كوميديانات مصر (8) ماري منيب.. عن الضحك "أسألوني أنا" (بروفايل)
كتب- محمد مهدي:
لم تمر الليلة الأولى للفنانة "ماري منيب" في دنيا الفن دون متاعب، حولتها الطفلة الصغيرة حينذاك إلى مشهد ساخر كعادتها، كان عليها أداء دور بسيط بمسرحة القضية نمرة 14 "مفروض في الدور إننا ننام على الأرض عشان نزوغ من عساكر الشرطة" حينما همت بالوقوف في نهاية المشهد فوجئت بالعدد الكبير للجمهور في الصالة فارتجف قلبها "روحت نمت تاني، زمايلي ينادوا عليا أقوم تاني مردتش، راحوا جرجوني لحد ما خرجت للكواليس" تذكرها ضاحكة في لقاء إذاعي.
القلق من الجمهور تحول فيما بعد إلى أُلفة ولقاء لا تغيب عنه "منيب" على مدار عقود، حيث انطلقت الفتاة التي تبلغ من العمر 14 عاما، في منتصف الثلاثينيات، إلى آفاق أوسع من خلال انضمامها لمسرح "نجيب الريحاني" لتقدم عشرات الأعمال الخالدة في تاريخ "التياترو" كما تُحب أن تُطلق عليه، وكان الشاغل الأول للفنانة هو إمتاع المتلقي والتفكير دائمًا في إسعاده "عشان كدا مهم أحب الجملة اللي هقولها مكرهاش، أقولها على مهلي وأوضبها وأطلع منها إيفيه وإتنين وتلاتة يضحكوا الجمهور".
على خشبة المسرح قدمت "منيب" كافة الفنون "بقيت بمثل وأغني كمان" في مسرحية "العشرة الطيبة" وهي من تلحين الموسيقار الكبير "سيد درويش" أدت شخصية "ست الدار المقاوحة" وهو ما لاقا إعجاب الجمهور حينذاك، في الوقت نفسه أدركت الفنانة المتوهجة بالموهبة أهمية أن يكون للفنان شخصية مستقلة تميزه عن غيره من زملائه "كل واحد على المسرح مهم يكون له شخصية، عشان لما أبطال كتير يقفوا جنب بعض يظهروا كلهم" من هنا جاءت لكنتها المختلفة ومفرداتها الخاصة.
ذاع صيت "منيب" في المسرح، توافد عليها عشرات الأدوار السينمائية، وبعد تفكير قررت خوض التجربة والبحث عن تحدي جديد بجانب التياترو "التياترجي بيكون في السينما أقوى من الفنان السينمائي بس، واحنا كنا أعدادنا قليلة" لم تحتاج إلى كثير من الوقت، نجحت في حجز مكانة لها بالسينما، أجادت في شخصية السيدة القوية، سواء الزوجة أو الحماة لكن بطابع كوميدي وساخر "اتعلمت إني ألقي الجملة بتاعتي بتمثيل، أقولها بطريقة لطيفة وتضحك" يخرج الحوار من لسانها بنغم متقطع وتُنهي في أغلب الأوقات بـ "ها ها هااااا".
حرصت "منيب" في اللقاءات التلفزيونية والإذاعية على الحفاظ على تلك الصورة الذهنية لها عند الجمهور، تتحدث بالطريقة ذاتها التي تخرج بها على المسرح أو في الأعمال السينمائية، حاولت قدر الإمكان إخفاء الأيام الصعبة التي عاشتها منذ طفولتها "شوفت صدمات كتيرة في الحياة، علمتني حاجات ياما، لكن ليه افتكرها، هي الدنيا ناقصة؟!" تلك التجارب القاسية هي من صنعت الموهبة وسرعة البديهة ومحاربة الأحزان بالبهجة "والدي تركنا في سوريا وسافر مصر، بعد سنتين والدتي راحتله اكتشفنا إنه مات" عانت الأسرة في القاهرة حتى حصلت الابنة على فرصة بالمسرح لكنها لم تنسَ أبدًا الماضي.
ظلت "منيب" على درب النجاح، شيدت أسطورتها في الكوميديا خلال فترة الخمسينيات وما بعدها، وقفت أمام كاميرا أشهر المخرجين في عدد من الأعمال من بينهم فطين عبدالوهاب في "لصوص لكن ظرفاء" و"اعترافات زوج" وحلمي رفلة في "حماتي قنبلة ذرية" و"الحموات الفاتنات" والسيد بدير في "أم رتيبة" وشاركت البطولة مع نجوم كبار مثل إسماعيل يس وكمال الشناوي وعمر الحريري وزينات صدقي وفاتن حمامة وغيرهم، حتى انقطعت فترة عن السينما في الستينيات "كنت عيانة ومقدرتش أشتغل سينما ومسرح مع بعض، فاخترت وقتها مسرح الريحاني لأنهم عشرة وولادي".
رفضت "منيب" المشاركة في المسلسلات التلفزيونية رغم كثرة الطلب عليها "مينفعش الفنان يبقى متقسم بين التلفزيون والسينما والمسرح، كدا يبقى مشتت وميقدرش يحافظ على مستواه" رغبت في المحافظة على إمكانياتها وحضورها الطاغي حتى أيامها الأخيرة، لم تكن ترض بمستوى متوسط أو ظهور خافت، وبقت على المسرح حتى شعرت بالمرض في يناير عام 1969، قبل أن تتوفى خلال أيام تاركة إرث كبير من الكوميديا والإبداع.
اقرأ أيضًا:
كوميديانات مصر (1)- سناء يونس.. شخصيات و"إيفيهات" لا تُنسى (بروفايل)
كوميديانات مصر (2)- سحر كامل.. نجمة المشهد الواحد (بروفايل)
كوميديانات مصر (3)- نادية العراقية.. "نجومية" الدقائق المعدودة (بروفايل)
كوميديانات مصر (4)- وداد حمدي.. الإضحاك بـ"صنعة لطافة" (بروفايل)
كوميديانات مصر (5)| سعاد نصر.. أجمل ظهور واختفاء حزين (بروفايل)
كوميديانات مصر (6) بدرية طلبة.. أستاذة "الارتجال" (بروفايل)
كوميديانات مصر (7) عائشةالكيلاني.. النجاح من "نص" فُرصة (بروفايل)
فيديو قد يعجبك: