لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

المِنح بوابة الخروج| هل يسير ناشئو الإسكواش على خطى الشوربجي؟

10:22 م الخميس 09 يونيو 2022

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

- مارينا ميلاد:

- إنفوجرافيك- مايكل عادل

أمام ملعب الإسكواش الزجاجي بنادي سموحة بالإسكندرية؛ اللاعبون الصغار: "أحمد"، "عمر"، "نوران"، وغيرهم يقفون واحد تلو الآخر مع شَخص ينظرون إليه بانتباه وإعجاب.. بعضهم يلتقط الصور معه وآخرون يفتحون مجالًا لحديث خاطف.

هذا الشخص هو لاعب الإسكواش المصنف الثالث عالميًا، محمد الشوربجي، الذي اتخذ مؤخرًا قرارًا صعبًا بتمثيل منتخب إنجلترا بدلا من مصر في سنواته المقبلة، لأنه - كما يقول – “وجد الدعم الذي يحتاجه هناك”.. لكن عندما أعلن ذلك؛ ذَكر بأسِف: "أصعب شيء في هذا القرار الصغار الذين يتطلعون إليَ".

الظاهر أمام الجميع؛ أن "الشوربجي" يتشابه مع هؤلاء الصغار في المدينة، اللعبة، الحلم، والنادي، ويختلفون في السن والخبرة والإنجاز وبالتأكيد أشياء أخرى.. لكن غير الظاهر هو أنهم يتشابهون في لحظة واحدة من العمر، لحظة تأتيهم فيها الفرصة على طبق من ذهب لتقودهم بعيدًا وتُغير مَسار حياتهم.

أبريل 2016.. كانت مباراة نهائية ماراثونية بحق بين لاعب الإسكواش المصنف الأول عالميًا، محمد الشوربجي، والفرنسي جريجوري جواتيه في بطولة الجونة الدولية.. أصاب "الشوربجي" التوتر؛ فجميع المؤشرات ذهبت إلى ضياع المباراة منه، فهو بالفعل خسر الشوطين الأول والثاني قبل أن تنقلب الموازين.

في فترة الراحة؛ جلس "الشوربجي" يستمع جيدًا لتعليمات أمه، والغريب أنها أصابت وفاز بنهاية المباراة؛ ليستلم كأس البطولة وهو ممسك بعلم مصر.

قال "الشوربجي" بعدها في تصريحات: "أمي تقرأ المباريات وكثيرًا ما كان لها الفضل في تحويل دفتها"، ذلك رغم عدم وجود صلة بين أمه وهذه اللعبة قبل أن يمارسها.

لتلك الحكاية بداية جرت قبل سنوات.. عندما كان "الشوربجي" في الثامنة من عمره، وذهبت به والدته "بسمة" إلى نادي سموحة ليتعلم الإسكواش.

التقاه الكابتن رشدي مبروك، مدرب الإسكواش في النادي، ليبدأ معه رحلة التدريب حتى سن الـ13 سنة، حصل فيها على بطولة الجمهورية، ثم تلاها بطولات عديدة وصل عددهم هذه السنة إلى 44.

كانت الأم وراء كل ذلك. فيقول الكابتن مبروك: "والدته فعلت ما لا يفعله الرجال.. كانت تذهب به وأخيه (مروان) إلى التمارين في كل مكان"، وبالمثل العديد من الأمهات وبينهن إيمان أسعد.

تابعت إيمان، مسيرة "بسمة" مع ابنيها لمعرفتها بها ووجودهما سويًا في نفس النادي، ثم وجدت نفسها تسير على دربها؛ فكلاهما لديه والدان يلعبان الإسكواش.

لدى "إيمان" أحمد (20 سنة) وعمر (18 سنة). بدأ الاثنان في سن الـ6 سنوات، ووصل الأول إلى بطولة الجمهورية أيضًا مثل "الشوربجي" لكن تحت سن الـ19، ثم التحق الاثنان بمنتخب مصر للناشئين.

تحكي إيمان، وهي ربة منزل، عن تفرغها لهما وعن المشهد المتكرر معها كل يوم لسنوات: فتذهب مُسرعة بحقائبهما وتحمل داخلها ملابس التمرين والمضارب والأدوات، لتأخذهما من مدرستهما إلى النادي (في الإسكندرية أو القاهرة).. كما تحضر لهما الطعام في عِلب ليتناولاه في الطريق.

مَرّ زمن ليس طويلا وأنهى "أحمد" مدرسته وانشغل بدراسته "طب الأسنان" عن اللعب، بينما بات لِعب الإسكواش لعمر "كل حياته" – حسب وصفه – بل إنه لا يستطيع أن يتحمل يومه بدون لِعب حتى إن أُصيب. فيقول: "هدفي أكون رقم 1 على العالم سواء في الناشئين أو الكِبار.. وبالتأكيد الاحتراف في الخارج."

جاءت لعمر الفرصة التي طالما انتظرها ليحقق حلمه، وهي مِنحة دراسية من جامعة بنسيلفانيا (واحدة من أهم الجامعات الأمريكية)، بعد أن تابعوا أداءه في بطولاته الدولية، ليكمل دراسته ولعبه هناك؛ وربما الثانية هي الأهم.

ذلك ما جرى أيضًا قبل 7 سنوات مع زميلته في اللعبة والنادي، نوران علي، التي تكبره بعامين، وهي مَاهرة في حصد المراكز المتقدمة في بطولات أمريكا المفتوحة، بريطانيا المفتوحة، وهونج كونج.

ورغم أنها الفتاة الوحيدة لأسرتها بجانب أربعة أولاد؛ لكن والدها أدرك مبكرًا أن هذه الخطوة ستخدم مستقبلها أكثر من وجودها بالإسكندرية– وفقا لنوران؛ التي تدرس الهندسة الآن في جامعة Trinity.

قبل "عمر" و"نوران"؛ اقتنص محمد الشوربجي وأخوه "مروان" المصنف التاسع على العالم حاليًا، تلك الفرصة الذهبية لكن في بريطانيا؛ التي حصلا على جنسيتها نتيجة إقامتهما هناك قبل أن يقرر "محمد" تمثيلها هذه الأيام.

وبينما يقفز "عمر" فرحًا بهذا العرض؛ يأسف له الكابتن رشدي مبروك.. فيقول إنه ما بين 7 أو 8 لاعبين في نادي سموحة سافروا خلال الثلاث سنوات الأخيرة فقط.

يمكن تَفهم ما يشعر به "مبروك"؛ فالرجل الذي كان لاعبًا ثم مدربًا في نادي سموحة منذ عام 1998؛ بَنى رفقة أخيه "محمد" فريقا من البداية في ثلاث ملاعب غير مجهزة قبل أن يزيدوا إلى 5 ثم 9 الآن – حسبما يحكي عن مشوارهما: "لقد بدأنا من الصفر وخرج من سموحة جيل كامل من الأبطال."

فهل المصريون صاروا غنيمة فعلًا في هذه اللعبة؟.. ربما نعم؛ فتَفوق المصريون في الإسكواش ظل لغزًا رياضيًا، وهو ما تحدثت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" في تقريرها عام 2019 حين كان الأربعة لاعبين أصحاب أوائل التصنيف العالمي مصريين، بجانب خمسة آخرين في المراكز العشرين الأولى.

عرضت ذلك في ظل مقارنتها بين وجود 1.7 مليون لاعب إسكواش في الولايات المتحدة، وحوالي 3500 ملعب، مقابل حوالي 400 ملعب فقط، وأقل من 10 آلاف لاعب في مصر.

لكن النقطة الأهم؛ ما ذكره التقرير عن أن الإسكواش لا توفر مبالغ ضخمة للاعبيها، لكنها فرصة لشق الطريق لإحدى الجامعات الأمريكية أو المدارس الإعدادية، إذ هناك أربعة لاعبين مصريين في جامعة هارفارد المرموقة.

ورغم حزن الكابتن مبروك على ترك أفضل لاعبيه مكان ولدت وصُنعت فيه موهبتهم؛ إلا أنه يرى في ذلك منطقًا. فيتحدث عن المُهمة الشاقة والمٌكلفة التي يخوضها الآباء لصناعة لاعبين كِبار من أبنائهم.. يصفها بـ"قصة كبيرة تكمن وراء اللاعب الذي نراه واقف وحده في الملعب ولا يدركها أحد".

فبجانب أن "مبروك" مُدرب؛ هو أيضًا أب لولدين (15 و17 سنة) يلعبان مع منتخب الناشئين. لذا بإمكانه تقدير متوسط التكلفة للاعب الواحد حتى يتدرب جيدًا؛ وهي لا تقل عن 10 آلاف جنيه شهريًا – حسب تقديره. ويضرب مثلا بأنه يوفر لأبنه سيارة تذهب به من الإسكندرية إلى القاهرة ليتمرن مع المنتخب وتنتظره لتعود به.

نفس الفكرة تشرحها إيمان؛ التي خاضت التجربة مع ابنيها (أحمد وعمر)، فتذكر أن المضرب الواحد يكلفها ما بين 2500 - 3000 جنيه، والمفترض أن يمتلكا أكثر من واحد لأن خيوطهما تُمزق سريعًا.

إلى جانب أن علبة الكرات الواحدة يصل سعرها إلى 600 جنيه؛ خلاف الملابس والأحذية ومصاريف الصالات الرياضية والتمارين الخاصة (private) والانتقالات من وإلى الإسكندرية. وفي النقطة الأخيرة، توضح "إيمان" أن وقت إقامة تدريبات مع المنتخب في القاهرة؛ فالسفر والإقامة يكون على نفقاتها.

حتى الآن؛ لم يأت لأحمد أو عمر مكافآت أو راعِ على الأقل من الرعاة الثلاث الذين يدعمون الإسكواش في مصر.. تعرف والدتهما أن ثمة طريقة من السعي ناحية الرعاة من جانبهم أو المدربين؛ لكنها ووالدهما، الذي يعمل طبيبًا، لا يقبلاها ويفضلان الإنفاق على ابنيهما.

فلم يحصل الوالدان على أي دعم من النادي سوى إعفائهما من دفع اشتراك النادي كونهما في فريق – حسب "إيمان"، التي أشارت في الوقت نفسه إلى اقتراح عمل عقود لهما، لكنهم لم يقبلوا.

هنا يتساءل ابنها "عمر": "ماذا يفعل لي مبلغ متوسط في السنة؟ في مقابل تقيدي لمدة 3 سنوات في نفس النادي!".

لذا يتحمس "عمر"، الذي تمكن قبل أيام من التأهل لبطولة العالم للناشئين، للسفر إلى الولايات المتحدة للمنافسة في دوري الجامعات الذي يراه الأقوى، ويتوقع فيه دعمًا أكبر مما يلقاه هنا.

سيلحق "عمر" بـ"نوران"، الذي سبقته في هذا الدوري بعد أن لعبت مباريات وبطولات في مدرستها بنيويورك.

قد تخطت "نوران" بمرور الوقت مشكلاتها الأولى مع الوحدة والتأقلم واللغة، فكما تحكي؛ وجدت التعامل والتعليم والدعم أفضل كثيرًا، حيث وفرت لها إدارة المدرسة ومن بعدها الجامعة كل الأدوات اللازمة للعب غير الإقامة والدراسة والمعيشة، والأهم في رأيها الدعم المعنوى.

كما تفاجأت بوجود عدد كبير من المصريين في هذا الدوري، حتى أن مدربيها الآن أحدهما باكستاني والآخر مصري.

عرض مماثل يقول الكابتن مبروك إنه قُدم لابنيه عندما كانا في بطولة بالولايات المتحدة.. وبعدما أوشك أحدهما على إنهاء دراسته الثانوية، بات يفكر في الأمر قليلًا.. فيرى أن الظروف الاقتصادية الحالية لا تساعد الأب والأم على الاستمرار وحدهما؛ وعلى الجامعات ورجال الأعمال الرعاية والدعم، وبالأساس اتحاد اللعبة، الذي من دوره الإشارة للرعاة على الموهوبين.

ذلك الاتحاد تأسس عام 1931 في ظل احتلال بريطاني لمصر باعتبار اللعبة ابتكارًا بريطانيًا في الأساس.. لكن مصر سيطرت على ساحاته مبكرًا.. ثم دارت الأيام ومعها اللعبة.. والآن يلعب المصري الحاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال بجامعة بريستول الإنجليزية؛ أول بطولة له تحت علم إنجلترا (بطولة موريشيوس المفتوحة) المًقامة حاليًا.

لا يجد الكابتن مبروك أزمة في قرار "الشوربجي"؛ فالمسألة في رأيه لا تتعدى كونه لاعب لم يجد حظًا كافيًا هنا وقرر أن يقضي سنواته الأخيرة باللعبة في ظروف أفضل.. بل يتمنى أن ما فعله يفيد غيره من الصغار.

وفي إجازتها الصيفية الحالية؛ جاءت "نوران علي" من الولايات المتحدة إلى الإسكندرية لتزور عائلتها؛ ثم بدأت معسكرها التدريبي مع الكابتن مبروك.

وبعد أن أنهوا مرانهم الأول سألها: "هل ستعودين بعد انتهاء الجامعة؟"؛ فأجابته بالنفي.

ففي حالة عودة "نوران" وانضمامها إلى منتخب السيدات (كِبار)؛ ستحتاج إلى دعم أكبر وأن تشعر– حسب قولها - أن بلدها بحاجة لها.. وإن لم يحدث وظلت تلعب خارجها؛ ستسعى إلى الجنسية الأمريكية؛ لكنها لن تفكر في اللعب باسم أمريكا.

أما عمر سعيد؛ الذي يُجهز نفسه إلى السفر هناك؛ فيقول إنه سيحاول دائمًا المجئ إلى مصر للمشاركة في مبارياته مع المنتخب.

لكن تلك النوايا الموجودة لدى "نوران" أو "عمر" حتى الآن؛ لن تُقلل من تخوف لاعب الإسكواش السابق، أحمد برادة، الذي عَبر عنه في تصريحاته الأخيرة: "الشوربجي لن يكون الوحيد.. هناك لاعبون آخرون في الطريق للعب لدول أخرى".. ولم يُخف وزير الشباب والرياضة نفسه ما بداخله من توجس: "لا أضمن عدم تكرار السيناريو مع آخرين بنسبة كبيرة."

أقرأ أيضًا:

فريال أشرف.. رحلة صاحبة الميدالية الذهبية من المطرية إلى طوكيو

سيدات كرة الجرس.. من بطولة هولندا إلى أولمبياد طوكيو (قصة مصورة)

فيديو قد يعجبك: