لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ساعات بلا كهرباء.. كيف تكيّف المصريون مع خطة الحكومة لـ"تخفيف الأحمال"؟

11:20 م الأربعاء 10 يوليو 2024

السير وسط انقطاع الكهرباء - تصوير محمود بكار

- مارينا ميلاد:

حي الزيتون القاهرة – ترتفع الحرارة إلى حد لا يُحتمل، يشعر "أسامة" وأسرته بالاختناق نتيجة انقطاع الكهرباء، خاصة ابنه، طالب الثانوية العامة، الذي كان يرتاح قليلا بعد أدائه امتحان اللغة الأجنبية الثانية، ليبدأ مذاكرة المادة التالية، وهي الأصعب بالنسبة له.

يخرجون إلى الشرفة أملًا في التقاط نسمة هواء.. وأسفلها، كان والد "أسامة" يجلس تحت البناية، منتظرًا عودة الكهرباء، فلا سبيل لرجل مُسن مثله سوى الأسانسير للصعود للدور الثامن، حيث شقتهم.

ثلاث ساعات قضتها الأسرة على هذا الحال المسمى من جانب الحكومة بـ"فترة تخفيف الأحمال"، والتي طبقتها منذ الصيف الماضي، وسببها "زيادة معدل الاستهلاك". ومنذ ذلك الوقت، باتت الساعات المظلمة، التي تقل لساعة أو اثنتين في أفضل أحوالها، جزءًا من روتين أسرة "أسامة"، تُغير خطتهم، ويأخذون حَذرهم منها قدر الإمكان.

Image 1

الساعة الأولى

في اللحظة التي انقطعت فيها الكهرباء، أسرعت الأم "أماني" لفصل مفاتيح لوحة الكهرباء خشية أن تأتي قوية وتضرر بقية أجهزتها الكهربائية، بعد أن تلف جهاز "الديب فريزر" قبل أيام والذي سيكلفها إصلاحه 6 آلاف جنيه، غير ما خسرته من الأطعمة واللحم الموجود داخله.

تنقطع المياه بالتزامن مع انقطاع الكهرباء في بيت "أسامة"، فتتعطل زوجته عن استكمال تحضير الطعام في أغلب الأوقات رغم تخطيطها إنجازه قبل موعد تخفيف الأحمال.. تقول أماني فهمي (57 عامًا)، ولديها ثلاثة أولاد، "الوضع صار صعبًا ومرهقًا ومكلفًا أيضًا". فتضطر أحيانا لشراء طعام من الخارج لعدم قدرتهم على انتظار عودة الكهرباء والبدء في إعداد الغذاء. كما أنها فكرت في شراء جهاز تنظيم التيار، فوجدت أن سعره لا يقل عن 2000 جنيه. لكن شقيقتها "سوزان" التي تسكن على مقربة منها، اشترته لتتكيف مع الأمر، فتقول: "أسعار الأجهزة الكهربائية أصبح مبالغ فيها، فأتحمل ألفين جنيه الآن أفضل من دفع أضعافهم إن تلف أي جهاز".

ومنذ نحو عشر سنوات، لم تشهد أسرة "أسامة" ونحو 25 مليون أسرة مصرية أزمة كهرباء، إلى أن عادت إليهم في الصيف الماضي (يوليو 2023) حين أعلنت وزارة الكهرباء اضطرارها لـ"تخفيف الأحمال نتيجة زيادة الاستهلاك ونقص كميات الوقود اللازمة"، والتي وصفها محمد شاكر (وزير الكهرباء آنذاك)، بأنها "أزمة المؤقتة".

1

ذلك على الرغم أن مصر تملك شبكة كهربائية ضخمة قادرة على إنتاج طاقة كهربائية تفوق الاحتياج المحلي بفائض يتراوح بين 12 إلى 13 غيغاوات، بحسب وزارة الكهرباء، وترشيد الحكومة للكهرباء لتصدير الغاز للخارج ومن ثم زيادة حصيلة الدولة من النقد الأجنبي.

2

وقتها، كان "أسامة" على يقين أنها أزمة عابرة، لن يطول أمدها، فيقول: "سنتحمل الأزمة معًا وستمر". لكن مع الوقت، بات يتكيف معها، ويتابع مع أسرته جداول مواعيد انقطاع الكهرباء في كل منطقة ويبحثون عن منطقتهم التي تحدد لها – في البداية – ساعة واحدة.

هنا، حاولت أسرة "أسامة" ترتيب أمورها وفقا لتلك الساعة المزعجة، فيتجنبون ركوب المصاعد، تنجز الأم ما تريد من أعمال المنزل مبكرًا، ويقوم أبناؤه بشحن الهواتف وفصل بعض الأجهزة.. تصف الأم حالهم قائلة: "أصبحنا مثل الروبوت الذي يركض في كل مكان ليقوم بنفس الأفعال كل يوم".

وفي كثير من الأحيان، كان يعقب تلك الساعة انقطاع آخر بشكل غير متوقع في منتصف الليل.

WhatsApp Image 2024-07-10 at 8.34.28 PM

الساعة الثانية

الآن، تجلس الأسرة في عتمة جديدة بملابس مبللة بالعرق. يتذكر "أسامة"، كما يحدثهم، "أن بعد عام، لم يتغير شئ".. لازالت الكهرباء تنقطع بل ودون مواعيد موثوق فيها. إذ زادت الساعة لاثنين. فتقول "أماني": "هكذا يتعطل حالنا لساعتين وربما ثلاثة.. فماذا يمكننا أن نفعل؟!".

ولم تتوقف خطة تخفيف الأحمال إلا خلال شهر رمضان (مارس الماضي)، ثم اطلت عليهم مجددًا مع ارتفاع درجات الحرارة. وفي موسمها الثاني، أصبحت توقيتاتها غير ثابتة إلى حد ما بالنسبة لأسرة "أسامة"، فأربكت خططهم.

إذ اعتاد حارس عقارهم فصل المصاعد قبل موعد الانقطاع بعشر دقائق حتى يتجنبوا حوادث المصاعد التي تكررت عند انقطاع التيار ومحاولة الناس الخروج منها.. لذا فاضطراب المواعيد يعني اضطراب تلك الإجراءات واحتياطاتهم.

استمر ذلك قبل أن تحدد الشركة القابضة لكهرباء مصر، في مايو الماضي، ساعات محددة (بين 3 حتى 7 مساء) خلال فترة امتحانات الثانوية العامة، التي يؤديها حوالي سبعة ملايين ونصف المليون طالب، بينهم "ماجد" الابن الأصغر في أسرة "أسامة".

يحتار "ماجد" الآن بين الخروج من البيت أو البقاء، فلا يعلم كم من الوقت تبقى لتعود الكهرباء ويعود لمذاكرة مادته القادمة "الفيزياء"، والتي تمثل "رعبًا له"، كما يصفها.

وعلى ما يبدو، ستطول مدة الانقطاع اليوم لثلاث ساعات.

وخلال الأيام الماضية، تابع "ماجد" الأخبار وما يرسله زملاؤه حول مبادرات الأماكن لاستضافة طلاب الثانوية العامة كالمساجد والكنائس والأندية والمراكز التعليمية المزودة بالمولدات. لكنه يقول إنه "لا يميل إلى المذاكرة في تلك الأجواء والزحام، ويفضل البقاء في بيته حتى لو سيذاكر على أنوار الشموع وكشافات الهواتف المحمولة ".

يحاول والده البحث عن حلول، خاصة أن ابنه في أشد الحاجة لكل ساعة. يلتقط شبكة بصعوبة في شرفته، فيبحث عن "وحدة شحن" اكتشفها في إعلان على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تعمل مع الأجهزة الكبيرة والصغيرة لتقوم بتشغيلها لساعة أو اثنين. لكن يفاجئه سعرها الذي تجاوز العشرين ألف جنيه.

بعدها، يتجه إلى المولدات صينية الصنع.. اخذ يلهي نفسه بالبحث عن أنواعها وأسعارها واستهلاكها للوقود وقدرتها، فبلغ سعر المتوسط منها وذو القدرة المناسبة لبيته 31 ألف جنيه، وهو ما لم يكن قادرًا عليه. فيقول بإيماءات مُحبطة: "يكفينا تكلفة التكييف، فيضطرنا لشحن كارت الكهرباء خمس مرات في الشهر على الأقل".

Main Photo  (1)

وتعكس النوافذ المظلمة للمباني المحيطة بهم، والجيران الذين يجلسون في الشرفات، إلى أولئك الذين مثلهم، ولا يستطيعون تحمل تكلفة مولدات وأعباء إضافية في ظل معدل تضخم يتجاوز 30% وزيادة أسعار جميع السلع منذ بداية هذا العام.

لكن في المقابل، ينبعث صوت قوي من شرفة أحد جيرانه، لوضعه مولد صغير داخلها، يسمح له بتشغيل التكييف والتلفاز طوال ساعات انقطاع الكهرباء. لكنه يصدر عادمًا ناجم عن الاحتراق يراه "أسامة" من مكانه.

يقول سعيد ناجي (55 عاما)، الذي يملك ذلك المولد: "لم اكن اتخيل أن اشتري مولدًا في يوم ما، استغربت شكله وصوته، فطالما رأيت تلك الأجهزة بالمحال وليس البيوت.. لكن لم يكن أمامي حلا أخر للتكيف مع الوضع".

Untitled design

الساعة الثالثة

بحلول الساعة الثالثة من الانقطاع، وهي المدة الأعلى في الأسابيع الأخيرة، يبلغ تعبهم من الحرارة الخانقة ذروته، خاصة والد "أسامة" الذي لازال يجلس بالشارع.

ومنذ وقت قليل، انهى رئيس الوزراء مؤتمره الذي يتحدث خلاله عن مشكلة الكهرباء.. لكن أسرة "أسامة" لم تعرف ما جرى.. لم يصل لها إعلانه أن تخفيف الأحمال سيكون لمدة ساعتين فقط، ثم وقف الانقطاع تمامًا خلال الأسبوع الثالث من شهر يوليو الجاري وحتى نهاية الصيف.

4

تعود الكهرباء أخيرًا إلى بيت "أسامة" ليباشروا ما كانوا يفعلوه. وتعرف الأم من أصدقائها أن الكهرباء قطعت مرات كثيرة عندهم، وفي مناطق أخرى بلغت خمس ساعات.. فتخبر أسرتها بذلك، مرددة: "نحن أفضل من غيرنا".

وقبل أيام، رَست الناقلة " HELLAS ATHIN" الرافعة علم أول شحنة من الغاز المسال بميناء العين السخنة ومعها أول شحنة من الغاز المسال لحل الأزمة. بينما على بعد نحو مائة وخمسين كيلو منها، استمر انقطاع الكهرباء عند أسرة "أسامة" يوميًا لساعتين، عدا أمس (9 يوليو)، واغلقت المحال التجارية حولهم عند العاشرة مساء يوميًا بقرار حكومي بهدف تخفيف الضغط على شبكات الكهرباء.

وفي الليل، تفرش الأم ملاءات رقيقة على الآسرة للمساعدة في خفض الحرارة حتى لا يستخدمون إلا تكييفا واحدا من الاثنين.. وعلى شاشة التلفاز أمامها، يظهر فيديو بنشرة الأخبار لرئيس الوزراء وهو يتحدث مجددًا عن أن أزمة الكهرباء في أولويات الحكومة المشكلة حديثا وفي طريقها للحل قريبًا.

تستمع "أماني" لذلك، وتستكمل ما تفعله، ثم تعلق بكلمة واحدة: "نتمنى!".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان