الحج في زمن كورونا.. كيف تابع حجاج سابقون مشهد "طواف القدوم"؟
كتبت - رنا الجميعي:
بمشاعر مختلطة قابلت ندى يسري صورة طواف القدوم، ساورها إحساس بالحزن يجاوره شعور بالراحة حين رأت مشهد حجاج بيت الله الحرام في موسم شديد الخصوصية، بسبب أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد.
بدأت مناسك الحج، أمس الأربعاء، لتستمر على مدار خمسة أيام، فيما جاء حج هذا العام بمشاركة حوالي 10 آلاف حاج، مقارنة بنحو 2,5 مليون مسلم أقاموا شعائر الحج العام الماضي، وجاء اختيار العشرة آلاف بحسب عملية اختيار قامت بها السلطات السعودية، فيما اقتصرت على المقيمين داخل السعودية فقط.
شعرت ندى ببعض الحزن حين رأت المشهد، لقلة الأعداد، لكن خالجها في نفس الوقت شعور بالراحة؛ بسبب الشكل المنظم والملون لحجاج بيت الله "حسيت بهدوء يخلي الواحد يركز أكتر في الروحانيات"، كذلك أحسّت بالذهول مُتذكرة المرات التي قامت فيها بالحج والعمرة قبل ذلك "دايمًا بيكون فيه زحمة، حتى أخف المرات اللي رحت فيها كانت قد المنظر ده 20 مرة".
تداعت الذكريات على عقل ندى؛ كانت المرة الأولى التي تخطو فيها بيت الله، عام 2009، قبل دخولها مرحلة الثانوية العامة "كانت علامة فارقة في حياتي، بالذات بسبب الناس التي قابلتهم في الحج"، وتقول إن صحبة الحج ليس لها مثيل "مبنساش زحمة الأوضة الواحدة وفي خيمة عرفة، وطقوس الأكل سوا".
تعتقد ندى أن ذلك ما يفتقده حجاج هذا العام، هو الشعور بـ"اللمة" التي اختبرتها في حج 2009، تتذكر طقوس الإفطار صباحًا، مع فلسطينيين تعرفت عليهم هناك "كانوا جايبين معاهم زعتر وزيت زيتون، من بعدها مقدرتش استطعم الزعتر تاني".
بجانب الشعور بـ"اللمة"، كان الزحام لا يطاق في الحج، لازالت تتذكر ندى إحدى المواقف الصعبة التي مرت عليها بالحج، ففي طريق عودتهم من جبل عرفات استغرقوا وقتًا طويلًا للعودة، حيث اضطر الأتوبيس الذي صعدوا إليه التوقف عدة مرات بسبب الزحام "تعبنا جدًا حتى الأطفال كانت بتعيط".
الشعور بالزحام نفسه هو ما يتذكره ياسر الجوهري عن الحج أيضًا، تحديدًا يوم عرفة، حتى أنه اضطر ألا يستقل أي سيارة "خدناها مشي من الفندق لرمي الجمرات ثم لمكة"، يقول الجوهري إن الوسيلة المتنقلة الوحيدة السريعة خلال ذلك الزحام هو الموتوسيكل، لذا فإن سعر الانتقال به يكون مرتفعًا مُقارنة بالسيارة.
حينما شاهد الجوهري لحظة طواف القدوم انشرح صدره، تذكر أفضل مرة ذهب فيها إلى مكة، كان مشهد الحجاج يشبه ذلك المشهد، حيث أقام الجوهري العمرة سنة 2008، في موسم تندر فيه الرحلات الدينية، لذا جاء عدد الحجاج قليلًا "كانت متعة حقيقية"، فقد تمكن الجوهري حينها من لمس الحجر الأسود "كانوا عاملين طابور رجالة وطابور سيدات وفي خلال وقت قصير كان أي حد يقدر يلمس الحجر".
يُذكر أن المركز الوطني السعودي للوقاية من الأمراض ومكافحتها أصدر البروتوكولات الصحية الخاصة بالوقاية من كوفيد-19، من بينها منع لمس الكعبة والحجر الأسود وارتداء الكمامات، واستخدام السجادات الشخصية.
بنفس المنطق كررت ندى زياراتها لبيت الله الحرام، حيث أدت العمرة أكثر من مرة، وحاولت اختيار الأوقات التي يقل فيها أعداد الحجاج "كنا بنختار الأوقات اللي السعودية بتقفل فيه الرحلات الخارجية"، وتنتقي الأوقات الهادئة أكثر لإقامة العمرة "بظبط مواعيدي نعمل العمرة قبل الفجر"، لذا لازالت تتذكر ندى تلك الأوقات ببسمة هادئة تُلطّف من قسوة الدنيا.
على العكس من ندى والجوهري، كانت مريم ووالدها نبيل أبو المجد، فقد أثار مشهد طواف القدوم الحزن داخلهما، حيث استوحشت قلوبهما مشهد الكعبة خالية من حجاجها، فلا زال عقل مريم يسترجع أوجه الطائفين من جميع الجنسيات وهم في حالة اندماج روحي. ورغم الإرهاق الذي نال مريم بسبب الزحام، خاصة في يوم عرفة، إلا أنها رأت ما لم تره في حياتها، أبناء يحملون آبائهم كبار السن فوق أعناقهم، وأم تحمل ابنها الرضيع.
كذلك يرى نبيل أن الأعداد الكبيرة بركة من عند الله، تلك الأعداد التي كان يرافقها العام الماضي على جبل عرفات، حين أمطرت السماء بغزارة على الحجاج، وقتها شعر نبيل أن الله يبعث برسالة إليهم "بيقولنا إنتوا هتثابوا رغم أنفكم"، فقد عانى البعض التعب؛ فمنهم من كان يرتاح، ومنهم الذي شعر بالكسل "ساعتها كله قام يتوضى بمية المطرة"، كان مشهدًا عظيمًا يرويه نبيل كأنه قد حدث بالأمس، لذا حينما رأى مشهد طواف القدوم حزن على خلو بيت الله من عباده.
فيديو قد يعجبك: