لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالورقة والقلم.. وسائل مصريين للتكيف مع ارتفاع الأسعار

03:38 م الأحد 08 يناير 2023

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- عبدالله عويس:

كانت هداية محمود، ربة منزل، تحتفظ ببضعة آلاف جنيه لأي ظرف طارئ، في عملية تقوم بها سيدات مصريات، خوفا من المجهول. ومع انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وارتفاع أسعار السلع، وجدت السيدة نفسها مضطرة لأخذ بعض المبالغ من تلك القيمة المحتفظة بها، لكنها أخيرا اشترت موادا غذائية للمنزل، بما تبقى من تلك النقود.

تصرف هداية يشبه آخرين وأخريات، يحسبون بالورقة والقلم تكاليف المعيشة، ويحاولون قدر الإمكان التكيف وفق آثارها، إما بتخطيط مختلف، أو بالتخلي عن أمور باتت تعد من قبيل الرفاهية، على أمل مواجهة ارتفاع الأسعار والتضخم الذي وصل لنسب مرتفعة، بذلك التخطيط.

تقول هداية وهي تقف داخل سوق شعبية، بمنطقة شبرا الخيمة، إن لها ٣ أولاد، وزوج خرج على المعاش لإصابة بالقدم، لكنه يعمل باليومية في إحدى ورش السيارات، ولا تكفي يوميته التي تصل لـ١٠٠ جنيه ومعاشه تكاليف المعيشة: «أصبحت أشتري موادا غذائية وأدوات النظافة بما أملك من مال، يوما تلو يوم تصير قيمة الأموال أقل عن سابقتها، وبالتالي شراء مواد أتوقع زيادتها في الأسواق مستقبلا أفضل من الاحتفاظ بها لأي طارئ أو لأ ظرف».

داخل السوق الذي اشترت منه هداية منظفات للبيت، كان أحمد سيد، أحد الباعة الذين يملكون أجوية حول تفاصيل الشراء وكيف تغيرت من سيدة لأخرى: «هناك نمطان مختفلان الآن في عملية البيع، إما التقليل بشكل واضح، أو زيادة المواد المشتراه، من لديه نقود يشتري بها سلعا، ومن لا يملك الكثير يقلل الشراء وقد يغير الأصناف».

شير الرجل إلى عدة مساحيق لتنظيف الملابس، تختلف أسعارها وفق الجودة، كما تختلف نسب سحبها من المحل، وكان في السابق يعتمد على الأفضل والأغلى ثمنا بشكل أكبر، لكن مع زيادة الأسعار، بات متجر الرجل يعتمد بشكل أكبر على الأقل جودة والأرخص سعرا: «لا يملك الناس سوى تنظيف ملابسهم تمهيدا لارتدائها مرة أخرى، لكن الطعام والشراب له أولوية».

وارتفعت نسبة التضخم في مصر لتسجل نحو ١٩٪ في نهايات العام الماضي، وهي نسبة لم تحدث من نحو ٤ سنوات. كما انخفضت قيمة الجنيه المصري أمام الدولار والعملات الأجنبية، منذ أيام تزامنا مع طرح بنكي الأهلي ومصر، شهادة ادخار يصل عائدها لـ٢٥٪، ووصل سعر الدولار في البنوك لأكثر من ٢٧ جنيها، ويخشى كثيرون امتداد ذلك الارتفاع على الأسعار.

في شارع يزدحم عن آخره بالمواطنين لشراء الملابس والأحذية، كان مصطفى زيد، يجلس داخل المحل وبين يديه علبة كشري يأكل منها، في لحظة كانت نادرة يستطيع الأكل فيها دون مقاطعة من زبون، لكنها الآن لحظة عادية متكررة، بحكم قلة البيع والشراء بحسب الشاب، الذي يعمل في مجال بيع الملابس منذ سنوات طويلة.

يقول مصطفى، إن طبيعة ذلك الشارع الزحام، بحكم التصاقه بنهاية الخط الثاني لمترو الأنفاق، وشهرته ببيع الملابس بأسعار مخفضة: «كان عاديا أن يدخل عشرات الزبائن وفي غير الموسم لشراء ما يريدون، آلان حركة البيع ضعيفة، ومن كان يشتري قطعتين أو ثلاث بات يشتري ما هو مضطر إليه».

لجأ المحل الذي يعمل فيه مصطفى لإضافة أحذية ضمن مبيعاته، ليجذب عددا أكبر من الزبائن، لكن الأمر لم ينجح، ولم يغير كثيرا في واقع المحل. يدخل رجل أربعيني يصطحب طفلا لشراء حذائين له ولابنه، ومع عدم الاستقرار على سعر معين خرج الرجل دون شراء، وسط تذمر الابن.

يقول الرجل الذي يعمل سائقا على توكتوك، إن حذاؤه الشخصي اهترأ منذ مدة، لكنه لم يرغب في تغييره سريعا، لكنه بات مضطرا للأمر، ولم يشتر من المحل الذي دخل إليه لارتفاع الأسعار به، وسيبحث عن مكان أرخص. ويعمل الرجل على التوكتوك على مدار ١٢ ساعة يوميا، بعدما كان وقت عمله ٨ ساعات فقط، رغبة منه في تحسين دخله: «زبائن التوكتوك صاروا أقل، الكل يحاول التوفير».

في موقف صغير لمركبات التوكتوك، كان أصحابها والعاملون عليها يتحدثون عن قلة المشاوير التي باتوا يذهبون إليها. يلمح وائل علي إلى شبه انتهاء المسافات الصغيرة، والتي كانت مكسبا له ولغيره، لقلة دقائقها، وتكراراها، بعكس المسافات الطويلة: «من حق الناس أن توفر، باتت المسافات الصغيرة أقل طلبا الآن إلا من كبار السن والحوامل مثلا أو السيدات العائدات من الأسواق، هذا أمر يمكن ملاحظته».

كان عبدالله عادل أحد المواطنين الذين يبحثون عن توكتوك في الصباح، ليقله مسافة صغيرة إلى موقف السيارات، لكنه استغنى عنها بعدما صارت تعريفة الركوب ٧ جنيهات، ما يعني ١٤ جنيها في اليوم، بأكثر من ٣٠٠ جنيه شهريا: «بت أحسب كل شيء بالورقة والقلم، ستأخذ مني التمشية نحو ١١ دقيقة، لكني سأوفر ثمن حفاضات طفلي على الأقل».

يقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن مسألة المشاركة المجتمعية وتقليل الاستهلاك وترتيب الأولويات، اقتصادية بحتة، لها علاقة بالظروف الاقتصادية الحالية، لكنها يجب أن تكون منهجا في التعامل، سواء كانت الظروف جيدة أو صعبة من الناحية المالية. مفرقا بين تعامل مواطنين في دول أجنبية فيما يتعلق بثقافة الاستهلاك والمصريين، في أكثر من ناحية مختلفة: «عند شراء فاكهة مثلا، لا توجد ثقافة الكيلو والأقفاص، وإنما بقدر الاحتياج فحسب، وبالتالي ترتيب الأوليات وتنظيم الاستهلاك أمران مهمان».

فيديو قد يعجبك: