مبادرة لإطلاق سراح الغارمات بـ"لوحات فنية رقمية"
- مارينا ميلاد:
امرأة مُحجبة وفي خلفيتها سلاسل وقيود.. هذه لوحة مُباعة عبر الإنترنت.. للوهلة الأولى تبدو أنها تصميم فني عادي، لكن ما لا يظهر للجميع أن وراءها قصة امرأة اسمها "هناء"، وهذه اللوحة ربما تنقذها.
هناء -البالغة 44 سنة- حُكم عليها بالسجن عامين، لعدم سدادها قرض حصلت عليه لأجل مشروعها، وهو ورشة ملابس. أسستها "هناء" لتنفق على أبناءها الثلاثة، ولم تتوقع أن يأتي وباء يتعثر معه حالها فلا تتمكن من السداد.
تلك اللوحة التي تلخص فنيًا حالة هناء؛ هي واحدة من 8 لوحات، تَعرضها جمعية أطفال السجينات ضمن مبادرتها "اشترِ دينها.. اكسر قيدها" التي أطلقتها بداية من مارس الماضي، بالتعاون مع شركة دعاية رقمية.
وتهدف تلك المبادرة إلى إطلاق سراح الغارمات من النساء في السجون المصرية، من خلال بيع اللوحات الفنية الرقمية باستخدام تقنية “NFT" عبر الإنترنت، لاستخدام أرباحها في سداد ديونهن.
وتقنية NFTS هي رموز غير قابلة للاستبدال تعطي أصل رقمي (هوية رقمية) لأي منتج أو عمل، ويتم تخزينه ويمكن تداوله وبيعه لصالح مالكه بالسعر المحدد. فمثلا؛ تُباع لوحة "هناء" بـ484 دولار أمريكي، ما يعادل 9 آلاف جنيه مصري، وهو المبلغ المطلوب لتسديد دينها.
وهو النظام نفسه المُطبق على بقية اللوحات المستوحاة من قصة كل غارمة وسبب دخولها السجن، والمعروضة جميعها عبر منصة "Opensea".
وتتعدد القصص الكامنة وراء اللوحات: "ربيعة"، التي اقترضت لإجرائها جراحة سرطان الثدي، ونجحت الجراحة، لكن فشلت هي في السداد؛ فحكم عليها بالسجن عامين.. و"ناجية" التي لم تنجو من سجن 4 سنوات بعدما تضاعفت ديونها نتيجة إعالتها أطفالها بعد وفاة زوجها.
تتراوح الأسعار التي تُعرض بها لوحات "ربيعة" و"ناجية" والأخريات ما بين 5 آلاف إلى 35ألف جنيه؛ وهي المبالغ التي تم اقتراضها. لذا تٌعرف جمعية أطفال السجينات؛ الغارمات بأنهن "نساء في مصر حُكم عليهن بالسجن لأنهن غير قادرات على سداد قروضهن.. وعادة ما تكون المبالغ التي يقترضونها بضع مئات من الدولارات فقط".
عَرفت نوال مصطفى، رئيس مجلس إدارة الجمعية، هذه القضية منذ 30 عامًا.. عندما كانت صحفية شابة وعملت على تحقيق صحفي داخل سجن القناطر للنساء، ثم تفاجأت بأطفال يلعبون في فناء السجن، وحين عرفت من هؤلاء الأطفال، بدأت رحلتها بتأسيس الجمعية عام 1990.
وتهدف هذه الجمعية إلى مساعدة هؤلاء النساء وأطفالهن بتوفير تدريبات لهن داخل السجن؛ عن طريق عقدها لشراكات مع عدة مؤسسات والاعتماد على التبرعات بشكل أساسي.
ويمتد الدعم خارج أسوار السجن أيضًا؛ إذ يهدفون إلى تمكين هؤلاء اقتصاديًا وتأهيلهن حتى يتمكنّ من إعالة أسرهم بمجرد خروجهن.
ترى نوال مصطفى؛ إن تأثير قضية الغارمات على المجتمع خطير؛ فتقول إن هؤلاء السيدات بمجرد دخولهن السجن وهن غير مجرمات يمكن أن يؤثر عليهن سلبًا، كما أن أطفالهن أداة سهلة للاتجاه ناحية الإجرام.
وتكمل: "نحن حين نحمي الأم نحمي الأسرة كلها.. لذا نحن دائمًا وراء الموضوع، وهو يحتاج إلى نفس طويل".
واستطاعت هذه الحملة بالفعل من سداد ديون ثلاث غارمات وإطلاق سراحهم.
ووفقا لتصريحات محمد مختار، المتحدث الرسمي باسم صندوق "تحيا مصر"، العام الماضي؛ فأن آخر إحصائية تسلمتها وزارة التضامن الاجتماعي من وزارة الداخلية، أفادت أن مصر بها 30 ألف غارمة في السجون، مشيرًا إلى أن "الوزارة قطعت شوطًا مهمًا جدًا في الإفراج عنهن، وسيتم التوسع في هذا الإجراء خلال الفترة المقبلة".
وفي إبريل الماضي؛ أوصى الرئيس عبد الفتاح السيسي اللجنة الوطنية بصياغة رؤية متكاملة للقضاء على ظاهرة الغُرم في إطار المبادرة الرئاسية "مصر بلا غارمين".
تتمنى "هناء" لو تتمكن بواسطة هذه المبادرة أو غيرها من تسديد دينها والخروج من هذا المأزق؛ حيث سُجنت في السابق 4 أشهر كونها الضامن لسيدة لم تسدد أقساطها؛ ما دفع صاحب العمل للإبلاغ عن "هناء"؛ وهو ما جعلها تؤسس مشروعها الخاص فيما بعد لأن "لا أحد يريد توظيف سيدة خرجت من السجن" –حسب قولها– وهو ما جعلها تقترض وتتعثر من جديد.
لكنها لا تريد أن تعيد المأساة مجددًا: "بحاول أقف على رجلي ونفسيًا كمان.. مش عايزة بنتي تشوفني وأنا متكلبشة تاني".
فيديو قد يعجبك: