لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هل أراك؟| (8).. رسالة بريطانية: ليس لإسرائيل صديق (بروفايل)

11:19 م الجمعة 21 أغسطس 2020

تفجير مكتب الانتداب البريطاني في القدس عام 1946

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

جاء النبأ ثقيلاً على ونستون تشرشل، وقف رئيس الوزراء البريطاني مذهولاً مما يجري؛ منشآت إنجليزية أخرى تُنسف في فلسطين، مزيد من الضحايا تسقط، جنود ومدنيين، وأما الفاعل فحليف يتلقى العون منذ أكثر من 30 عامًا، ويُفتح له الطريق يومًا تلو الآخر لإنشاء دولة له. لم يتخيل تشرتشل لحظة أن تتلقى بريطانيا تلك الطعنة، عجز السياسي الإنجليزي عن التعبير عما وقع من عمليات وصفها بالإرهابية، واكتفى بالتعليق "لقد هزت العالم وأثرت بشدة في أشخاص مثلي كانوا في الماضي أصدقاء دائمين لليهود ومهندسين دائمين لمستقبلهم".

في الأزمات يُعرف الصديق؛ كانت الحرب العالمية الثانية على الأبواب، تستعد بريطانيا لمواجهة جيش هتلر الألماني، فيما الوضع في فلسطين على أشده، عام 1939 يواصل أصحاب الأرض ثورتهم ضد العصابات الصهيونية والانتداب البريطاني؛ ارتبكت انجترا رغم وأدها للثورة الفلسطينية المستمرة لـ3 أعوام. لم تكن بحاجة لمزيد من القلق والخسائر بالتزامن مع دخول معركة كبرى، رأت أن تحتوي الغضب العربي بالحد من هجرة اليهود، وأصدرت ما عُرف بـ"الكتاب الأبيض"، وفيه تقر الإدارة البريطانية بتقليل تلك الهجرات، لكن ذلك لم يأت على هوى بني صهيون.

مُنعت سفن محملة باليهود من دخول فلسطين، ورفضت بريطانيا طلب دايفيد بن غوريون رئيس الوكالة اليهودية بتجنيد 30 ألف يهوديًا للحرب تحت قيادة بريطانيا. غضب حاييم وايزمان رئيس الحركة الصهيونية حينها وقال "على الحركة الصهيونية أن تحارب النازية وكأنه ليس هناك كتاب أبيض، وبنفس الوقت أن تحارب الكتاب الأبيض وكأنه ليس هناك خطر نازي".

ما كانت مجرد كلمات، تحولت دفة الإسرائيليين لضرب الفلسطينيين والبريطانيين معًا، في لحظة تخلوا عن صداقة امتدت منذ أربعينيات القرن الـ19 حين ُطرح مشروع توطين اليهود للمرة الأولىى، وصارت إدراة الانتداب "عدو للسامية" وجب تحرير فلسطين منه.

تحول أبناء صهيون بين ليلة وضحاها إلى مقاوم للانتداب البريطاني؛ أخذت الميلشيات العسكرية -المُشكلة تحت سمع بريطانيا- تضغط على الإنجليز لطردهم من فلسطين، راحوا يهاجمون معسكرات الجنود، وأماكن تواجد البريطانيين، ضربت التفجيرات الساحات وخطوط السكك الحديد، وتعرض السياسيون للابتزاز والقتل وصل حد إرسال البريد الملغم.

1

لم يتوان الإسرائيليون في التخلص من أي شيء يقف في طريق إسرائيل ولو بقتل اليهود أنفسهم، ولعل الباخرة "باتريا" الفرنسية شاهدة على ذلك، عام 1940 اقتربت سفينة تحمل نحو 1800 مهاجر يهودي من ميناء حيفا، كان مصيرها سيكون مثل غيرها من منع الدخول وفق قرار الانتداب بحد الهجرة، فما كان من الحركة الصهيونية إلا وفجرت جانب من الباخرة، وأُجبر البريطانيين على إدخال المهاجرين بعدما سقط جراء التفجير نحو 280 يهوديًا.

ما كان العنف وبث الإرهاب غريبًا على العصابات الصهيونية، الهاجاناه والمنشقة عنها، خاصة الأرغون وشتيرن، ألفوا فعل ذلك مع الفلسطينين، لكن تلك الأيام انضم إليهم مجموعة أخرى عام 1942 حملت اسم "مناضلو إسرائيل الأحرار"، تشكلت بعدما أعدمت السلطات البريطانية إبراهام شتيرن، مؤسس التنظيم الصهيوني الأخير، وهدف التشكيل الجديد خصيصًا "تحرير فلسطين من البريطانيين".

كانت بريطانيا أعطت اليهود حق حمل السلاح باعتبارهم أقلية يحق لهم الدفاع عن أنفسهم، مقابل نزعه من الفلسطينيين، حتى بات وجود فارغ رصاصة في منزل فلسطيني يُعرض أصحابه للمساءلة وهدم داره، بل ويرجع تدريب الصهاينة عسكريًا على التطهير العرقي إلى الضابط البريطاني أورد وينجت. تعلم الصهاينة من المحتل البريطاني كيف تُنال المطالب، ولم تعلم إدارة الانتداب أن السلاح الذي وضعته في يد مَن اعتبرته صديق سيوجه لصدرها بعد حين.

2

تصاعد الاعتداء الصهيوني على البريطانيين داخل فلسطين وخارجها، وبلغ أوجه بداية من 1944، حين استيقظت الحكومة الإنجليزية في السادس من نوفمبر على نبأ اغتيال المندوب السامي البريطاني اللورد "موين" في القاهرة، تبنت "شتيرن" العملية مصدرة المبرر الملازم لكل مَن لا يسير على درب إسرائيل "ضد السامية".

لم يُخفي الصهاينة تبدل حالهم مع الانتداب، أقاموا محطات إذاعية تُحرض على طرد البريطانيين، وأصدر مناحم بيجن، قائد عصابة الأرغون بياناً قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، وقال "ها قد أوشكت الحرب على النهاية بعد أربع سنوات، ومع ذلك لم نحصل على الاعتراف الدولي، ولم يتأسس لإسرائيل جيش وطني خاص بها، والدولة البريطانية خانت الشعب اليهودي، ولا يوجد أساس أخلاقي من أي نوع لتواجد بريطانيا على أرض إسرائيل، وأبواب الوطن لم تفتح بعد ولم يعد هناك ما يسمى بالهدنة بين الشعب اليهودي والإدارة البريطانية أو الحكومة البريطانية التي سلمت أشقاءنا إلى هتلر.. وعليه فإن شعبنا في حرب مع هذا النظام. حرب حتى النهاية".

ظل تشرشل والسياسيون البريطانيون يتلقون الضربات الإسرائيلية بلا رد يليق بمستوى ما يجري لجاليتهم على أرض فلسطين، لكن الكيل فاض؛ أخذ البريطانيون يتعقبون قائدي العصابات الصهيونية بالاعتقال والسجن، حتى باتت الصحف البريطانية وجدران فلسطين تحمل صورة "مناحم بيجن" –قائد تنظيم الأرغون الصهيوني ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق فيما بعد - تحت وصف "إرهابي مطلوب" مع تخصيص مكافأة لمن يدلي بمعلومات عنه.

3

بمرور الأيام تأكدت بريطانيا أنه ليس للصهاينة صديق سوى المصلحة، فما إن خفتت قوة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، حتى أدار الإسرائيليون وجههم صوب حليف جديد منحهم وعدًا آخر؛ في نيويورك، تحديدًا فندق بالتيمور، مايو عام 1942 اجتمع نحو 600 صهيونيًا من أوروبا وأمريكا تحت رئاسة حاييم وايزمن، رئيس المنظمة الصهيونية، وبن غوريون، مدير الوكالة اليهودية، وعُقدت وثيقة "بالتيمور" متضمنة التأكيد على إنشاء وطن يهودي على أرض فلسطين يكون مخلصًا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

صار لإسرائيل صديق جديد يدعم هجرة 100 ألف يهوديًا إلى فلسطين، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بدعوى إنقاذهم من نازية هتلر، فيما بدت بريطانيا أنها فقدت القدرة على فرض النظام داخل فلسطين، إذ سجلت نحو 500 عملية إرهابية على يد العصابات الصهيونية خلال الثمانية أعوام الأخيرة من الانتداب، منها تفجير فندق الملك داوود المتواجد به مكتب الانتداب البريطاني، في يوليو 1946، ثم استهداف نادي الضباط البريطاني في الأول من مارس 1947، واختطاف جنديين بريطانيين وقتلهم وتعليقهم على الشجر في أحد حقول نتانيا.

عملت بريطانيا قبل أكثر من 100 عامًا بما ينادي به دعاة التعايش "جربوا الصداقات ستحقق الغايات"، لكن الصهاينة لا يعرفون ذلك، وحدهم مَن حققوا الغاية، وذاق المحتل السابق –بريطانيا- ما صنعته يداه، خرج من فلسطين مسلمًا الأرض للإسرائليين، غابت الشمس عن الإمبراطورية الإنجليزية، وبات على أجيال بريطانيين أن ينتهزوا الفرص للتعبير عن أسفهم جراء ما تسببت حكوماتهم بفعله في شعب فلسطين، لكن الأسف لا يفيد.

المصادر:

* الإرهاب الصهيوني ودوره في قيام الدولة العبرية. ورقة للباحثة دلال بسما في مجلة الدفاع الوطني اللبناني- عدد إبريل 2003.

*سلسلة أفلام وثائقية بعنوان النكبة للإعلامية روان الضامن.

* مركز المعلومات الفلسطيني (وفا).

* الإرهاب ضد بريطانيا قبيل انسحابها من فلسطين كان صهيونياً. مقال لدكتور رفيق الحسيني، بموقع الأيام.

اقرأ ايضًا:

هل أراك؟| (1).. "حصّادين" الأرض المقدسة (بروفايل)

هل أراك؟| (2).. كانت تسمى "عيون قارة" الفلسطينية (بروفايل)

هل أراك؟| (3).. زارعو الألغام في سوق حيفا (بروفايل)

هل أراك؟| (4).. يوم أن حملت مُعلمة فلسطينية السلاح (بروفايل)

هل أراك؟| (5).. الثلاثاء الأحمر في سجن عكا (بروفايل)

هل أراك؟| (6).. ليلة عيد في ديار فلسطين (بروفايل)

هل أراك؟| (7).. مَوطني (بروفايل)

فيديو قد يعجبك: