يحمله بجوار قلبه.. خطاوي سراج الدين لا تُفارق الإذاعة
كتابة وتصوير- شروق غنيم:
بحنو يُحرك سراج الدين مؤشر المذياع، يفعل لذلك لثوانٍ حتى تلتقط محطته المٌفضلة الإشارة، صوت متهدّج يصدر من الجهاز العتيق، لكنه كفيل بدّب الروح داخل المنزل العتيق للرجل الأربعيني.
لم يعرف مذياع منزل سراج التوقف، دائمًا تدور الألة في فلك المحطات المختلفة، حتى مع هبوط الليل واستعداد العائلة للنوم، يصدح بالقرآن الكريم دون توقف.
منذ الصغر واعتاد سراج على الإنصات للإذاعة، لم يكن مُتاحًا بالمنزل سواها، لكن رويدًا رويدًا صارت متنفسه الوحيد، حينما يعود من مدرسته، يستلقي بجواره بينما تخط يديه الواجب المدرسي، وقلبه يدّق ابتهاجًا مع موسيقاه، أو يتفاعل مع الحواديت المُقدمة للأطفال، لكن كان ما يمّسه أكثر البرامج الشعرية.
كانت البرامج بمثابة باب الخروج لسراج، من عالمه الحقيقي المُتقلّب، لعالم موازي. مشوار لم يكتمل في التعليم، صار لزامًا عليه العمل منأجل تدبير المال، لكن بجوار الراديو كان يجد ما يبحث عنه "كنت بتعلم من عليه، مش التعليم بتاع الألف والباء لكن إزاي الواحد يبقى عنده وعي ودماغ ويدور على حاجات بيحبها".
لم يعد ممُكنًا لصاحب الـ47 ربيعًا مفارقة المذياع، لذا ابتهجت نفسه حينما ابتاع واحدًا صغيرًا يحمله بجوار قلبه في الجيب الأيسر لقميصه "وأنا بشتغل ساعات أشغله وساعات لاء، عشان شغلي في السباكة بيعمل دوشة أصلًا فمش هسمعه"، لكن ما إن يفرغ من عمله يُنصت له في طريق العودة للمنزل حتى وإن كان الصوت متقطع.
في رمضان ثمة طقوس لا يتخلى عنها الرجل الأربعيني؛ المذياع يدور دون توقف، يكسر الصمت المُخيم على المنزل "المشكلة بس إنه البرامج اللي بتابعها مواعيدها بتتلخبط"، لكن يحل مكانها برامج جديدة ومسلسلات إذاعية خصيصًا لأصحاب الراديو.
علاقة ترابط تكونت لسراج والمذياع، صار رفيقه الذي لا يُضله "بعد فترة بقيت بحب كمان أتصل وأشارك في البرامج الحوارية أو المسابقات"، ومن بينها ما يخص الشعر "بقيت بكتب أشعار وبألف كمان نكت، ساعات أتصل أشارك بيهم".
انغمس سراج في هواياته الشعرية، ينتظر حلول الليل لتأليف شعر أو كتابة مونولوج "في مرة كان في برنامج للمواهب وقررت أشارك".
كان يومًا لا ينسى بالنسبة للرجل الأربعيني "استنيت اللحظة دي تقريبًا كل حياتي"، كان ذلك قبل ثلاثة أعوام وحسب، خفق قلبه بشدة بينمايدلف المبنى الكبير، تُنقب عينيه داخل الغرف المتتابعة، من هنا تأتي الأصوات المحببة لقلبه "دخلت عملت الامتحان والدكتور قالي كلام حلووإن شعري كويس".
لم يكن مهتمًا بنتيجة الاختبار قدر أن يُسمع له وجهًا لوجه "كنت خلاص زهقت من إنهم بيسمعوني من التليفون وعايز أشوف اللي أصدقائياللي بيكلمني"، يُطلق الرجل الأربعيني لقب صديق أو صديقة على اسماء المذيعين "لأنهم اللي بيونسوني بعد موت أبويا وأمي".
انفض المنزل على سراج الدين، حين رحل والده ووالدته، صار وحيدًا إلا من أصوات رفاقه القادم من راديو صغير "حتى لو فتحت التلفزيونبجيب عليه الإذاعة"، صار ونسه ودفئه الوحيد، يعود للمنزل فيكون منتظره، أنا في أوقات فراغه بعد انتهاء العمل فيرافقه في بقاعه المُفضلة"بسمعه على التليفون وأنا قاعد على الكورنيش على النيل.. في اللحظة دي بنسى إني اتقطعت من شجرة وليا أهل".
فيديو قد يعجبك: