إعلان

فصل المتعاطي.. كيف أجبرت لقمة العيش موظفي الحكومة على العلاج؟

03:43 م السبت 15 يناير 2022

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

كتب- محمود عبدالرحمن:
غلاف- مايكل عادل:

صباح الثلاثاء الأخير من ديسمبر الماضي، استقبلت منه عبدالباسط، اتصالا هاتفيا من زميلها موظف الاستعلامات، بمبنى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، يخبرها بتواجد شخص يرغب في مقابلة أحد العاملين، رافضا الكشف عن سبب قدومه وما يريده.

قبل نزول "منة" لمقابلة الزائر، حولت المكالمات الواردة إليها على زميلتها سهام السيد بالمكتب المجاور لها، وفي الاستقبال جلست مع الشاب بمكان منفصل لمعرفة ما يريده والكيفية التي يمكن مساعدته بها.

"أنا موظف حكومي وعايز أتعالج من الإدمان"، بهذا التعريف والطلب، بدأ الشاب الثلاثيني حديثه مع الأخصائية النفسية للجهاز الحكومي الذي يتبع وزارة التضامن وقبل أن يكمله، اشترط عليها، أن تضمن له ألا يتضرر في عمله، وهو ما وفرته له بالضمانة التي يردها، "أحنا دورنا هنا نساعدك أنت أو غيرك على التعافي من الإدمان"، تقول له "منة"، التي تستقبل مكالمات الخط الساخن لمساعدة من يحتاج إلى التعافي من الإدمان منذ 3 سنوات.

الصورة الأولى

منتصف ديسمبر الماضي، دخل قانون فصل الموظف المتعاطي للمخدرات حيز التنفيذ، للمرة الأولى بالجهاز الإداري للدولة، ويتضمن القانون المسلسل برقم 73 لسنة 2021، ضوابط فصل الموظف حال ثبوت تعاطيه للمخدرات، من خلال تحليل تجريه الجهات المختصة بشكل مفاجئ، ويحدد القانون ضمن مواده شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، ويقضى بإنهاء خدمة الموظفين المتعاطين للمخدرات.

خلال جلسة "منة" الحاصلة على ليسانس آداب علم نفس بجامعة القاهرة مع الزائر في مقر عملها بمنطقة السيدة زينب، حصلت على المعلومات الأساسية عن حالته كمتعاطي؛ تتضمن نوع المخدر الذي يتعاطاه وبعض المعلومات الشخصية من حيث طبيعة عمله ومحل الإقامة والسن.

وبناء على هذه المعلومات، حددت له الأخصائية النفسية بالجهاز العيادة الخارجية التي سيبدأ فيها العلاج، ويتلقى فيها البروتوكول تحت إشراف أحد الأطباء المتخصصين.

"هنا مبنى إداري للصندوق مش للعلاج وقليل اللي كان يجي هنا"، توضح "منة" أن دورهم يقتصر على المساعدة من خلال الرد على الاستفسارات من الراغبين في التعافي من الإدمان.

الصورة الثانية

تردد الراغبين في التعافي من الإدمان على مقر الصندوق يكون من النوادر، حيث يقتصر التعامل معهم على التواصل من خلال الخط الساخن، فلم تصادف منة عبدالباسط خلال سنوات عملها قدوم أي الأشخاص إلى المكان طلباً للعلاج إلا مرات قليلة، "ممكن أب يلاحظ اللافتة على المبنى يجي يقول ابني يتعاطى مخدرات".

لكن الأمر اختلف خلال الفترة الماضية، وتحديدا منذ أواخر مايو الماضي -عقب موافقة البرلمان على مشروع قانون فصل الموظف المتعاطي- ليصبح المكان مقصد لراغبي التعافي من الإدمان أو التعاطي من العاملين بالجهاز الإداري للدولة، "ناس كتير تيجي هنا طالبة العلاج على عكس الأول" تقول الأخصائية النفسية بالصندوق.

قانون فصل الموظفين المتعاطين، يأتي للقضاء على تعاطي بعض العاملين للمخدرات، حافظاً على أرواح المواطنين والحد من الحوادث القائمة والمتسبب فيها العنصر البشري بسبب تعاطي المواد المخدرة، وفقا للدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.

الـ 6 أشهر الماضية، التي انتهت في 15 ديسمبر الماضي، كانت فرصة لأي موظف يتعاطى المواد المخدرة، كما يعتبرها مدير الصندوق، حيث كان يمكن للموظف، قبل التطبيق الفعلي للقانون، التقدم للعلاج من خلال الاتصال بالخط الساخن"16023" أو التوجيه إلى أي عيادة من العيادات الـ 27 التابعة لصندوق مكافحة الإدمان، في 17 محافظة على مستوى الجمهورية.

بعد انتهاء جلسة "منة" مع الزائر، تعود مجددا إلى عملها بمكتب الخط الساخن بالطابق العلوي بالمبنى، حيث يضم هذا المكتب المخصص لاستقبال المكالمات 7 فتيات مهمتهم تقديم الدعم النفسي ومساعدة المتعاطين والمدمنين أو ذويهم.

في المساء يسلم الفتيات الـ 7 المهمة إلى 7 شباب، ليظل استقبال المكالمات مستمر على مدار 24 ساعة، وجميع الطاقم الذي يعمل بالخط الساخن متخصصين في الدعم والإرشاد النفسي، من خلال الدراسة الجامعية أو دبلوم متخصص في التعامل مع مدمني ومتعاطي المخدرات، يحصلون عليه بعد انتهاء الدراسة الجامعية.

الصورة الثالثة

السرية التامة لجميع المكالمات التي ترد إلى الخط الساخن، يلتزم بها جميع طاقم العمل، ليس شرطا معرفة هوية المتصل، حيث يقتصر حصولهم على المعلومات العامة للمتعاطي، مثل السن والمدينة والمحافظة التي يقيم فيهما، وغيرها من المعلومات الصحية، التي تسهم في تقديم الدعم المناسب والأفضل لكل متصل.

بينما كانت أغلب الاتصالات التي استقبلها طاقم العمل بغرفة الخط الساخن في هذا اليوم، تتعلق باستفسارات الموظفين المتعاطين التي تجنبهم الفصل من وظائفهم الحكومية، وكيفية علاجهم من الإدمان، بحسب سهام السيد أحد أفراد طاقم الخط الساخن.

سهام السيد ومنة عبدالباسط، تخرجا من كلية الآداب بجامعة القاهرة، حصلا على دبلوم مهني للتعامل مع المدمنين، قبل التحاقهما بالعمل بالجهاز، وخلال فترة عملها التي تمتد إلى 3 سنوات، مر عليهما مئات الحكايات والروايات المختلفة من المدمنين والمتعاطين للمخدرات.

الصورة الرابعة

"أنا متعاطي عاوز اتعالج من غير حجز في المستشفى"، استغاثة استقبلتها سهام، من أحد الموظفين الذي يتعاطى مخدر الحشيش، لتخبره الأخصائية النفسية، أن حالات الحجز في المستشفى يكون لحالات معينة، هو ليس منهم وما عليه سوى التوجه إلى أقرب عيادة من محل إقامته لبدء العلاج بنظام المتابعة على فترات، بحسب الخطة العلاجية، مؤكدة له: "أن متعاطي الحشيش مش بيكون تعبان ولا يحتاج لحجز زي مدمن الهيروين".

كان أخر الحكايات التي استقبلها الخط الساخن تعاطي الموظفين، كما تقول الأخصائية الاجتماعية سهام السيد: "في الأول كنت مش بركز ده موظف ولا مش موظف"، لكن بعد القانون الموضوع اختلف، والمتصل من هذه النوعية يحرص على توضيح ذلك، لأنه يسعى إلى العلاج من التعاطي أو الإدمان، لتجنب الفصل من عمله، كما لاحظت من خلال الاستفسارات التليفونية المتكررة، التي تتلقاها بشكل مستمر من المتصلين وطلبهم السرية وعدم معرفة جهة العمل بتعاطيهم.

الصورة الخامسة

على مدار الـ6 أشهر الماضية، وتحديدا في الفترة من يونيو وحتى ديسمبر الماضي، بالتزامن مع إصدار قانون فصل الموظف المتعاطي، استقبل الخط الساخن "16023" لصندوق مكافحة الإدمان 9 آلاف و977 اتصالا هاتفيا، من الموظفين بالجهاز الإداري للدولة للعلاج من الإدمان، وفقا لبيانات الصندوق التابع لوزارة التضامن الاجتماعي.

انخفضت نسبة متعاطي المخدرات بالجهاز الإداري في الدولة من 8% في عام 2019 إلى 1.6% في عام 2021، وفقًا لتقرير "رصد جهود خفض الطلب على المخدرات" من عام 2015:2021، الصادر عن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.

ويقدر عدد الموظفين بالجهاز الإداري للدولة 760 ألفا و700 موظف، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وبحساب نسبة أصحاب العينات الإيجابية، التي حددها التقرير الصادر عن "صندوق مكافحة وعلاج الإدمان"، يصل عدد المهددين بالفصل من الجهاز الإداري بالدولة إلى 12 ألفا و17 موظفا سيطبق عليهم القانون، وسيكون عليهم الاختيار بين العلاج من أجل التعافي أو الفصل من الوظيفة الحكومية.

ويعتبر "الحشيش" المخدر الأكثر تعاطياً بين الموظفين بالجهاز الإداري، بحسب ما تقول سهام الأخصائية بالخط الساخن، الذي يستقبل ما يزيد على 100 مكالمة يوميا من متعاطي مخدر الحشيش، مقارنة بأنواع المخدرات التي يتعاطاها الموظفين: "موظف في جهة حكومية قالي أنا بتعاطي حشيش عشان أعرف أركز في الشغل"، هو اعتقاد غير حقيقي لديه، وبعد تطبيق القانون، أصبح مجبر على التعافي من أجل أسرته المكونة من خمس أفراد "زوجته و4 أطفال"، ليس لهم مصدر دخل سوى مرتبه الشهري الذي يتقاضاه.

"أنا مبطل بقالي 10 أيام وكل ما أعمل تحاليل ألقى العينة إيجابية"، سؤال تتلقاه "علياء سعيد"، إحدى الموظفات بالخط الساخن عشرات المرات يومية، تبدأ الفتاة في كل مرة بشرح طبيعة المخدر والفترة التي يبقى فيها أثره بالجسم: "مخدر الحشيش الأكثر بقاء في الجسم ممكن يقعد 45 يوما، بعد ما الشخص يبطل تعاطي"، في هذه الحالة تنصح علياء المتصل بالتوجه إلى أي عيادة تابعة للصندوق واستخراج كارت المتابعة الذي يحميه من الفصل في حالة نزول حملة إلى عمله.

الصورة السادسة

القانون يمنع فصل المتعاطي الذي ثبت إيجابية عينة التحليل الخاص به لحظة نزول حملة التفتيش أي جهة حكومية في حالة واحدة فقط، حددها الدكتور أحمد الكتامي، المشرف العام على الخط الساخن بالصندوق، بأن يكون في فترة العلاج ولديه كارت متابعة من عيادة تابعة للصندوق "طول ما معه كارت يقول إنه في فترة العلاج هو في السليم".

خلال الشهر الأول لتطبيق القانون، بدأت لجان التفتيش بالمرور على الجهات الحكومية بالجهاز الإداري للدولة، وتعمل هذه اللجان بشكل سري ومفاجئ، وتتشكل من ممثلين لأمانة العامة للصحة النفسية، والطب الشرعي وممثل من جهة العمل التي تزورها الحملة.
"لما ندخل أي جهة عمل نأخذ عينة عشوائية لبعض الموظفين وممكن من كل الموظفين"، يقول الدكتور أحمد الكتامي المشرف العام بصندوق مكافحة الإدمان، وتستفسر اللجنة من الموظفين الذين سحبت منهم العينات عن الأدوية التي تكتب لهم ويتعاطونها؛ إذا كانوا يعانون من أي أمراض مزمنة، ويكون عليهم إثبات ذلك، قبل تحليل تلك العينات، ويخضعون لكشف الطبي للتأكد من حالتهم الصحية.

خلال 30 يوما الأولى لتطبيق القانون، رصدت لجان الصندوق تعاطي بعض الموظفين حبوب " الترامادول"، كما يحكي الدكتور أحمد الكتامي، من خلال تحليل العينات التي سحبتها اللجنة منهم، وكان مبرر أغلب أصحاب هذه العينات الإيجابية "أنا بأخذ الترامادول لأغراض جنسية"، لكن هؤلاء يعتبرون وفقا للقانون متعاطي، وينطبق عليهم قانون الفصل بعد التأكد من نتيجة التحاليل في المعامل المركزية بوزارة الصحة.

وفي هذه الحالة التي تظهر فيها العينة إيجابية، يتم تحريزها وإرسالها إلى المعامل المركزية بهدف التأكد منها، والتمكن من تحديد نوع المخدر الذي يتعاطه صاحب العينة بدقة، وهل هناك خلط بين أدوية معينة يتم تعاطيها ومدي تأثير هذه الأدوية على نتيجة العينة؟

الحملات التي ينفذها صندوق مكافحة الإدمان على الجهات والمؤسسات الحكومية، ليس هدفها قطع الأرزاق، كما يؤكد الدكتور الكتامي، فالموظف الذي تظهر نتائج التحاليل الخاصة به إيجابية، لديه الحق للتظلم من نتيجة التحاليل، خاصة في الحالات المرضية: "لو موظف يتعاطى أدوية فيها مخدر ومعه ما يثبت ذلك مفيش عليه أي حاجة".

فيديو قد يعجبك: