ما وراء الأثر.. "قدري" يبحث عن الحكايات الإنسانية في التاريخ
كتبت- هبة خميس:
في طريق عمله يوميًا يمر محمد قدري على طريق الأتوستراد، يلمح من على بُعد مسجدًا في جبل المقطم ذهابًا وإيابًا، يبدو المسجد كعلامة تطارده ليتساءل طوال الوقت؛ من بنى ذلك المسجد؟ لكن الفرصة وضغط الحياة لم يمهله فرصة الاتجاه للمكان والبحث في تاريخه، لذا انضم إلى الجولات التي تقام ضمن مجموعات في القاهرة الإسلامية والقديمة مثل مجموعة "سيرة القاهرة" ليتعرف على الأثار بطريقة مختلفة.
في عام 1997 كان يستعد قدري لبدء عمله في مجال الإرشاد السياحي بعد أن نال رخصة الإرشاد في عامه الأخير بكلية التجارة، بعد أن أنهي دراسة اللغة اليابانية "من فترة طويلة اتعلقت بالثقافة اليابانية وحبيت إني أتعرف عليها بشكل أكبر وأدرسها ولما خدت رخصة الإرشاد السياحي وبدأت اشتغل مع السياح اليابانيين حصلت حادثة الدير البحري بالأقصر".
الحادثة التي أودت بحياة ثمانية وخمسين سائحًا من جنسيات مختلفة بسبب هجوم إرهابي بالأقصر، مما أثرعلى قطاع السياحة ليشعر قدري في بداية عمله بأن تلك المهنة تتعرض للكثير من الصدمات ليفكر في تغييرها، وفي عام 2002 ترك "قدري" عمله في مجال السياحة ليعمل موظفًا بالعلاقات العامة، لكن ظل حبه للتاريخ حاضرًا "كان لازم يكون عندي مسار بديل وفعلًا في 2011 كتير من العاملين في قطاع السياحة سابوا المهنة ومن سنة بسبب تبعيات كورونا وانتشاره كتير اتجهوا للترجمة والتدريس".
بعد سنوات طويلة ظل قدري يتنقل بين الأماكن الأثرية في القاهرة ويزور الأماكن السياحية خارج مصر من خلال عمله، لكن في عام 2018 زار "قدري" الهند ليظل بها شهرين وهناك شاهد الأثار الإسلامية "الزيارة دي كانت فارقة معايا جدًا لأنها حسستني إني بدأت أجمع خيوط لعلاقات وقصص شبه بعضها، وحسيت إني بربط التاريخ ببعضه من خلال البشر نفسهم".
تعلق "قدري" بالحكايات و مسارات البشر التي تصنع الحضارة، ففي الهند وجد التشابه كبيرًا في العصر الإسلامي فمثل شجرة الدر هناك سيدة حكمت الهند تسمى "راضية سلطانة" والكثير من الخلافات على الحكم الشبيهة أيضًا.
في طريق عمله كل يوم يلاحظ "قدري" مسجد شاهين الخلواتي، فقرر البحث وراء الاسم ليكتشف أن صاحب المسجد مقاتل جاء من تبريز لمصر ليستقر بها "أكتر حاجة بتشدني في التاريخ هو تتبع مسارات الأشخاص وأصلهم علشان أعرف حكايتهم، ومصر استقر فيها أعراق كثيرة جدًا من عهد رمسيس الثالث حتى الآن وده بسبب طبيعة أرض مصر المنبسطة اللي الحركة فيها سهلة، ونتج عنه انصهار الأعراق دي".
مع مجموعة "سيرة القاهرة" التي تضم الكثير من الباحثين والأكاديميين المهتمين بالآثار يتجول "قدري" لكن من وجهة نظر إنسانية ليست معمارية ليتعرف على الأثار بشكل مختلف ومن ناحية ليست مكشوفة لباقي الناس "من 2016 وأنا مهتم أحكي عن التاريخ على السوشيال ميديا، لكن بعد رجوعي من الهند الموضوع خد شكل متعمق أكثر لأني ابتديت أركز أكثر في الأعراق اللي خرجت من آٍيا واستقرت في مصر، مثلاً من الحكايات الغريبة أنه في وقت الحكم العثماني كان فيه حامية من المجر في أسوان، الناس دي اتنست وانصهرت بين أهل النوبة واتجوزوا وأولادهم بقوا مصريين".
يرى "قدري" أن الحركات البشرية تلك تخطت الحواجز السياسية للبلاد تاركة الآثار التي تدل على وجودهم وانصهارهم في مصر التي لطالما اعتبرت أم الدنيا، تلك المجموعات تركت المدارس والمساجد والمقابر التي مازالت موجودة حتى الآن، بالقرب من مديرية الأمن بالقاهرة يلفت انتباه "قدري" مسجد يسمى مسجد الطباخ، وبالبحث اكتشف أن صاحب المسجد الأول كان الأمير جمال الدين أكوش الشمسي وهو من قتل "كتبغا" في موقعة عين جالوت لتميل المعركة لصالح مصر "في عهد الناصر محمد بن قلاوون جت مصر مجموعات من آسيا اسمهم الأويرات والسلطان كان من نسلهم واستقروا في مصر في مناطق معينة، مع البحث بنكتشف أن المناطق اللي سكنوا فيها اشتهرت ببيع لحم الحصان، وده لأنهم بيفضلوه، لكن كل ده مستمرش بسبب عدم وجود مراعي، لكن المجموعات دي انصهرت في مصر وبقى اسمهم المغول الوافدية ولحد ما بقوا مصريين بالكامل".
يفضل قدري اكتشاف التاريخ عبر الحكايات الإنسانية، وهو مسار مغاير للمعتاد من تأمل الأثر، إذ أنه يهتم بالحكاية التي وراء الأثر ومسار تحرك الأعراق المختلفة، وينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ليتفاعل معها الناس ويقرأون الحكاية، ليشاهدوا الأثر بشكل مختلف تمامًا.
فيديو قد يعجبك: