كوميديانات مصر (9)- عقيلة راتب.. من مونولوجست لمكتشفة النجوم (بروفايل)
كتب- محمد مهدي:
باندفاع ناحية ما تحب، لم تترك الفنانة عقيلة راتب في طفولتها مسرح المدرسة، مواهبها العديدة في الغناء والتمثيل جعلت منها نجمة صغيرة وسط أقرانها "لما المدرسة كانت تعمل حفلة كل سنة، لازم يختاروني بطلة الفرقة" كما تقول في لقاء تلفزيوني نادر، لم يخطر على بالها احتراف التمثيل، تعلم جيدًا صعوبة تقبل الأسرة لذلك، لكن ما باليد حيلة، لا يمكن تجاهل النداهة التي اصطحبتها إلى مسرح الفنان الكبير علي الكسار لتبدأ من هناك مسيرتها الفريدة في عالم الفن.
قاومت الأسرة اختيارها، رفض والدها احترافها التمثيل وهي ماتزال في سن مبكرة، لكنها لم تنصاع إليهم، غيرت اسمها من "كاملة محمد" إلى عقيلة راتب، وانطلقت على مسرح "الكسار" خلال فترة الثلاثينيات، اشتهرت حينذاك بصوتها الجيد "كنت بغني أوبريتات مع الكسار" تصفيق الجمهور في نهاية كُل عرض يمنحها نشوة لا مثيل لها، اعتادت على تذوق النجاح اليومي، ومع الفنان الكوميدي الكبير تعرفت على قيمة الضحك "أغلب مشاهدنا كانت كوميديا فحبيتها جدًا".
تنقلت "راتب" من مسرح الكسار إلى مسرح عزيز عيد، قبل أن تنهال عليها العروض السينمائية في أواخر الثلاثينيات وبداية الأربعينيات، من بينها فيلم "ألف ليلة وليلة" مع الكسار، وفيلم "الفرسان الثلاثة" في شخصية حسنية، وفيلم "قلب المرأة" من بطولة أمينة رزق ودولت أبيض، وتميزت حينها النجمة الصاعدة بجانب الأداء المتقن لأدوارها بخفة الظل "أنا في حياتي الشخصية طبيعتي مرحة، ودا انعكس على شغلي" حتى أنها تعرضت للعديد من المواقف الصعبة في البدايات لكنها اجتازت الأمر بالسخرية.
تروي أنها ذات مرة خرجت على المسرح لإلقاء مونولوج، وقفت أمام الجمهور، تبادلت معهم التحية، أشارت بيدها للفرقة للاستهلال بالموسيقى "وأول ما المزيكا وقفت عشان أقول المونولوج، لقيته خرج من دماغي" تُعيد الفرقة أكثر من مرة الافتتاحية الموسيقية دون فائدة "بقيت أبص يمين وشمال وأقول يارب حد من الجمهور يقول كلمة عشان افتكر" تذكرها ضاحكة، قبل أن تنقذها فتاة كانت تدندن المونولوج خلف ستائر المسرح "بقدرة ربنا بقيت زي القنبلة، وقولت المونولوج كله، كان اسمه يا ابن الناس".
للنجاح مواصفات خاصة حافظت عليها "راتب" من بينها عدم الغرور والدقة في المواعيد وحبها للعمل وزملائها، ظهر ذلك حينما تم اختيارها للعمل في استديو مصر والإشراف على تنفيذ عدد من الأعمال "قعدت 5 سنين هناك" كما تقول ابنتها في لقاء تلفزيوني، حرصت خلالها على الدفع بعدد من الوجوه الجديدة واكتشاف مواهب صارت فيما بعد من أبرز الأسماء في السينما المصرية من بينه "عماد حمدي، كان بيشتغل أعمال إدارية في الاستديو، ولقيته غاوي تمثيل، عملت معاه فيلم وسقط، ثم خدته في فيلم تاني اسمه (دايمًا في قلبي) ونجح وانتشر جدًا".
لم يكن أنور وجدي يحظى بقبول الوسط الفني، وفقا لابنة "راتب" لكن والدتها أصرت على إشراكه في فيلم "قضية اليوم" ليبدأ تعاون بينهما امتد لـ 6 أفلام تحول فيهما "وجدي" إلى حديث الجمهور، وهو ما جرى أيضًا من الفنان المتميز محمد فوزي "كان اسمه وقتها محمد الحو، ولسه جاي القاهرة، وهي اللي اختارت له اسم محمد فوزي، وعملت معاه أول أفلامه "سيف الجلاد" امتلكت قدرة فائقة على اكتشاف المواهب الكبيرة.
اللمحة الكوميدية ظلت جزء منها في أعمالها على مدار عقود، عشقت قول "الإيفيه" الضحك النابع من المواقف، والتلون في أداء كل شخصية تقوم بها، و"السوكسية" الذي يخرج من الجمهور من استمتاعه بها "بشعر إني في غاية السعادة لما بضحك الناس، كأني ملكت قلوبهم" حيث اشتهرت "راتب" في عشرات الشخصيات من أبرزها دور الأم في "عائلة زيزي" من إخراج فطين عبدالوهاب و "حفيظة هانم" في العمل التلفزيوني "عادات وتقاليد".
تقول راتب في لقاء تلفزيوني عن الشخصية المفضلة لها:" حفيظة هانم شخصية ظريفة ومصرية صميمة، تلاقيها في كل بيت"، حيث ناقش العمل خلال حلقاته التي تخطت 300 حلقة، التقاليد في المجتمع المصري من خلال خط درامي يُقدم أسبوعيًا "البيت كلها بيبقى أعصابه مشدودة وهي بتصور الحلقات، تفضل تحفظ أسبوع لحد يوم التسجيل، والتصوير صعب لو حصل غلطة يضطروا يعيدوا من الأول" كما تُشير ابنتها.
أعطت للفن الكثير من الجهد والموهوبة، حيث وصل عدد أعمالها إلى 97 فيلم ومسرحية ومسلسلاً، وظلت على العهد مع التمثيل حتى فقدت البصر خلال تصوير فيلمها الأخير "المنحوس" عام 1987، حتى أنها اضطرت لتأدية مشهدين بينما لا ترى "المخرج طلب منها تكمل وكانوا بيشرحولها تتحرك ازاي قدام الكاميرا" وخلال مسيرتها حصلت على عدد من الجوائز من الرئيس جمال عبدالناصر و"السادات" أيضًا "مهم تكريم الفنان في حياتها عشان يشعر بالفخر ويعرف إن مجهوده كان بفايدة" قبل أن تتوفى في عام 1999.
فيديو قد يعجبك: