''العفن'' الأكسير السحري للشفاء
كتبت-جهاد التابعي:
هل حاولت أن تتخيل العالم قبل تاريخ 15 سبتمبر 1928؟ ربما تستطيع تخيل سطوة المرض في ذلك الحين إذا علمت أنه في ذلك التاريخ تم اكتشاف البنسلين لأول مرة، كانت حينها الكلمة العليا للبكتيريا، ولم يكن أمامها رادع يحمي المرضي من المضاعفات الخطيرة والموت،و ''البنسلين'' هو عَقّار هو أول مضاد حيوي استخدم لحماية الإنسان من الأمراض الخطيرة، وقد اكتشفه العالم البريطاني السير ألكسندر فليمنج، ومنذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضي أصبحت هناك عدة أشكال من هذا العقار متوفرة للاستخدام طبيًا، وللبنسلين دور كبير في علاج أمراض كثيرة مثل الالتهاب الرئوي، والحمى الروماتيزمية، والحمى القرمزية، وغيرها.
وتبدأ قصة اكتشاف البنسلين عندما التحق العالم الاسكتلندي ''فيلمنج'' بالجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى،بعد إنهاء دراسته بالطب، وكان مهتما بالجروح والعدوى، ولاحظ أن الكثير من المطهرات تؤذى خلايا الجسم أكثر مما تؤذيها الميكروبات نفسها، ولذلك أيقن فليمنج أن الذي تحتاج إليه هو مادة تقضى على البكتيريا، وفي نفس الوقت لا تؤذى خلايا الجسم.
وفي عام 1922م وبعد نهاية الحرب، ذهب فليمنج إلى معمله ليستكمل دراساته واهتدى إلى مادة أطلق عليها اسم ''ليسوزيم''، وهذه المادة التي يفرزها الجسم الإنساني هي خليط من اللعاب و الدموع، وهي لا تؤذى خلايا الجسم، وتقضى على بعض الميكروبات، و لكنها لا تقضى على الميكروبات الضارة بالإنسان، ولم يكن هذا الاكتشاف شيئا عظيما على الرغم من طرافته..أما الاكتشاف العظيم لفليمنج فقد حدث في عام 1928م، عندما تعرضت إحدى مزارع البكتيريا للهواء وتسممت، ولاحظ فليمنج أن البكتيريا تذوب حول الفطريات في المزرعة التي أعدها في المعمل، واستنتج من ذلك أن البكتيريا تفرز مادة حول الفطريات، وأن هذه المادة قاتلة للبكتيريا العنقودية، وليست سامة للإنسان أو الحيوان وأطلق عليها اسم ''البنسلين'' أي العقار المستخلص من العفونة.
وفي عام 1929م نشرت نتائج أبحاث فليمنج ولم تلفت النظر أول الأمر، رغم إعلانه أن هذا الاكتشاف من الممكن أن تكون له فوائد طبية خطيرة، ولم يستطع فليمنج أن يبتكر طريقة لاستخلاص هذه المادة أو تنقيتها، وظل هذا العقار السحري لمدة عشر سنوات دون أن يستفيد منه أحد.
وفي عام 1930م قرأ اثنان من الباحثين البريطانيين هما ''هوارد فلورى وأرنست تشين '' ما كتبه فليمنج عن اكتشافه الخطير، وأعاد الاثنان نفس التجارب و جربا هذه المادة على حيوانات المعمل، و في عام 1941م استخدما ''البنسلين'' على المرضى، وأثبتت تجاربهما أن هذا العقار الجديد في غاية الأهمية، وبمساعدة من حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا تسابقت الشركات الطبية على استخلاص مادة ''البنسلين'' بكميات كبيرة، وتوصلت هذه الشركات إلى طرق أسهل لاستخلاص المادة السحرية وإنتاجها وطرحها في الأسواق.
وكان أول إنسان يستخدم ''البنسلين'' هو رجل شرطة إنجليزي عام 1941م، وكان يعاني تسمُّمًا في الدم، ولكنه توفِّي لعدم وجود كميات كافية من العقار في ذلك الوقت، كما تم استخدامه في علاج جرحى الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1944م أصبح في متناول المدنيين في بريطانيا والولايات المتحدة، وعندما انتهت الحرب في عام 1945م أصبح ''البنسلين'' في خدمة الجميع.
وقد أدى اكتشاف ''البنسلين'' إلى استخدام الكثير من المضادات الحيوية واكتشاف عقاقير أخرى، ولا يزال ''البنسلين'' هو أكثر هذه العقاقير انتشارا حتى اليوم، وترجع أهميته في أنه ما زال يستخدم لأغراض طبية كثيرة، وفي علاج كثير من الأمراض مثل الزهري والسيلان والحمى القرمزية والدفتيريا والتهابات المفاصل والالتهاب الرئوي وتسمم الدم وأمراض العظام والسل و''الغرغرينة'' وغيرها.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: