباب هو وفاطمة، فسمعوه يقول: "مرحبًا بهذه الوجوه، ليست بوجوه انس ولا جان. ثم قرأ قول الله تعالى: (تلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، ثم هدأ الصوت فقال مسلمة لفاطمة: قد قبض صاحبك. فدخلوا فوجدوه قد أسلم الروح، رحمه الله.
فيديو قد يعجبك: