للتوعية عن المكفوفين.. سعودية تنشر رسوماتها إلكترونياً: نعم أنا فنانة كفيفة
كتبت-إشراق أحمد:
لا تعلم أمجاد المطيري سوى أن داخلها شيئًا يدفعها لترسم، منذ عمر الرابعة وتضع على الورق ما يمليه عليه خيالها ويحمله وصف الأهل لها. ظلت موهبتها في حدود معرفة الأهل والأصدقاء، حتى قررت أن تنشر رسوماتها بنطاق أوسع، لتجد الشابة السعودية تفاعلاً واندهاشًا لم تلقاه مسبقًـا، ليس فقط لمهارتها لكن لما حرصت أن تكتبه على صفحتها بموقع مشاركة الصور والفيديوهات "انستجرام": "رسامة وعندي إعاقة بصرية".
ولدت أمجاد بمرض في عينيها وصفه الأطباء بـ"التهاب الشبكية الصباغي مصحوب بالضمور العصبي"، بمرور الأيام علمت ابنة مدينة الطائف ماذا يعني "كنت أشوف الصور والتليفزيون لكن ملامح الأشخاص ما كنت أشوفها"، أدركت المطيري أن كلما كبرت بالعمر ستفقد بصرها، لكنها استمرت بالحياة ولم تنتظر.
ظل الرسم صديق أمجاد المفضل "كنت أرسم في الحصص وأكتر الأشياء أرسمها من خيالي"، وفرت أسرتها لها الأدوات والكتب المخصصة لمحبي الفن، وتجاوزت صعوبة تحديد الألوان "كنت أنادي أهلى واسألهم شو لون الدرجة دي"، ثم تختلي بنفسها تجرب مرات عديدة حتى تتقن التحكم فيما تريد وضعه باللوحة.
تتذكر أمجاد لوحتها الأولى التي ضمت بستان ورد بنفسجي اللون "الورود أكتر شيء كنت أرسمه"، لذا كانت الأشجار وأوراقها التي كانت تقربها من نظرها، أكثر ما احتفظت به ذاكرتها قبل أن ينطفيء بصرها.
في المرحلة الثانوية، لم يعد بإمكان أمجاد أن ترى إلا النور والظل، تضاءلت رؤيتها لتصل إلى أقل من 1% كما تقول لمصراوي، لكن الشابة السعودية لم تنصدم " تقبلت لأن عمر ما كان عندي بصر 6/6 بالعكس كنت عارفة من صغري أني راح أفقد بصري".
تغيرت حياة أمجاد؛ تعلمت طريقة برايل، رافقت العصا البيضاء للمكفوفين، وتطبيق القاريء المسموع على الهاتف المحمول. أصبح ما لديها من بقايا بصر ذكريات صور، تبتسم بينما تُفكر فيما رغبت برؤيته قبل كف بصرها "قوس قزح ما عرفت شكله إزاي كان ودي أعرف"، ومع هذا ما شعرت الشابة يومًا بأنها فقدت شيء "أهلي عمرهم ما حسسوني أني عندي إعاقة بصرية. ما كنت أدري أصلاً". لم تذق ذلك إلا مع دخول الجامعة.
درست صاحبة التاسعة والعشرين ربيعًا اللغة الإنجليزية، مع المرحلة الجامعية دخلت عالم من تساؤلات المحيطين، ومواجهة تحديات الحياة ككفيفة. أدركت أمجاد أن أغلب المجتمع لا يعرف الكثير عن المكفوفين، وصارت أسئلة مثل "كيف ترسمين، كيف تقرأين، كيف تسيرين؟" متكررة، وحينما خصصت حسابها على انستجرام لعرض رسوماتها أصبح وقع هذه التفاصيل عليها طبيعي كما تصف.
View this post on Instagram
قبل نحو ثلاثة أعوام، في ديسمبر 2019، نشرت أمجاد أولى رسوماتها على انستجرام، ركزت في هذه الفترة على رسم الشخصيات الكرتونية، بدا أن لا أحدا من المتابعين يعلم بأمر بصرها، ظلت تنشر حتى أعلنت عن قصة صنعتها، وفي شهر يونيو من العام 2020 أشارت في إحدى فيديوهاتها إلى كيفية رسمها وهي كيفية.
بمرور الأيام لم يعد يقتصر الأمر على الرسم فقط، قررت أمجاد أن تشارك في فيديوهات قصيرة كيف يعيش الكفيف وتأكد لها ما تريد "ابغي أوصل للجمهور اللي فيه يقدر الفن وابغي أوعي المجتمع عن الإعاقة البصرية".
لا تنقطع الرسائل والتعليقات على صفحة أمجاد إلى اليوم، في السابق كان يضايقها التعليقات السلبية والتشكيك في كونها كفيفة لعدم تصديق البعض أنها ترسم، لكن الآن وجدت أمجاد سبيلها في التجاهل والمضي بطريقها.
في مقاطع تصورها أمجاد بنفسها عبر التطبيقات الخاصة بالمكفوفين على هاتفها المحمول، صارت تخبر الشابة السعودية المتابعين لصفحتها كيف ترسم، ماذا تعني العصا البيضاء للكفيف، طريقة استخدامها للألوان، بل وتشاكهم في تحديات تصنعها لنفسها برسم شخصيات حقيقية.
View this post on Instagram
تعتمد أمجاد على الوصف لرسم الوجوه "اروح لأهلي واسألهم عن التفاصيل كيف شكل الحواجب. كيف شكل العيون وهم يخبروني"، وكذاك تلجأ إليهم للتأكد من جودة ما تصنع من فيديوهات، فهم جمهورها الأول، إلى جانب هذا تستغل قدرتها في إبصار الظلال والنور، أما الرسم من خلال التطبيقات الإلكترونية فإمكانها معرفة التفاصيل عبر التقنيات المتحدثة الخاصة بالمكفوفين.
لا تتوقف أمجاد عن الرسم، يتابع صفحتها حتى الآن أكثر من 72 ألف شخصًا. تواصل التعلم لتعرف كيف تنشر موهبتها بشكل أكبر، تصب كل تركيزها على تحقيق هدف تراه قريبًا "أوصل لجمهور أكتر وأشارك في معارض عالمية وأوعي الناس عن الإعاقة البصرية".
فيديو قد يعجبك: